الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وأذكر منها خمس مسائل دورية، في كل واحدة دور الأولى: قال التونسي: إن وهب مريض لمريض ضيعة لا مال له غيرها، ثم وهبها الموهوب في مرضه للواهب ولا مال له غيرها، فالجائز الثلث، قال ابن القاسم: تقسم من تسعة، ثلاثة للموهوب له أولا وهو ثلثها، يرد منها واحد للموهوب له ثانيا؛ لأنه ثلث الثلاثة، وهذا السهم يلزم منه الدور؛ لأنك إذا أعطيته لورثة الأول كثر ثلثه ويرجع عليهم ورثة الثاني في ثلثه كمال مجرد؛ لأن هبة البتل تدخل فيما علم وما لم يعلم، ثم يقوم عليهم ورثة الأول في ثلث ثلثه فيدور هكذا أبدا، ولما كان كذلك سقط من الورثتين، ويكون المال ثمانية، ستة لورثة الأول واثنان لورثة الثاني، وهذا كلام التونسي. وطريق الجبر أن تقول: صحت الهبة من الأول في شيء من العبد فبقي عبد إلا شيئا، وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء، فيرجع إلى الأول ثلث شيء فيحصل معه عبد إلا ثلثي شيء، وذلك يعدل ضعف ما صحت الهبة الأولى فيه، وهو شيء، وضعفه شيئان، فيجبر العبد بثلثي شيء، وتزيد على عديله ثلثي شيء فيصير عبدا كاملا قبالة شيئين وثلثي شيء، فتبسطها أثلاثا وتقلب وتحول، فالعبد ثمانية، والشيء ثلاثة، فقد وقعت الهبة في ثلاثة أثمان العبد أولا وبطلت في خمسة أثمانه، وتصح الهبة الثانية في ثلث ثلاثة الأثمان وهو ثمن واحد فيجتمع مع ورثة الأول ستة أثمان وهو ضعف ما صحت هبته فيه، وللمريض الثاني ثمنان، وصحت هبته في ثمن، فاعتدل البرهان ثلثا وثلثين. طريقة الدينار والدرهم: تجعل العبد دينار ودرهما، وتجبر الهبة في درهم منه، وترجع بهبة الثاني ثلث درهم، فيحصل مع الأول دينار وثلث درهم يعدل درهمين، فتطرح ثلث درهم بثلث يبقى دينار يعدل درهما وثلثى درهم، فتبسطها أثلاثا فيصير الدينار ثلاثة والدرهم والثلثان خمسة، فتقلب العبارة وتجعل الدينار خمسة والدرهم في الوضع الأول ثلاثة، وقد صحت الهبة في درهم وهو ثلاثة من ثمانية، ويعود العمل إلى ما تقدم، وسر الباب أنا لا نعبر عما صحت الهبة الأولى فيه إلا بالشيء المبهم، ونعبر عما صحت الهبة الثانية فيه بالثلث، والسبب فيه أنه قد يدور للواهب شيء بعد هبته وجهل مقدار منزعه إلى أن يثبته الجبر. الثانية: أن يكون الواهب الثاني صحيحا دون الأول، فإن المسألة تدور على الأول من جهة العود إليه ويزيد ماله بعد النقصان، فنقول: صحت الهبة الأولى في شيء فبقي عبد إلا شيئا، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئا، ثم رجع الشيء الموهوب كله فحصل مع ورثه الأول عبد كامل يعدل شيئين ضعف ما صحت الهبة فيه، فتقلب الاسم بجعل العبد شيئين، والشيء واحد، والواحد من الاثنين نصفه، فقد صحت هبته في نصف العبد ورجع ذلك إليه فحصل عبد كامل يعدل ضعف ما وهب. الثالثة: وهب مريض عبدا يساوي ألفا لمريض وأقبضه إياه فوهبه الموهوب للواهب وأقبضه إياه، وماتا وخلف الواهب الأول ألف درهم سوى العبد، فنقول: نقدر الهبة الأولى شيئا وبطلت الهبة في عبد إلا شيئا، ورجع للواهب ثلث شيء بالهبة الثانية، فبقي معه عبد إلا ثلثي شيء، ومعه ألف هي مثل قيمة العبد، فنقول: كان معه في التقدير عبدان إلا ثلثي شيء يعدل شيئين، فتجبر وتقابل يكون عبدان يعدلان شيئين وثلثي شيء، تبسطهما أثلاثا وتقلب الاسم فيكون العبد ثمانية والشيء ستة، وهي ثلاثة أرباع الثمانية، فتصح هبة الأولى في ثلاثة أرباع العبد وتبطل في ربعه، ويرجع إليه بهبة الثاني ربعه ومعه من التركة مثل قيمة العبد، فقد حصل منه عبد ونصف، ضعف ما وهب. طريقة السهام: وهي التي تقدمت للتونسي، تأخذ عددا له ثلث ولثلثه ثلث وأقله تسعة، وقد علمت أنه يرجع إليه ثلث ما تصح هبته فيه وهي سهم من الثلاثة وهو واحد، وذلك سهم الدور، فتسقطه من التسعة تبقى ثمانية وهي سهام العبد، ثم خذ الثلاثة التي عزلتها للهبة فزد عليها مثلها؛ لأن التركة مثل قيمة العبد، ثم خذ الثلاثة التي عزلتها للهبة فزد عليها مثلها؛ لأن التركة مثل قيمة العبد فتكون ستة نسبتها للثمانية ثلاثة أرباعها، فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد. وبيانه أنا عزلنا من العبد ثلثه ونزيد بسبب التركة ثلاثة أخرى، فإن التركة مثل العبد، فاجتمع ستة أسهم فنبسطها لعدد سهام العبد وهي ثمانية فتقع ثلاثة أرباع العبد. طريقة الدينار والدرهم: تجعل العبد دينارا ودرهما وتجبر الهبة في درهم منه يبقى معه من العبد دينار يرجع إليه من الهبة الثانية ثلث درهم، ومعه من الدراهم مثل قيمة العبد، فيجتمع معه ديناران ودرهم، تبسطها أثلاثا يكون الدينار ستة والدرهم اثنين، فتقلب الاسم فيكون الدينار اثنين والدرهم ستة، ومجموعهما ثمانية والستة ثلاثة أرباعها. الرابعة: قيمة العبد ألف ووهبه الموهوب للواهب وهما مريضان، وعلى الواهب دين خمسمائة، فبقدر الدين يبطل من هبة العبد النصف للدين والثلثان من النصف الآخر للمريض يبقى السدس، وبالهبة الثانية يرجع إليه ثلث السدس فتصح الهبة في ثلثه، فيأخذ الدين والموصى بعضه على الحساب المتقدم، فيدور أبدا فنقول: صحت هبة الأول في شيء وبطلت في عبد إلا شيئا ورجع إليه بالهبة الثانية ثلث شيء فبقى معه عبد إلا ثلث شيء يقضى منه الدين، ومعه مقدار نصف عبد، فيبقى مع الورثة نصف عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين وثلثي شيء، (تجبر نصف العبد بثلثي شيء، وتزيد على عديله مثله، يكون نصف عبد يعدل شيئين وثلثي شيء) تبسطها بمخرج النصف ولثلث، فيصير بها إلى تسعة فيكون العبد ثلاثة والشيء ستة عشر، فتقلب الاسم فيكون العبد ستة عشر والشيء ثلاثة، ولا ينظر في منزلة القلب إلى كون ما في يد الورثة نصف عبد، بل ينظر للجنس من غير التفات إلى الكسر والعدد، يخرج أن هبة الأول صحت في ثلاثة أجزاء من ستة عشر جزءا من العبد، وبطلت في ثلاثة عشر، ورجع إليه بالهبة الثانية جزء من الثلاثة فبلغت أربعة عشر، يقضى منها الدين وهو ثمانية أجزاء مثل نصف العبد، يبقى مع الورثة ستة أجزاء من ستة عشر جزءا من العبد، وهي ضعف ما صحت الهبة منه، وخرج على هذه التقادير إذا نشأت الأدوار عن دين على الواهب الثاني أو تركه للواهب الثاني أو كلاهما أو أحدهما، فقد تقدمت أمثالها من نوعها فاستدل بها عليها. الخامسة: وهب مريض من أخيه ألف درهم لا مال له غيرها، فمات أخوه قبله عنه وعن ابنة، ثم مات الواهب، فرجع إليه قبل الموت نصف ما وهب فيرجع الثلث فيه؛ لأن الثلث إنما يعتبر بعد موته هو، فيرجع نصفه إليه فيدخل في الثلث وهلم جرا فيدور، وطريقة العمل أن نقول: صحت الهبة في شيء من الألف وبطلت في ألف إلا شيئا ورجع إليه بالميراث نصف الشيء الذي صحت الهبة منه، فيبقى معه ألف إلا نصف شيء يعدل شيئين فتجبر ألفا وتقابل، فيكون ألف يعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الألف، فتصح الهبة في خمسي الألف وهو أربعمائة، وتبطل في ستمائة ويرجع إليه بالميراث نصف الأربعمائة فحصل مع ورثته ثمانمائة. وأنا أذكر منه مسائل ثلاثا في كل منها دور الأولى: ادعى على رجلين مالا فقال كل واحد منهما: له علي عشرة إلا نصف ماله على صاحبي، فمتى أسقطنا عن المقر الأول شيئا من العشرة نقص ما نسقطه عن المقر الثاني، وإذا نقص ما نسقطه عن المقر الثاني زاد ما سقط عن الأول بقدر ما يسقط عن الثاني. وطريق الجبر يجعل على كل واحد منهما عشرة إلا شيئا، ثم تأخذ نصف أحد المبلغين، فإن كل واحد منهما قال: إلا نصف ما على الثاني، فنصف أحد المبلغين خمسة دراهم إلا نصف شيء وذلك يعدل الشيء الناقص من العشرة، وقد قلنا في وضع المسألة: على كل واحد منهما عشرة إلا شيئا، ثم استرجعنا بعد هذا الوضع النصف مما على كل واحد منهما، فتحقق أن الشيء الذي استثنيناه خمسة إلا نصف شيء، فنعود إلى المعادلة فنقول: خمسة إلا نصف شيء يعدل شيئا، فتجبر وتقابل وتزيد على خمسة إلا نصف شيء نصف شيء، وتزيد على عديله مثله، فتكون خمسة معادلة لشيء ونصف، فالشيء ثلثا الخمسة وهو ثلاثة وثلث، فتسقط من العشرة ثلاثة وثلث يبقى منها ستة وثلثان، وهي مقدار ما على كل واحد منهما، فعلى كل واحد عشرة إلا نصف ما على صاحبه. فإن قال: إلا ثلث ما على صاحبي، فاجعل على كل واحد عشرة إلا شيئا، ثم تأخذ ثلث ما على كل واحد منهما، وذلك ثلاثة وثلث إلا ثلث شيء، وهو يعدل الشيء الذي أسقطناه من العشرة، فتجبر الثلاثة والثلث بثلث شيء وتزيد على عديله مثله، فيصير ثلاثة وثلثا في معادلة شيء وثلث، فالشيء ثلاثة أرباع ذلك وهو درهمان ونصف، وتسقط ذلك المقدار من العشرة في حقهما، فيبقى على كل واحد سبعة ونصف. فإن قال أحدهما: له علي عشرة إلا نصف ما على الآخر، وقال الآخر: إلا ثلث ما على الآخر، فاجعل على أحدهما ثلاثة أشياء لذكر الثلث، وعلى الآخر عشرة الأشياء، وخذ نصف ذلك، وهو خمسة إلا نصف شيء ردها على الآخر، وهو ثلاثة أشياء فتكون خمسة دراهم وشيئين ونصف، فإنه كان ثلاثة أشياء فالخمسة المضمومة فيها استثناء نصف شيء، فتزيل الاسثتناء وتسقط نصف، وهذه الجملة تعدل عشرة دراهم فتسقط الخمسة بالخمسة فيبقى شيئان ونصف في مقابلة خمسة، فيخرج قيمة الشيء درهمان الذي قدرناه على أحدهما ثلاثة أشياء فهي ستة، وكان على الآخر عشرة إلا شيئا فذلك ثمانية، ومتى زيد ثلث الستة على الثمانية صارت عشرة، ومتى زيد نصف الثمانية على الستة صارت عشرة. الثانية: كل واحد له علي عشرة وثلث ما على الآخر، فوضع هذه المسألة يخالف ما تقدم؛ لأن الأول استثنى وهذا زاد، فيزيد المقر به على العشرة جزءا ما، فتقول: الثلث مجهول فيجعل شيئا، فعلى كل واحد عشرة وشيء، ثم تأخذ الثلث من أحد الجانبين على هذا الموضوع فيقع ثلاثة وثلث شيء وهذا يعدل الشيء الزائد على الجانبين على هذا الموضوع فيقع ثلاثة وثلث شيء وهذا يعدل الشيء الزائد على العشرة، فيسقط ثلث شيء بثلث شيء، يبقى ثلاثة دراهم وثلث قباله ثلثي شيء، فالشيء يعدل خمسة دراهم، وقس على هذا ما يقع من هذا الباب. وإذا قال: له علي عشرة ونصف ما على صاحبي، فعليه عشرون؛ لأن على كل واحد عشرة وشيء، ثم تأخذ النصف في أحد الجانبين فيكون خمسة ونصف شيء، وهو يعدل الشيء الزائد على العشرة، فتسقط نصف شيء بنصف شيء، تبقى خمسة قبالة نصف شيء، فالشيء عشرة، وهو المقدر زيادته على العشرة، فعلى كل واحد عشرة وعشرة وهي عشرون، وعلى كل واحد عشرة ونصف ما على صاحبه. وله ضابط من جهة الحساب المفتوح، وهو أنه إذا استوى العددان والجزآن أخذت المخرج الأعظم من المخرج المذكور، فإن قال: وربع ما على صاحبي، انتقلت للثلث فتقول: ثلث العشرة ثلاثة وثلث، وهي ربع ثلاثة عشر وثلث، فعلى كل واحد عشرة وربع ما على الآخر. وإن قال: وثلث ما على صاحبي انتقلت للنصف، ونصف العشرة خمسة، فعلى كل واحد عشرة وثلث ما على الآخر؛ لأن الخمسة ثلث الخمسة عشر. وإن قال: ونصف ما على الآخر انتقلت للكل؛ لأنه ما بعد النصف من المخارج المفردة إلا الكل، كذلك تستعمل بقية الكسور. الثالثة: قال أحدهما: له علي عشرة إلا نصف ما على الآخر، وقال الآخر: له علي عشرة وثلث ما على الآخر، فيلزم الدور، فعلى الأول عشرة إلا شيئا، وهذا الشيء هو نصف ما على الثاني، فعلى الثاني شيئان، وقد قال الآخر: وثلث ما على الآخر، وثلث الذي على الآخر ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلث شيء، تزيد ذلك على العشرة في جانب الزيادة تبلغ ثلاثة عشر درهما وثلثا إلا ثلث شيء وذلك يعدل شيئين، فإذا قدرنا في جانبه شيئين، فاجبر الاستثناء وقابل فتكون ثلاثة عشر درهما وثلثا تعدل شيئين وثلث شيء، فالشيء الواحد يعدل خمسة دراهم وخمسة أسباع درهم، وكان على أحدهما شيئان فذلك أحد عشر درهما وثلاثة أسباع، وكان على الآخر عشرة إلا شيئا، فذلك أربعة وسبعان، فعلى المستثني أربعة دراهم وسبعا درهم، وعلى الآخر أحد عشر درهما وثلاثة أسباع درهم، فإذا زيد نصفها وهو خمسة وخمسة أسباع على الآخر، وهو أربعة دراهم وسبعان بلغ عشرة، فإذا أخذ ثلث أربعة وخمسة أسباع على الآخر وهو أربعة دراهم وسبعان بلغ عشرة، فإذا أخذ ثلث أربعة وسبعين وذلك درهم وثلاثة أسباع تزاد على العشرة بلغ أحد عشر درهما وثلاثة أسباع درهم، وقس على هذه المدارك. وأذكر منه مسائل ثلاثة يلزم في كل واحدة الدور. الأولى: تزوجها في مرضه بمائة لا مال له غيرها، ومهر مثلها خمسون، وماتت قبله، خمسون محاباة معتبرة من الثلث، فمات الزوج بعدها وهو وارثها لزم الدور؛ لأنه يرث منها فيزيد ماله ما يحصل لها من المحاباة، وإذا زاد ما يحصل لها زاد ما يرثه، فنقول: لها خمسون من رأس المال، ولها شيء بالمحاباة، فيبقى مع الزوج خمسون إلا شيئا، ويحصل مع المرأة خمسون وشيء، ويرجع نصف ذلك للزوج بالإرث، فيحصل مع ورثة الزوج خمسة وسبعون إلا نصف شيء، وذلك يعدل شيئين ضعف المحاباة، فيجبر ويقابل فيكون خمسة وسبعون تعدل شيئين ونصف شيء، والشيء خمسا الخمسة والسبعين، وذلك ثلاثون، وهو مقدار ما حاز من المحاباة، فيكون لها عن مهر المثل والمحاباة ثمانون، ويبقى مع الزوج عشرون، ويرث أربعين، فيرجع إليه فيجتمع مع ورثته ستون وهي ضعف المحاباة، فإن خلفت ولدا فلها مهر مثلها خمسون ومن المحاباة شيء، يبقى مع الزوج خمسون إلا شيئا، ومعها خمسون وشيء، يرجع الربع للزوج اثنا عشر ونصف درهم وربع شيء، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وستون ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء، وذلك يعدل شيئين فيجبر ويقابل فيكون اثنان وستون ونصف يعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فتبسطها أرباعا، تصير الدراهم مائتين وخمسين، والأشياء أحد عشر، فتقسم العدد على الدراهم فيخرج اثنان وعشرون وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، وهو مقدار المحاباة فيجتمع لها بالمهر والمحاباة اثنان وسبعون وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، (ويحصل للزوج بالإرث ربع الذي حصل لها، وذلك ثمانية عشر درهما وجزآن من أحد عشر جزءا من درهم) فيجتمع مع ورثته خمسة وأربعون درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، وهي ضعف محاباته. الثانية: إذا ترك خمسين سوى الصداق خرجت المحاباة من الثلث؛ لأن النصف يرجع للزوج بالإرث، فإن كان لها ولد لزم الدور. والطريق أن تقول: لها مهر المثل خمسون، وبالمحاباة شيء، فلها خمسون وشيء، ويبقى مع الزوج من الصداق خمسون إلا شيئا، ورجع بالإرث ربع خمسين وربع شيء وهو اثنا عشر ونصف درهم وربع شيء، ومع ورثة الزوج خمسون تركة يحصل معهم مائة واثنا عشر ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء تعدل شيئين، فيجبر ويقابل يكون مائة واثنا عشر ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، تبسطها أرباعا تكون الدراهم أربعمائة وخمسين درهما، والأشياء أحد عشر، تقسم الدراهم على الأشياء يخرج نصيب الواحد أربعين درهما وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، هذا قيمة الشيء وهو المحاباة، فجميع ما صح لها بمهر المثل والمحاباة تسعون درهما وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، ومن التركة خمسون، ورجع إليه بالإرث ربع ما حصل لها، وهو اثنا وعشرون وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، فيجتمع مع ورثة الزوج أحد وثمانون درهما وتسعة أجزاء من أحد عشر جزءا، وذلك ضعف المحاباة. الثالثة: خلفت المراة مائة سوى الصداق فنقول: ملكت بالصداق مائة ولها مائة سواها، يرجع نصف المائتين للزوج بالإرث فيحصل لورثة الزوج مائة، وهي ضعف المحاباة، فإن ترك الزوج سوى الصداق عشرين، وتركت المرأة سوى الصداق ثلاثين فيلزم الدور، فنقول: لها بالمحاباة شيء، ولها من التركة ثلاثون وذلك ثمانون وشيء، ويرجع نصفها للزوج بالإرث أربعون ونصف شيء، وكان الباقي معه من الصداق خمسون إلا شيئا، ومن التركة عشرون، فترد على ذلك ميراثه وهو أربعون ونصف شيء يصير مع ورثته مائة وعشرة دراهم إلا نصف شيء، يعدل شيئين فيجبر ويقابل، فتكون مائة وعشرة دراهم تعدل شيئين ونصف شيء، والشيء خمسا المائة والعشرة، وذلك أربعة وأربعون، فهي المحاباة الجائزة تأخذها المرأة مع مهر مثلها وتضمه لتركتها فيجتمع لها مائة وأربعة وعشرون، ويرث الزوج نصفها اثنان وستون، وكان الباقي معه ستة، ومن التركة عشرون، فيجتمع للزوج ثمانية وثمانون، وهي ضعف المحاباة النافذة، فإن كان على كل واحد عشرون دينارا لا مال لها سوى المائة الزائدة فنقول: لها مهر المثل خمسون مقدمة على الدين على الخلاف في ذلك، ولها بالمحاباة شيء، وتركتها خمسون يخرج منها دينها عشرون، يبقى ثلاثون وشيء، يرجع نصفها بالإرث للزوج خمسة عشر ونصف شيء، تزيده على الباقي مع الزوج وهو خمسون إلا شيئا تبلغ خمسة وستين درهما إلا نصف شيء، يخرج منها دينه عشرون، تبقى خمسة وأربعون درهما إلا نصف شيء تعدل شيئين (تجبرهما بنصف شيء تكون خمسة وأربعين تقابل شيئين) ونصف شيء، فالشيء خمسا الدراهم وذلك ثمانية عشر درهما، وهي المحاباة النافذة، تأخذها المرأة مع مهر مثلها وذلك ثمانية وستون، يخرج منها دينها يبقى ثمانية وأربعون، يرث الزوج نصفها أربعة وعشرين، فالباقي معه من المائة اثنان وثلاثون فاجتمع معه ستة وخمسون، يخرج منها دينه تبقى ستة وثلاثون وهو ضعف المحاباة الخارجة. الرابعة: أصدقها في مرضه مائة لا مال له غيرها، ومهر مثلها عشرة، وماتت قبله وخلفت عشرة سوى الصداق وأوصت بثلث مالها، ثم مات الزوج، فإنها تدور. وطريق العمل أنها حازت عشرة بمهر المثل، ولها بالمحاباة شيء، ومعها من التركة عشرة، فجميع مالها عشرون وشيء، للموصى له ثلثها ستة وثلثان وثلث شيء، الباقي تسعون إلا شيئا، وعاد إليه نصف ما بقي معها بعد الوصية وهي ستة وثلثان وثلث شيء، فالجمع ستة وتسعون وثلثان وثلث شيء، يعدل شيئين وثلثي شيء، تبسطها أثلاثا يصير