الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
مَا شَرَدَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ كُلِّهِ وَحْشِيِّهِ وَأَنِيسِهِ لاَ تُحَاشِ شَيْئًا، لاَ طَائِرًا، وَلاَ ذَا أَرْبَعٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَنْ يُرْمَى بِمَا يَعْمَلُ عَمَلَ الرُّمْحِ، أَوْ عَمَلَ السَّهْمِ، أَوْ عَمَلَ السَّيْفِ، أَوْ عَمَلَ السِّكِّينِ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ تَحِلُّ التَّذْكِيَةُ بِهِ، فَإِنْ أُصِيبَ بِذَلِكَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ فَأَكْلُهُ حَلاَلٌ، فَإِنْ أُدْرِكَ حَيًّا إِلاَّ أَنَّهُ فِي سَبِيلِ الْمَوْتِ السَّرِيعِ فَإِنْ ذُبِحَ، أَوْ نُحِرَ فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَمُوتُ سَرِيعًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلاَّ بِذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ، أَوْ بِأَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهِ سَبُعٌ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، أَوْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ، لاَ ذَكَاةَ لَهُ إِلاَّ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: إذَا رَمَيْتَ ِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: كَمَا رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: إذَا رَمَيْت بِالْحَجَرِ أَوْ الْبُنْدُقَةِ ثُمَّ ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كُلُّ وَحْشِيَّةٍ قَتَلْتَهَا بِحَجَرٍ، أَوْ بِخَشَبَةٍ، أَوْ بِبُنْدُقَةٍ فَكُلْهَا وَإِذَا رَمَيْتَ فَنَسِيتَ أَنْ تُسَمِّيَ فَكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: كُلُّ وَحْشِيَّةٍ قَتَلْتَهَا بِحَجَرٍ، أَوْ بِبُنْدُقَةٍ، أَوْ بِمِعْرَاضٍ فَكُلْ، وَإِنْ أَبَيْتَ أَنْ تَأْكُلَ فَأْتِنِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ. وَرُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا عَنْ عُمَرَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لاَ يَحْذِفَنَّ أَحَدُكُمْ الأَرْنَبَ بِعَصَاهُ أَوْ بِحَجَرٍ، ثُمَّ يَأْكُلُهَا وَلْيُذَكِّ لَكُمْ الأَسَلُّ: النَّبْلُ، وَالرِّمَاحُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ عَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ، وَسَعِيدٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكُلْ. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، لأََنَّ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فَرَضَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا فَيُسْتَثْنَى مِنْهُمَا مَا اسْتَثْنَى فِيهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ تَرْكُ نَصٍّ لِنَصٍّ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ هَذَيْنِ مِنْ الصَّيْدِ لَيْسَا عَلَى عُمُومِهِمَا، لأََنَّهُ قَدْ تَنَالُ فِيهِ الْيَدُ الْمَيْتَةَ، وَقَدْ تُصَابُ بِالْقَوْسِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ ذَكَاةً بِلاَ خِلاَفٍ. وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ لأََنَّهُمْ أَخَذُوا بِخَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ امْتَنَعُوا مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ أُدْرِكَ حَيًّا إِلاَّ أَنَّهُ فِي سَبِيلِ الْمَوْتِ السَّرِيعِ فَلاَ بَأْسَ بِنَحْرِهِ وَذَبْحِهِ، وَلاَ بَأْسَ بِتَرْكِهِ، فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَكْلِ مَا خُزِقَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَبْحِهِ، أَوْ نَحْرِهِ، وَلاَ أَمَرَ بِهِ فَهُوَ حَلاَلٌ مُذَكًّى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لاَ يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ مَوْتَ الْمُذَكَّى فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ بِذَكَاةٍ، لأََنَّ حُكْمَ الذَّكَاةِ إرَاحَةُ الْمُذَكَّى، وَتَعْجِيلُ الْمَوْتِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ إرْسَالِ الْجَارِحِ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّذْكِيَةُ بِهِ فَلاَ يَحِلُّ مَا قُتِلَ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَكُلُّ مَنْ قلنا: إنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ كَغَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالصَّبِيِّ، وَمَنْ تَصَيَّدَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَكُلُّ مَنْ قلنا: إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ أُكِلَ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ كَالْكِتَابِيِّ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا قُتِلَ مِنْ الصَّيْدِ بِعَمْدٍ، أَوْ بِنِسْيَانٍ لأََنَّ الصَّيْدَ ذَكَاةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ: فِي كَلاَمِنَا فِي كِتَابِ التَّذْكِيَةِ آنِفًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَرِهَ بَعْضُ النَّاسِ أَكْلَ مَا قَتَلَهُ الْكِتَابِيُّونَ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّ الصَّيْدَ ذَكَاةٌ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مَا ذَكَّوْا وَلَمْ يَخُصَّ ذَبِيحَةً مِنْ نَحِيرَةٍ مِنْ صَيْدٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: قلنا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَيُرْسِلُ الْمَجُوسِيُّ بَازِيَ قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَك فَقَتَلَ فَكُلْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَغَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْمَسِيحَ، فَسَوَاءٌ أَعْلَنَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ لَمْ يُعْلِنْ وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّنَا إنَّمَا نَتْبَعُ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلاَ نَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِآرَائِنَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَوَقْتُ تَسْمِيَةِ الذَّابِحِ اللَّهَ تَعَالَى فِي الذَّكَاةِ هِيَ مَعَ أَوَّلِ وَضْعِ مَا يَذْبَحُ بِهِ أَوْ يَنْحَرُ فِي الْجِلْدِ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَلاَ بُدَّ. وَوَقْتُهَا فِي الصَّيْدِ مَعَ أَوَّلِ إرْسَالِ الرَّمْيَةِ أَوْ مَعَ أَوَّلِ الضَّرْبَةِ، أَوْ مَعَ أَوَّلِ إرْسَالِ الْجَارِحِ لاَ تُجْزِي قَبْلَ ذَلِكَ، وَلاَ بَعْدَهُ، لأََنَّ هَذِهِ مَبَادِئُ الذَّكَاةِ فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فَقَدْ مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَبَيْنَ الشُّرُوعِ فِي التَّذْكِيَةِ مُهْلَةٌ فَلَمْ تَكُنْ الذَّكَاةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمُهْلَةِ وَبَيْنَ كَثِيرِهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَرْفَتَيْنِ وَثَلاَثٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الأَمْرُ إلَى الْعَامِّ وَأَكْثَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ لِي، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا وَفِيهِ وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَكَانَ لِي جَارًا وَدَخِيلاً وَرَبِيطًا بِالنَّهَرَيْنِ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي آخَرَ قَدْ أَخَذَ لاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ قَالَ: فَلاَ تَأْكُلْ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَجْعَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِرْسَالَ، إِلاَّ مَعَ التَّسْمِيَةِ بِلاَ مُهْلَةٍ، وَحَرَّمَ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَكَمِ الْبَلَوِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنِّي أَخْرُجُ إلَى الصَّيْدِ فَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَخْرُجُ فَرُبَّمَا مَرَّ بِي الصَّيْدُ حَثِيثًا فَأُعَجِّلُ فِي رَمْيِهِ قَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا خَرَجْتَ قَانِصًا لاَ تُرِيدُ إِلاَّ ذَلِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تَخْرُجُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيك، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ ثُمَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَلَوِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. - وَكُلُّ مَا ضُرِبَ بِحَجَرٍ، أَوْ عُودٍ، أَوْ فَرَى مَقَاتِلَهُ سَبُعٌ بَرِّيٌّ أَوْ طَائِرٌ كَذَلِكَ، أَوْ وَثَنِيٌّ، أَوْ مَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى فَأُدْرِكَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الْحَيَاةِ ذُكِّيَ بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ، وَحَلَّ أَكْلُهُ، لأََنَّهُ مِمَّا قَالَ فِيهِ تَعَالَى فَلَوْ وَضَعَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا أَيْدِيَهُمْ عَلَى شَفْرَةٍ، أَوْ رُمْحٍ فَذَكَّوْا بِهِ حَيَوَانًا بِأَمْرِ مَالِكِهِ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى أَحَدُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ فَهُوَ حَلاَلٌ. وَكَذَلِكَ، لَوْ رَمَى جَمَاعَةٌ سِهَامًا وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى أَحَدُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ فَأَصَابُوا صَيْدًا فَأَكْلُهُ حَلاَلٌ وَهُوَ بَيْنَهُمْ إذَا أَصَابَتْ سِهَامُهُمْ مَقْتَلَهُ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى جَمِيعُهُمْ وَإِذَا لَمْ يُصِبْ أَحَدُهُمْ مَقْتَلَهُ، فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَهُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَدٌ مِمَّنْ أَصَابَ مَقْتَلَهُ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ كُلُّهُ الَّذِي سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى بِخِلاَفِ الْقَوْلِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْمُتَمَلَّكِ، وَذَلِكَ لأََنَّ التَّسْمِيَةَ صَحَّتْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلاَلٌ، فأما الصَّيْدُ فَلاَ يُمْلَكُ إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ أَوْ بِأَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهَذَا لَمْ يُذَكِّهِ، لَكِنْ جَرَحَهُ فَلَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ الَّذِي ذَكَّاهُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَأَمَّا الْمُتَمَلَّكُ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى فَهُوَ مُذَكًّى بِتَسْمِيَةِ مَنْ سَمَّى، وَالْمِلْكُ بَاقٍ لِمَنْ سَلَفَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ كَمَا كَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، فَإِنْ مَيَّزَ سَهْمَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي مَاءٍ، فَإِنْ مَيَّزَ أَيْضًا سَهْمَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلاَ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا وَقَعَتْ رَمْيَتُكَ فِي مَاءٍ فَغَرِقَ فَمَاتَ فَلاَ تَأْكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إذَا عَرَفْتَ سَهْمَكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرًا لِغَيْرِهِ فَكُلْ. وَسَوَاءٌ أَنْتَنَ أَمْ لَمْ يُنْتِنْ، وَلاَ يَصِحُّ الأَثَرُ الَّذِي فِيهِ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَلاَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي قَالَ: كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَضِلَّ أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِكَ لأََنَّهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُسْنَدًا، وَلاَ الأَثَرُ الَّذِي فِيهِ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ، وَلاَ تَأْكُلْ مَا أَنْمَيْتَ. وَتَفْسِيرُ الْإِصْمَاءِ أَنْ تُقْعِصَهُ وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِسَهْمِهِ حَتَّى يَغِيبَ عَنْهُ فَيَجِدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَيِّتًا بِيَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهَكَذَا رُوِّينَا تَفْسِيرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لأََنَّ رَاوِيَ الْمُسْنَدِ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ. وَلاَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَمَيْتُ صَيْدًا فَتَغَيَّبَ عَنِّي لَيْلَةً فَقَالَ عليه السلام: إنَّ هَوَامَّ اللَّيْلِ كَثِيرَةٌ لأََنَّهُ مُرْسَلٌ.، وَلاَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِهِ دَوَابُّ الْمُعَارِ لاََمَرْتُكَ بِأَكْلِهِ لأََنَّهُ مُرْسَلٌ، وَفِيهِ الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلاَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِي الصَّيْدِ، إذَا غَابَ مَصْرَعُهُ عَنْك كَرِهَهُ لأََنَّهُ مُرْسَلٌ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ رَمَى الصَّيْدَ فَوَجَدَ فِيهِ سَهْمَهُ مِنْ الْغَدِ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ لاََمَرْتُك بِأَكْلِهِ، وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ قَتَلَهُ تَرَدِّيهِ أَوْ غَيْرُهُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ طَائِرًا وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَخَرَّ فَمَاتَ فَلاَ تَأْكُلْهُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ تَرَدِّيهِ أَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ فَلاَ تَأْكُلْهُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ الْمَاءُ. وَمِثْلُهُ عَنْ طَاوُوس، وَعِكْرِمَةَ قَالَ: إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تُذَكِّيَهُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِ طَيْرٍ رُمِيَ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِي صَيْدٍ رُمِيَ فَلَمْ يَزَلْ يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ قَالَ: كُلْهُ فَإِنْ تَوَارَى عَنْك بِالْهِضَابِ أَوْ الْجِبَالِ فَلاَ تَأْكُلْهُ إذَا غَابَ عَنْك مَصْرَعُهُ فَإِنْ تَرَدَّى أَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ وَأَنْتَ تَرَاهُ فَلاَ تَأْكُلْهُ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا تَوَارَى عَنْك الصَّيْدُ وَالْكَلْبُ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ فَوَجَدْتَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ جَازَ أَكْلُهُ، فَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ الْكَلْبَ وَاشْتَغَلَ بِصَلاَةٍ أَوْ عَمَلٍ مَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْكَلْبِ فَوَجَدَ الصَّيْدَ مَقْتُولاً وَالْكَلْبُ عِنْدَهُ كُرِهَ أَكْلُهُ. وقال مالك: إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ فَأَدْرَكَهُ مِنْ يَوْمِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَفِيهِ جِرَاحَةٌ أَكَلَهُ، فَإِنْ بَاتَ عَنْهُ لَمْ يَأْكُلْهُ. وقال الشافعي: الْقِيَاسُ إذَا غَابَ عَنْهُ أَنْ يَأْكُلَهُ. قال أبو محمد: هَذِهِ أَقْوَالٌ سَاقِطَةٌ إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْمُفْتَرَضُ طَاعَتُهُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ يَقُولُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدُنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ، ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ أَيَأْكُلُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ، إنْ شَاءَ، أَوْ قَالَ: يَأْكُلُ إنْ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَرْمِي أَحَدُنَا الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَيَجِدُهُ وَفِيهِ سَهْمُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: إذَا وَجَدَ سَهْمَهُ قَدْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ الأَمْرُ مِنْ الْجَرْيِ أَوْ الطَّيَرَانِ وَلَمْ يُصِبْ لَهُ مَقْتَلاً أَوْ أَصَابَ فَهُوَ لَهُ، وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لأََنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَمَلَكَهُ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ مِنْهُ عُضْوًا، أَيَّ عُضْوٍ كَانَ فَمَاتَ مِنْهُ بِيَقِينٍ مَوْتًا سَرِيعًا كَمَوْتِ سَائِرِ الذَّكَاةِ، أَوْ بَطِيئًا إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ إِلاَّ وَقَدْ مَاتَ، أَوْ هُوَ فِي أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْحَاضِرِ: أَكَلَهُ كُلَّهُ، وَأَكَلَ أَيْضًا الْعُضْوَ الْبَائِنَ. فَلَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ مَوْتًا سَرِيعًا وَأَدْرَكَهُ حَيًّا وَكَانَ يَعِيشُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَيْشِ الْمُذَكَّى، ذَكَّاهُ وَأَكَلَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الْبَائِنَ، أَيَّ عُضْوٍ كَانَ ; لأََنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْهُ كَمَوْتِ الذَّكَاةِ فَهُوَ ذَكِيٌّ كُلُّهُ. فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا فَهُوَ ذَكِيٌّ مَتَى مَاتَ مِمَّا أَصَابَهُ وَهُوَ مُذَكًّى كُلُّهُ، وَمَا كَانَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى، وَقَالَ عليه السلام، إذَا خُزِقَ فَكُلْ فَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ. وَإِذَا أُدْرِكَ حَيًّا فَذَكَاتُهُ فَرْضٌ لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالْإِرَاحَةِ. وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَاجِلِ فَلاَ مَعْنَى لِذَبْحِهِ حِينَئِذٍ، وَلاَ لِنَحْرِهِ لأََنَّهُ لَيْسَ إرَاحَةً بَلْ هُوَ تَعْذِيبٌ، وَهُوَ بَعْدُ مُذَكًّى، فَهُوَ حَلاَلٌ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ: إذَا رَمَى الصَّيْدَ فَغَدَا حَيًّا وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ عُضْوٌ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ سَائِرُهُ حَاشَا ذَلِكَ الْعُضْوِ، فَإِنْ مَاتَ حِينَ ذَلِكَ أُكِلَ كُلُّهُ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَالأَوْزَاعِيُّ: إنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أَكَلَ النِّصْفَيْنِ مَعًا، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقَلَّ مِنْ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ الْقِطْعَةُ الَّتِي فِي الرَّأْسِ هِيَ الصُّغْرَى أُكِلَ كِلْتَاهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي فِيهَا الرَّأْسُ هِيَ الْكُبْرَى أُكِلَتْ هِيَ وَلَمْ تُؤْكَلْ الْأُخْرَى. وقال الشافعي: إنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يَمُوتُ بِهِ مَوْتَ الْمَنْحُورِ أَوْ الْمَذْبُوحِ أُكِلاَ مَعًا، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يَعِيشُ بَعْدَهُ سَاعَةً فَأَكْثَرَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ أُكِلَ، حَاشَا مَا قُطِعَ مِنْهُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ حَدَّ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ مُتَعَلِّقًا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ رَمَى جَمَاعَةَ صَيْدٍ، وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَنَوَى أَيَّهَا أَصَابَ، فَأَيُّهَا أَصَابَ حَلاَلٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ. وَقَوْلِهِ عليه السلام: إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ إِلاَّ أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخُصَّ أَنْ يَقْصِدَ صَيْدًا مِنْ الْجُمْلَةِ بِعَيْنِهِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. فَلَوْ لَمْ يَنْوِ إِلاَّ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَصَابَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ فَإِنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَنْوِ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلاَّ أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ ذَبْحَ حَيَوَانٍ مُتَمَلَّكٍ بِعَيْنِهِ فَذَبَحَ غَيْرَهُ مُخْطِئًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لأََنَّهُ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ قَاصِدًا إلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ وَجَعَلَهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَمَاهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَتَلَهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ، لأََنَّهُ إذْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ ذَكَاتُهُ إِلاَّ بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ، فَلَمْ يُذَكِّهِ كَمَا أُمِرَ، فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى، وَعَلَى قَاتِلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَهُ ضَمَانُ مِثْلِهِ لِلَّذِي أَثْخَنَهُ، لأََنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الأَمْتِنَاعِ، فَقَاتِلُهُ مُعْتَدٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ نَصَبَ فَخًّا، أَوْ حِبَالَةً، أَوْ حَفَرَ زُبْيَةً كُلُّ ذَلِكَ لِلصَّيْدِ، فَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ سِوَاهُ ; فَإِنْ نَصَبَهَا لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَدَ صَيْدًا قَدْ صَادَهُ جَارِحٌ أَوْ فِيهِ رَمْيَةٌ قَدْ جَعَلْته غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَإِذَا نَوَى الصَّيْدَ فَقَدْ مَلَكَ كُلَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِمَّا قَصَدَ تَمَلُّكَهُ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الصَّيْدَ فَلَمْ يَتَمَلَّكْ مَا وَقَعَ فِيهَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لِكُلِّ مَنْ تَمَلَّكَهُ وَكَذَلِكَ مَا عَشَّشَ فِي شَجَرَةٍ أَوْ جُدْرَانِ دَارِهِ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ إِلاَّ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ تَمَلُّكًا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ أَخْبَرَهُ عَنْ الْبَهْزِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ عَقِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ، ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا كَانَ بِالْأُثَايَةِ إذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ وَفِيهِ سَهْمٌ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَثْبُتُ عِنْدَهُ لاَ يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ. قال أبو محمد: وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ فَلَمْ يُذَكُّوهُ حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ حَرَامٌ، لأََنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْ بِتَذْكِيَةِ ذَلِكَ الظَّبْيِ وَتَرَكَهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَمَاهُ، وَهَذَا الْبَهْزِيُّ هُوَ كَانَ صَاحِبَ ذَلِكَ الْحِمَارِ الْعَقِيرِ. فَلَوْ مَاتَ فِي الْحِبَالَةِ، أَوْ الزُّبْيَةِ، لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ جَعَلَ هُنَالِكَ حَدِيدَةً أَمْ لَمْ يَجْعَلْ، لأََنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَذْكِيَتَهُ كَمَا أُمِرَ أَنْ يُذَكِّيَهُ بِهِ مِنْ رَمْيٍ أَوْ قَتْلِ جَارِحٍ، وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ حَرَامٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَلاَ يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْلِيلِ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي هَذَا. وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَمَّنْ وَضَعَ مِنْجَلَهُ فَيَمُرُّ بِهِ طَائِرٌ فَيَقْتُلُهُ فَكَرِهَ أَكْلَهُ وَسَأَلْتُ عَنْهُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِصَيْدِ الْمَنَاجِلِ، وَقَالَ: سَمِّ إذَا نَصَبْتهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَخِي مَسْرُوقٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَيْدِ الْمَنَاجِلِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا مَا بَانَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَلاَ تَأْكُلْ وَكُلْ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، قَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ هَذَا عَلَى غَيْرِهِمْ. وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ حَيَوَانًا وَحْشِيًّا حَيًّا أَوْ مُذَكًّى أَوْ بَعْضَ صَيْدِ الْمَاءِ كَذَلِكَ فَهُوَ لَهُ كَسَائِرِ مَالِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، فَإِنْ أَفْلَتَ وَتَوَحَّشَ وَعَادَ إلَى الْبَرِّ أَوْ الْبَحْرِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ أَبَدًا، وَلاَ يَحِلُّ لِسِوَاهُ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِ مَالِكِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَنَاسَلَ مِنْ الْإِنَاثِ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. وقال مالك: إذَا تَوَحَّشَ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَهَذَا قَوْلٌ بَيِّنُ الْفَسَادِ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالنَّظَرِ، وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُمْ إنْ أَفْلَتَ فَأُخِذَ مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ الْغَدِ فَلاَ يَحِلُّ لِغَيْرِ مَالِكِهِ فَلِيُبَيِّنُوا لَنَا الْحَدَّ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَيَسْأَلُونَ عَمَّنْ مَلَكَ وَحْشِيًّا فَتَنَاسَلَ عِنْدَهُ ثُمَّ شَرَدَ نَسْلُهَا فَإِنْ قَالُوا: يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ فِي الْعَالَمِ، لأََنَّ جَمِيعَهَا فِي أَوَّلِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَمَلَّكَةٍ ثُمَّ مُلِّكَتْ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي حَمَامِ الأَبْرَاجِ، وَالنَّحْلُ كُلُّ مَا مَيَّزَ فَهُوَ وَنَسْلُهُ لِمَالِكِهِ أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَقَوْلُ اللَّيْثِ: مَنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِمَضْيَعَةٍ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا لاَ تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا وَكَقَوْلِ اللَّيْثِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ نُظَرَائِهِ: مَا عَطِبَ فِي الْبَحْرِ مِنْ السُّفُنِ فَرَمَى الْبَحْرُ مَتَاعًا مِمَّا غَرِقَ فِيهَا فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ لاَ لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ قَامَتْ لَهُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ ظَاهِرَةُ الْبُطْلاَنِ، لأََنَّهُ إيكَالُ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا حُكْمُ إرْسَالِ الْجَارِحِ، فَلاَ يَخْلُو ذَلِكَ الْجَارِحُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فَالْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي لاَ يَنْطَلِقُ حَتَّى يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ، فَإِذَا أَطْلَقَهُ انْطَلَقَ، وَإِذَا أَخَذَ وَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ الصَّيْدِ شَيْئًا، فَإِذَا تَعَلَّمَ هَذَا الْعَمَلَ، فَبِأَوَّلِ مُدَّةٍ يُقْتَلُ، وَلاَ يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ مُعَلَّمٌ حَلاَلٌ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِمَّا أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إطْلاَقِهِ. وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ أَوْ بِرَضٍّ، أَوْ بِصَدْمٍ، أَوْ بِخَنْقٍ كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ. فَإِنْ قَتَلَهُ وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا فَذَلِكَ الصَّيْدُ حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا الْكَلْبُ، وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ دَوَابِّ الأَرْبَعِ، وَالْبَازِي وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَلاَ فَرْقَ. فأما الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي التَّعْلِيمِ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا كَمَا ذَكَرْنَا إِلاَّ مَا أَمْسَكَ عَلَيْنَا جَوَارِحُنَا الْمُعَلَّمَةُ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ، وَذَوَاتَ الأَرْبَعِ تَعْلَمُ التَّصَيُّدَ بِطَبْعِهَا لأََنْفُسِهَا وَمَعَاشِهَا فَلاَ بُدَّ مِنْ شَيْءٍ زَائِدٍ تَعْلَمُهُ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْ تَعَلُّمَهُ لاَ بُدَّ مِنْ هَذَا ضَرُورَةً، وَإِلَّا فَكُلُّ جَارِحٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَلاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ، فَإِذْ لاَ بُدَّ مِنْ هَذَا فَلَيْسَ هَهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تُعَلَّمَهُ إِلاَّ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْمِرَارِ، وَلَمْ يَحُدَّا فِي ذَلِكَ حَدًّا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الرَّابِعَةِ، وَلاَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي تِلْكَ الثَّلاَثِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إذَا أَمْسَكَ فَلَمْ يَأْكُلْ مَرَّةً فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَيُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلاَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الْأُولَى. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَأَوَّلُ مَرَّةٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ لأََنَّهُمَا لَمْ يُبَيِّنَا مَتَى يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَ وَمَتَى لاَ يَحِلُّ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَالسُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى لأََنَّهُ إشْكَالٌ مَحْضٌ، لاَ بَيَانَ فِيهِ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى بَيِّنٌ لاَئِحٌ قَدْ فَصَّلَ لَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِمَّا لَمْ يَحْرُمْ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فَأَظْهَرُ فَسَادًا مِنْ الْقَوْلِ الأَوَّلِ لأََنَّهُمَا حَدَّا حَدًّا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَدَّ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ وَبَيْنَ مَنْ حَدَّ بِأَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ، أَوْ بِمَرَّتَيْنِ، أَوْ بِمَا زَادَ وَكُلُّ ذَلِكَ، شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّنَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ إِلاَّ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ الْأُولَى فَبِهَا عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ فَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ، إنَّهُ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ الْأُولَى عَلِمْنَا أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا، فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ صَادَ تِلْكَ الْمَرَّةَ وَهُوَ مُعَلَّمٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا لَمَا أَتَى بِشُرُوطِ التَّعْلِيمِ، فَإِذْ صَادَهَا وَهُوَ مُعَلَّمٌ فَحَلاَلٌ أَكْلُ مَا صَادَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الصَّحِيحُ بِلاَ شَكٍّ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَلَمْ يُرَاعِ أَكْلَ الْجَارِحِ وَهُوَ خَطَأٌ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا جَوَازُ أَكْلِ مَا قَتَلَ كَيْفَمَا قَتَلَ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: لاَ يُؤْكَلُ إِلاَّ مَا جَرَحَ لاَ مَا قَتَلَ بِخَنْقٍ، أَوْ صَدْمٍ، أَوْ رَضٍّ، أَوْ غَمٍّ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ الْجَوَارِحِ}. قال علي: وهذا جَهْلٌ مِنْهُمْ، لأََنَّ الْجَارِحَ الْكَاسِبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وقال بعضهم: قِسْنَا الْجَارِحَ عَلَى الْمِعْرَاضِ إنْ خُزِقَ أُكِلَ وَإِنْ رُضَّ لَمْ يُؤْكَلْ. قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّهُ قِيَاسٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا بَاطِلاً لأََنَّهُ لاَ قِيَاسَ عِنْدَهُمْ مَعَ نَصٍّ وَالنَّصُّ جَاءَ فِي الْمِعْرَاضِ بِمَا ذَكَرُوا، وَفِي الْجَارِحِ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ قَالَ: وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَخْذِ الْكَلْبِ فَقَالَ: كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ فَقَالَ: مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ فَأَمَرَهُ عليه السلام بِأَكْلِ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ ذَكَاةٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عليه السلام بِجِرَاحَةٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ أَكْلِ الصَّيْدِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِحُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا آدَم، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ الأَحْوَلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ لَمْ يَقْتُلْ فَاذْبَحْ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَقَدْ أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ فَلاَ تَطْعَمْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ وَبِهَذَا يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: صَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا الْبَاجِيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ كَلْبٍ أَرْسَلَهُ فَقَالَ لِي وَذِّمْهُ فَإِذَا أَرْسَلْته فَسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أَكَلَ فَلَيْسَ بِمُعَلَّمٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ صَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ فِي الصَّقْرِ وَالْبَازِي يَأْكُلُ قَالَ: لاَ تَأْكُلْ، وَمِثْلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَمَنَعَ الشَّعْبِيُّ مِنْ أَكْلِ الصَّيْدِ إذَا شَرِبَ الْجَارِحُ مِنْ دَمِهِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وقال مالك: يُؤْكَلُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأََبِي ثَعْلَبَةَ: إنْ كَانَ لَك كِلاَبٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسَكَ، وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَضِلَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ صَيْدٍ وَلَنَا كِلاَبٌ نُرْسِلُهَا فَتَأْخُذُ الصَّيْدَ فَقَالَ عليه السلام: كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنْ يُخَالِطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ قَتَلَتْ، قَالَ: وَإِنْ قَتَلَتْ، قُلْتُ: وَإِنْ أَكَلَتْ، قَالَ: وَإِنْ أَكَلَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَ مِنْ كَلْبٍ ضَارٍ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ، قُلْتُ: وَإِنْ أَكَلَ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مِنْ سَعْدِ هُذَيْمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَصْحَابُ قَنْصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَقَتَلَ فَكُلْ، قلنا وَإِنْ أَكَلَ نَأْكُلُ قَالَ: نَعَمْ. وَاعْتَرَضُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَلْبَ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْإِمْسَاكِ عَلَى مُرْسِلِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِنْكَارِ لِذَلِكَ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كُلْ مِمَّا أَكَلَ مِنْهُ كَلْبُكَ الْمُعَلَّمُ وَإِنْ أَكَلَ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ بِضْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَأَكَلَ ثُلُثَيْهِ فَكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ شُعْبَةُ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ ثُمَّ اتَّفَقَ بَكْرٌ، وَسَعِيدٌ كِلاَهُمَا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مَنْ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ، وَلاَ سُمِّيَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ. وَعَطَاءٍ. قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّهَا سَاقِطَةٌ لاَ تَصِحُّ: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَمِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ عُمَرَ. وَهُوَ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ ذُكِرَ بِالْكَذِبِ، فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: بَلْ هُوَ ثِقَةٌ قلنا: لاَ عَلَيْكُمْ إنْ وَثَّقْتُمُوهُ هَهُنَا فَخُذُوا رِوَايَتَهُ الَّتِي رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ عُمَرَ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ وَلِيَالِهِنَّ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ فَهَذِهِ تِلْكَ الطَّرِيقُ بِعَيْنِهَا. وَمِنْ الْكَبَائِرِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الأَحْتِجَاجُ بِهَا إذَا اشْتَهَيْتُمْ وَوَافَقَتْ أَهْوَاءَكُمْ وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ، وَإِطْرَاحُهَا إذَا خَالَفَتْ أَهْوَاءَكُمْ وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ هَذِهِ الصِّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ إنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا نَحْتَجُّ بِهِ أَصْلاً، وَلاَ نَقْبَلُهُ حُجَّةً. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَصَحِيفَةٌ، فَإِنْ أَبَوْا إِلاَّ تَصْحِيحَهَا ; قلنا: لاَ عَلَيْكُمْ خُذُوا بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: ثَلاَثُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَثَلاَثُونَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ، وَعِشْرُونَ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ: حَرَقُوا مَتَاعَ الْغَالِّ وَضَرَبُوهُ، وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا خَالَفُوهُ وَلَمْ يَرُدُّوهُ إِلاَّ بِتَضْعِيفِ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَحُجَّةٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْسُوبَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَهَوْا وَوَافَقَتْ أَهْوَاءَهُمْ، وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدُوهُ، وَهِيَ مَرْدُودَةٌ مُطَّرَحَةٌ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ إذَا خَالَفَتْ أَهْوَاءَهُمْ، وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدُوهُ، أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْمُبِينُ، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ تَنْبَسِطُ نَفْسُ مُسْلِمٍ لِمِثْلِ هَذَا وَأَمَّا الْخَبَرُ: عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: فَأَحَدُ: طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ. وَقَدْ رَوَى الْكَذِبَ الْمَحْضَ عَنْ الثِّقَاتِ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَالْأُخْرَى: مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَكَمْ رِوَايَةٍ لأََسَدٍ، وَسِمَاكٍ، اطْرَحُوهَا إذَا خَالَفَتْ أَهْوَاءَهُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي النُّعْمَانِ: فَمُصِيبَةٌ، فِيهِ الْوَاقِدِيُّ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَأَمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ: فَهُوَ عَنْ سَعْدٍ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَخْتَمِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَعَنْ عَلِيٍّ كَذَلِكَ، وَعَنْ سَلْمَانَ كَذَلِكَ، لأََنَّنَا لاَ نَعْلَمُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَلاَ لِبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سَمَاعًا مِنْ سَلْمَانَ، وَلاَ كَانَا مِمَّنْ يَعْقِلُ ; إذْ مَاتَ سَلْمَانُ رضي الله عنه أَيَّامَ عُمَرَ بَلْ إنَّهُ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا يُصَادُ بِهِ مِنْ الْبِيزَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّيْرِ فَمَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ وَمَا لاَ فَلاَ تَطْعَمُ. وَأَمَّا الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ حُجَّةً فِي بَعْضِ قَوْلِهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ فِي سَائِرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ. وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ مُرَاعَاةَ نِيَّاتِ الْكِلاَبِ فَقَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ الْمُنْكَرُ نَفْسُهُ حَقًّا، لأََنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَسْبُ الْمَحْرُومِ هَذَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ أَكْلُ الْجَارِحِ يُحَرِّمُ مِنْهُ مَا بَقِيَ لَمْ يَحِلَّ لأََحَدٍ أَنْ يُبَادِرَ إلَى الضَّارِي حَتَّى يَدْرِيَ أَيَأْكُلُ مِنْهُ أَمْ لاَ قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ لأََنَّ بِأَوَّلِ دَقِيقَةٍ يُمْكِنُ الْجَارِحَ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا قَتَلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى مُرْسِلِهِ أَمْسَكَ لاَ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ وَلَمْ نُكَلَّفْ قَطُّ هَذَا إنَّمَا أَمَرَ عليه السلام أَنْ لاَ نَأْكُلَ إذَا أَكَلَ، وَأُفٍّ أَوْ تُفٍّ لِكُلِّ عَقْلٍ يَعْتَرِضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَبَطَلَ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا جَوَازُ أَكْلِ كُلِّ مَا قَتَلَهُ الْمُعَلَّمُ مِنْ غَيْرِ الْكِلاَبِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا فَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ صَيْدٍ قَتَلَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجَوَارِحِ إِلاَّ الْمُعَلَّمَ مِنْ الْكِلاَبِ وَحْدَهُ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ فَأَكَلَ مَا قَتَلَ جَائِزٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَاءَتْ فِي الْكَلْبِ فَقَطْ، قَالُوا: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: أَمَّا الأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَمَا قَالُوا إِلاَّ أَنَّ الآيَةَ أَعَمُّ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ الْجَوَارِحِ} فَعَمَّ كُلَّ جَارِحٍ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِخَبَرٍ فِيهِ بَعْضُ مَا فِي الآيَةِ. وَأَمَّا قوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ} فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ أَصْلاً، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، بَلْ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّ صَيْدَ غَيْرِ الْكِلاَبِ جَائِزٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} لأََنَّهَا لاَ تَحْتَمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي حَالِ الْكِلاَبِ فَصَحَّ أَنَّهَا غَيْرُ الْكِلاَبِ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَا عَدَا الْكِلاَبَ لاَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ الْمَذْكُورَ أَصْلاً، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهَا نَوْعٌ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ فَلاَ يَنْطَلِقُ حَتَّى يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ، وَإِذَا صَادَ لَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ أَصْلاً فَلاَ يَجُوزُ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا قَتَلَتْ إِلاَّ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ وَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يُؤْكَلُ صَيْدُ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ إِلاَّ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْنَا، لاَ مِمَّا أَمْسَكْنَ جُمْلَةً، وَلاَ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا أَكَلَتْ الْجَوَارِحُ فَلاَ تَأْكُلْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|