العدد مائتين وتسعين، والأشياء ثمانية، تقسم العدد على الأشياء يخرج الشيء ستة وثلاثين وربعا، وهو قدر المحاباة، ولها عشرة دراهم مهر المثل، فجميع مهرها ستة وأربعون وربع، وبقي مع الزوج ثلاثة وخمسون درهما وثلاثة أرباع درهم، وقد أخذت المرأة ستة وأربعين وربعا وتركتها عشرة، فجميع مالها ستة وخمسون وربع، للموصى له ثلثها وهو ثمانية عشر وثلاثة أرباع درهم، تزيدها على ما كان قد بقي معه، وذلك ثلاثة خمسون وثلاثة أرباع درهم، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وتسعون ونصف وهو ضعف محاباته التي هي ستة وثلاثون وربع، وألحق بهذه المسائل ما يناسبها وتخرجها بهذه الطرق. أذكر منها خمس مسائل: الأولى: امرأة تزوجت ثلاثة أزواج، أصدقها الأول شيئا والثاني ثلاثة أمثال ما أصدقها الأول، والثالث ثلاثة أمثال ما أصدقها الثاني فكان الجميع خمسة وستين، اجعل ما أصدقها الأول شيئا، يكون ما أصدقها الثاني ثلاثة أشياء، يكون ما أصدقها الثالث تسعة أشياء فاجمع ذلك كله وقابل به الخمسة والستين، يخرج الشيء خمسة، وهو ما أصدقها الأول وكمل العمل. الثانية: أصدقها الأول شيئا، والثاني جذر ما أصدقها الأول، والثالث ثلاثة أمثال ما أصدقها الثاني، فكان الجميع اثنان وثلاثون، اجعل ما أصدقها الأول مالا، يكون ما أصدقها الثاني شيئا، يكون ما أصدقها الثالث ثلاثة أشياء، اجمع ذلك كله وقابل به اثنين وثلاثين يخرج ما أصدقها الأول ستة عشر، والثاني أربعة، والثالث اثنا عشر، وكذلك جميع هذه المسائل. الثالثة: عشرون قفيزا من قمح وشعير ودخن، باع القمح بستة، والشعير بثلاثة، والدخن بدرهمين، فكان الجميع ثلاثة وسبعين، اجعل القمح شيئا يكن الشعير دينارا، والدخن باقي العشرين، فذلك عشرون إلا شيئا وإلا دينارا، اضرب كل واحد في سعره وقابل المجتمع بالثلاثة والسبعين، يكن معك ستة أشياء وثلاثة دنانير وأربعون إلا شيئين وإلا دينارين، وهذا يعدل ثلاثة وسبعين، فتجبر وتقابل يكن معك أربعة أشياء ودينار يعدل ثلاثة وثلاثين، فتطلب عددا تضربه في أربعة، وتطرح المجتمع من الثلاثة وثلاثين، وتقسم ما بقي على الواحد فتجد الضرب في أربعة ثمانية، تضربها في أربعة تبلغ اثنين وثلاثين، الباقي واحد اقسمه على واحد يخرج واحد فقط خرج الشيء ثمانية وهو القمح، والدينار واحد وهو الشعير، والدخن باقي العشرين وهو أحد عشر. الرابعة: عشرة أقفزة شعير وقمح، باع كل قفيز شعير فكان الثمن المجتمع مثل ما بين الشعيرين وما بين الكيلين، اجعل الشعير ما أحببت من العشرة اثنين مثلا، والحنطة باقي العشرة، وسعر كل قفيز شعير إن شئت أي سعر، وسعر القمح خلافه، فسعر كل قفيز شعير شيء قيمته شيئان، وسعر قفيز القمح ثلاثة أرباع شيء يكون الجميع ستة أشياء فيكون جميع الثمن ثمانية أشياء، تقابل به ما بين السعرين وهو ربع شيء، وما بين الكيلين وهو ستة، فيكون بعد المقابلة سبعة أشياء وثلاثة أشياء أرباع شيء، تعدل ستة. الخامسة: بريد من بلد إلى بلد، وأمرته أن يسير كل يوم عشرين ميلا، فصار خمسة أيام، ثم أرسلت بعده بريدا آخر وأمرته أن يسير في كل يوم ثلاثين ميلا، في كم يوم يلحقه؟ اجعل أيام الأول أشياء تكن أيام الثاني شيئا إلا خمسة، اضرب ما يمشي كل واحد في اليوم من أميال في جميع أيامه، وقابل كل واحد بصاحبه، وإن شئت اجعل أيام الثاني شيئا تكن أيام الأول شيئا وخمسة، ثم تعمل على ما تقدم. فائدة جليلة: تقدم استنباط الصواب من الخطأين وهو عجب كيف يستلزم الخطأ الصواب، وقد ذكر قسطا بن لوقا برهانا شافيا كافيا بينا سهلا على تحقيق ذلك، وذكر غيره طرقا، ولاثرت طريقه لسهولتها أضعها في كتابي هذا تكميلا للفائدة ورغبة في الفضيلة ينتفع بها أهل الفضل والتحصيل الذين الحكمة ضالتهم، حيث وجدوها عقلوها، فأقول مثالا قبل البرهان، وهو مال زيد عليه مثل نصفه وربعه مضروبا في نفسه بلغ خمسة وخمسين، فنفرض مالين أي مالين كانا، فإن أصبنا في الأول فلا خطأ، أو في الثاني فهو الخطأ الأصغر عندهم، أو بعد الخطأين فهو الخطأ الأكبر ويجب الصواب من غير حاجة لثالث بالضرورة، فنفرض المال اثني عشر زدنا عليه نصفه ستة بلغ ثمانية عشر، وربعه ثلاثة في ثلاث بتسعة، بلغ الجميع سبعة وعشرين، فقد أخطأنا بثمانية وعشرين، ثم نفرضه ستة عشر نزيد عليها نصفها ثمانية تبلغ أربعة وعشرين، وربعها أربعة في أربعة مضروبة في نفسها بستة عشر تبلغ أربعين، فقد أخطأنا بخمسة عشر، نسقط أحد الخطأين من الآخر يفضل ثلاثة عشر احفظها ثم اضرب الخطأ الأول في المال الثاني بثلاثمائة وثمانية وأربعين، وتضرب الخطأ الثاني في المال الأول بثمانية وثمانين، فتسقط المتحصل الأقل من الأكثر يفضل من الأكثر مائة وثمانية وستون تقسمها على الباقي من أحد الخطأين وهو ثلاثة عشر (يخرج لكل واحد ثلاثة عشر) إلا كسرا، مع أن أصل هذا المال المجهول ينبغي أن يكون عشرين، فهذا التمثيل فاسد، مع أنه هو الطريقة المتقدمة في العمل، فينبغي أن يعلم لذلك أن لهذا العمل شرطا وهو أن يكون المالان المأخوذان لهما نسبة خاصة متى لم تحصل بطل العمل، وتلك النسبة أن تكون نسبة فضل ما بين العددين المأخوذين للامتحان إلى فضل ما بين الحاصلين منهما كنسبة فضل ما بين أحد العددين المأخوذين والمال المطلوب إلى خطأ العدد المأخوذ مع المال المطلوب. مثاله: مال زدت عليه مثل نصفه وثلاثة دراهم، ثم على المبلغ مثل ثلثه وستة دراهم فصار ثلاثة، كم أصل المال؟ فتضعه ستة وتزيد عليه نصفه ثلاثة دراهم ثم على المبلغ ثلثه دراهم يبلغ اثنين وعشرين، فقد أخطأنا بثمانية ناقصة، ثم تضعه ثمانية وتفعل بها ما فعلت بالستة تبلغ ستة وعشرين، فأخطأنا بأربعة ناقصة، فاضرب الموضوع الأول وهو ستة في الخطأ الثاني وهو أربعة تبلغ أربعة وعشرين، ثم اضرب الموضوع الثاني وهو ثمانية في الخطأ الأول وهو ثمانية تبلغ أربعة وستين، الخطآن ناقصان معا عن السؤال، فأسقط أحد المرتفعين من الآخر يبقى أربعون، اقسمها على الباقي من أحد الخطأين بعد إسقاط الآخر منه وهو أربعة (يخرج عشرة) وهو الجواب. وبيان تحقيق النسبة المتقدمة أن فضل ما بين العددين المأخوذين اثنان؛ لأنهما ستة وثمانية، وفضل ما بين المتحصلين منهما أربعة؛ لأنهما اثنان وعشرون وستة وعشرون، واثنان نصف أربعة، فهذه النسبة نسبة النصف، وإذا أخذت أحد المالين وهو ستة مثلا مع العشرة وهو المال المطلوب وجدت الفضل بينهما أربعة، ونسبة هذا الفضل لخطأ النسبة التي أخذتها نسبة النصف أيضا؛ لأنه ثمانية، فقد تحققت النسبة، فلا جرم صح العمل، وكذلك إذا أخذت الثمانية مع المال المطلوب وهو المثال الأول، يفضل ما بين المالين أربعة؛ لأنها اثنا عشر وستة عشر، وفضل ما بين الحاصلين من المالين ثلاثة عشر؛ لأنها سبعة وعشرون، والآخر أربعون، ونسبة أربعة إلى ثلاثة عشر نسبة الثلث إلا ثلث ربع ثلث، وفضل ما بين أحد المالين وهو الاثنا عشر والمال المطلوب وهو عشرون في ذلك المثال ثمانية، فإذا نسبتها إلى خطأ الاثنى عشر وهو ثمانية وعشرون، وجدت النسبة نسبة الثلث وثمن الثلث وثلث ثمن الثلث، فقد اختلفت النسبة فلذلك بطل العمل. إذا تقرر تمييز الصواب عن الخطأ فيما يوجد من الأعداد في العمل، فأذكر كلام قسطا بن لوقا فأقول: قال قسطا بن لوقا: تخط خطا مستقيما مجهول القدر وهو العدد المطلوب عليه د، ونتيجته المفروضة خط د ع، وقد أخرج من نقطة د على زواية قائمة وفضل خط ع، فإذا أردنا معرفة العدد المطلوب الذي هو د ونتيجته د ع فإنما نمتحنه بعددين مختلفين، فإما أن يكونا زائدين أو ناقصين أو أحدهما زائد والآخر ناقص فليكن أولا كل واحد منهما ناقصا وهم ب ويخرج من نقطتي ب د عمودي ب ح خط على د، فنسبة خط د إلى د ع كنسبة ب إلى ب ح، فنتيجة خط ب هي ب ح ونتيجة ج هي خط وتتمم سطح د م، وتخرج من نقطتي ط ح خطين موازيين لخط د عليهما ز ص ي ويخرج خط ب ح خط على استقامة فيقعان على خط م ع على نقطة ز س، فالعدد الأول خط ب معلوم، ونتيجة خط ب ح معلومة أيضا وخطؤه عن النتيجة الأولى التي هي خط د ع وهي خط ج ز معلوم أيضا والعدد الثاني خط ج معلوم، ونتيجه خط ج ظ معلوم أيضا، وخطؤه معلوم وهو ط س، فإذا ضربنا خطأ العدد الأول وهو ز ح في العدد الثاني وهو ج كان من ذلك سطح ز س، وإذا ضربنا خطأ العدد الثاني وهو لا ن في العدد الأول وهو ب كان من ذلك سطح لا م، فإذا نقصناه من سطح ز س بقي علم ص ح ط س، وسطح ظ ر مساو لسطح ي ط؛ لأنهما المتممان، فالعلم مساو لسطح ر ك، فمسطح ر ك معلوم، وعرضه ر ص معلوم؛ لأنه فصل ما بين الخطأين، فطوله معلوم وهو زي مثل د المطلوب. فإن كان كل واحد من العددين أكثر من المطلوب (فإنا نجعله في هذه الصورة خطي ه و، وكل واحد منهما معلوم، وهم أكثر من د) ويخرج أولا خط ع على استقامة إلى نقطة ت، وتتمم سطح وش، فالعدد الأول خط هـ معلوم، ونتيجة خط خط هـ ق معلومة أيضا، وخطؤه زائد، وهو خط ف ق، والعدد الثاني خط ومعلوم، ونتيجته وت معلومة، وخطؤه ص ت معلوم، فضرب خط المال الأول في المال الثاني هو سطح ض ع، وضرب خط المال الثاني في المال الأول هو سطح وس، وإذا نقص الأقل من الأكثر بقي سطح ج ع؛ لأن سطح ح ف مثل سطح وض؛ لأنهما المتممان، وإذا قسم سطح ج ع المعلوم على خط ع ث الذي هو فضل أحد الخطأين على الآخر خرج من ذلك خط ح ش معلوما، وهو مساو لخط د فخط د معلوم. مثاله: رجل اتجر في مال فربح مثله وأخرج منه عشرة دراهم، ثم اتجر في الباقي فربح مثله وأخرج عشرة دراهم فلم يبق شيء، قياسه أن تجعل أصل المال تسعة ونصفا فتزيد عليه مثله وتنقص من المبلغ عشرة دراهم تبقى (تسعة، تزيد عليها مثلا، وتنقص من المبلغ عشرة تبقى) ثمانية تزيد عليها مثلها وتنقص من المبلغ عشرة تبقى ستة، وكان ينبغي أن لا يبقى شيء، فقد أخطأنا بستة زائدة، فنقول: أصل المال تسعة، وتفعل به كذلك فتخطئ بدرهمين زائدين، فالخطآن زائدان، فتأخذ الفضل بين الموضعين وهو نصف، فتنسبه إلى الفضل بين الخطأين وهو أربعة يكون ثمنا فإن أخذت بذلك النسبة من الستة كان ثلاثة أرباع، تسقطها من تسعة ونصف تبقى ثمانية ونصف وربع وهو الجواب، وإن أخذت بها من اثنين كان ربعا، تسقطه من تسعة تبقى ثمانية ونصف وربع وهو الجواب. فإن كان أحد المالين زائدا والآخر ناقصا فإن نجعلهما في هذه الصورة خطي ج هـ، كل واحد منهما معلوم، فالمال الأول خط ج معلوم، ونتيجته خط وق وخطؤه ط س، والمال الثاني خط هـ معلوم، ونتيجته خط وق، وخطؤه خط وق، فإذا ضرب خط المال الأول في المال الثاني كان من ذلك سطح ف ص، وإذا ضرب خط المال الثاني في المال الأول كان من ذلك سطح س ع، وإذا جمعناهما كان من ذلك سطح ك ع؛ لأن سطح ر ع مثل سطح ف ك؛ لأنهما المتممان، فسطح ك ع معلوم، وعرضه معلوم؛ لأنه مساو لمجموع الخطأين، فطوله معلوم وهو ك ص، وهو مساو لا د المطلوب وذلك ما أردنا بيانه. مثاله: عشرة قسمتها بقسمين، ثم زدت على أحد القسمين مثله، ثم على المبلغ مثل ربعه، ثم على المبلغ مثل خمسيه، فكان المبلغ يزيد على القسم الثاني عشرة، فقياسه أن تجعل أحد القسمين أربعة، وتزيد عليه مثله، وعلى المبلغ ربعه، وعلى المبلغ خمسيه تصير أربعة عشر، وذلك يزيد على القسم الآخر ثمانية، فقد أخطأنا بدرهمين ناقصة، فنقول: أحد القسمين خمسة، وتفعل بها مثل ما فعلت بالأربعة، فتبلغ سبعة عشر ونصفا وذلك يزيد على القسم الآخر اثني عشر ونصفا، فقد أخطأنا بدرهمين ونصف زائدة، فضرب الموضوع الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني وهو اثنان ونصف تبلغ عشرة، وضرب الموضوع الثاني وهو خمسة في الخطأ الأول وهو اثنان تبلغ عشرة، وأحد الخطأين زائد والآخر ناقص، فتقسم مجموع المرتفعين وهو عشرون على مجموع الخطأين وهو أربعة ونصف يخرج أربعة وأربعة أتساع (وهو أحد القسمين، والثاني خمسة وخمسة أتساع) وأعلم أن هاهنا قواعد يتعين التنبيه عليها في هذا الشكل. القاعدة الأولى في قوله في القسم الأول: فنسبة خط د إلي د ع كنسبة خط ج إلى خط ج ط وكذلك ما وقع في كلامه من هذه النسب، فهو على قاعدة ذكرها إقليدس، وهي أن كل مثلثين متشابهين انطبقت زاوية أحدهما على زاوية الآخر وانطبق ضلعاه على ضلعه فإنه نسبة ضلع أحدهما إلى قاعدته كنسبة ضلع الآخر إلى قاعدته، وكذلك هذه المواضع فتأملها تجدها كذلك من هذه القاعدة. القاعدة الثانية أنهم متى قالوا: تتم سطح د م كما قاله في هذا العمل أو غير ذلك من الحروف، فمرادهم: المربع الذي ينقام هاهنا من ضلع د وضلع ع م وضلع م أ، فمجموع ذلك سطح مربع وهو مرادهم بذلك. القاعدة الثالثة أنهم متى أطلقوا الخطين المتوازيين فمرادهم الخطان الممتدان على سمت واحد، بحيث إذا خرجا إلى غير النهاية لا يجتمعان أبدا ولا يتصل طرف أحدهما بالآخر. تنبيه: قوله في القسم الأول: خط ب عن النتيجة الأولى التي هي خط د ع وهو خط ج ن معلوم، يريد أن الخط الكائن من ج إلى ن؛ لأنه جعل العدد الأقل من العدد المطلوب فوق إلى جهة زاوية والعدد الأكبر من العدد المطلوب أسفل منه إلى زاوية و، ولذلك أن القواعد الناشئة عن هذه الأعداد أوسع، وعن العدد الأقل أضيق. وقوله في القسم الأول: إذا ضربنا خطأ العدد الأول وهو ز ح مع أن خطأه إنما هو ج ز؛ لأن خط ز ح الأعلى مساو لخط ج ز الأسفل منه، وضرب أحد المساويين كضرب الآخر. وقوله: كان ذلك سطح ر س، يريد المربع الذي إحدى زواياه س والأخرى م والثالثة ز والرابعة التي تحت ز قبالة ج، وهذا المربع يشتمل على أربعة بيوت، وإنما حدث هذا المربع من ذلك الضرب؛ لأن خط ج، وهو العدد الثاني، مساو لخط ز د، ور م مساو ل د س وس مساو ل ز د. والقاعدة في المساحة: أنا نستغني بأحد الضلعين المستويين عن الآخر فنستغني ب د م عن س د وي س عن ز د وبضرب ز م في م س فيحصل المربع المذكور وهو قاعدة المساحاة في جميع المربعات التي هي على هذه الصورة. وقوله: إذا ضربنا خط العدد الثاني وهو ط س في العدد الأول وهو ب حصل سطح لا م، سببه أن خط ب مساو لخط لا هـ وخط ط س مساو لخط ن، فيستغنى بخطين عن خطين، وتضرب أحد الخطين الباقيين في الآخر كما تقدم فيحدث المربع المذكور، ثم قال: إذا نقصناه من سطح ز س، بقي علم ص ح ط س، اصطلح المهندسون على أنه إذا بقي ثلاثة بيوت من مربع يسمونه علما لشبهة بعلم السلطان في الحرب. وقوله: وسطح ظ ن مساو لسطح ي ط؛ لأنهما المتممان، يعني؛ لأن ح ن ع ي الذي نظره الخارج من نقطة ع ظ متصلا بـ ت ي ط ربعه على العكس من الجهة الأخرى فهذا هو المراد بالتتميم. وقوله: فالعلم مساو لسطح ز ك، معناه يسقط من العلم سطح ظ ن ويستغنى بسطح ي ط فيحصل لنا سطح ر ك ثلاث بيوت على استقامة من ي إلى ر إلى ومن ك إلى ص، وقام البرهان أي كل أربع بيوت انقام منها مربع وقطعهما خط مار بالزوايا الثلاث على هذه الصورة فإن المتممين يكونان مستويين، بينه إقليدس، وعرض هذا السطح معلوم؛ لأن ص ظ مساو لخط ب، فإذا زدنا عليه ي د الذي هو أحد المتممين المساوي للمتمم الآخر المساوي لضرب ص م المعلوم في ج ب المعلوم صار الطول معلوما، والطول مساو لخط ب العدد المطلوب، فعلم بالبرهان الهندسي أن الأعمال السابقة مؤدية لحصول المطلوب بالخطأين المذكورين. وقوله في الفصل الثاني: إن ضرب خطأ المال الأول في المال الثاني هو سطح ص ع، تقديره أن خطأ المال الأول هو ف ق، وهو مساو لخط ص ت، والمال الأول هو و، وهو مساو لـ ص م، وكل واحد من المتساويين يقوم مقام الآخر، فتضرب ص ت في ص م فيحصل سطح ص ع. وقوله: ضرب خطأ المال الثاني في المال الأول وهو سطح وش، تقديره أن المال الأول هو هـ، ويساويه وم، وخطأ المال الثاني هو ص ت، ويساويه وط، فيكتفى بكل واحد من المساويين عن الآخر، فتضرب وط في وم فيحدث مربع وش على ما تقدم. وقوله: إذا قسم سطح ح ع على خط ع ش الذي هو فضل أحد الخطأين على الآخر خرج خط ح س مبني على قاعدة، وهي: أن كل مربع وهو العدد المضروب أحد أضلاعه في الآخر إذا قسم المتحصل على أحد أضلاعه خرج الآخر، نحو: إذا ضربنا عشرة في اثنين بعشرين، فإذا قسمناه على اثنين خرج عشرة وهو الضلع الأطول، وجعل خط ع ش فضل أحد الخطأين؛ لأنه مساو ل ث ت الذي هو فضل خطأ وت، وبحثه في الفصل الثالث مبني على إقامة أحد الأمور المستوية مقام الآخر على ما تقدم بيانه في غيره، فهذا بيان كلام قسطا بن لوقا وتحرير شكله الهندسي. تنبيه: قد يكون المال المفروض أقل وخطؤه أكثر، وقد يكون أكثر وخطؤه أقل، وحينئذ نقول: الخطآن لا يخلوان إما أن يكونا ناقصين أو زائدين، أو أحدهما ناقص والآخر زائد، فإذا كانا ناقصين فالمالان المفروضان إما أن يكونا أقل من الصواب أو أكثر، وفي القسمين تضرب فاضل العددين في أصغر الخطأين وتقسم على تفاضلهما، فما خرج زيد على المفروض إن كان المفروضان أقل من الصواب، ونقص من أصغر المفروضين إن كان أكثر من الصواب، أو تضرب بفاضل العددين في أصغر الخطأين وتقسم على تفاضلهما، فما خرج زيد على المفروض الأكبر إن كان المفروضان أقل من الصواب ونقص من أصغر المفروضين إن كان أكثر من الصواب، ولا يجوز أن يكون أحد المفروضين ناقصا والآخر زائدا؛ لأنه إذا كانت العلة في كون الخطأ ناقصا كون المفروض دون الصواب، استحال أن يكون المفروض دون الصواب علة في كون الخطأ زائدا؛ لأنه يلزم أن توجب العلة الواحدة أمرين متضادين وهو محال. فإن كان الخطآن زائدين فالمفروضان إما أكثر من الصواب أو أقل منه، وفي القسمين يجب ضرب العددين المفروضين في أعظم الخطأين، ويقسم المبلغ على تفاضلهما، فما خرج نقص من أصغر المفروضين إن كان أكثر من الصواب، وإن كان أقل زيد الخارج على أكثرهما، ولا يجوز أن يكون أحد المفروضين زائدا والآخر ناقصا لما تقدم. وإن كان أحد الخطأين زائدا والآخر ناقصا فيمتنع أن يكون المفروضان من جنس واحد؛ لأن الشيء الواحد يمتنع أن يوجب المتضادين، بل يجب أن يكون أحدهما مخالفا للآخر، بأن يكون أحدهما أكثر من الصواب وخطؤه زائد، والآخر أقل وخطؤه ناقص، فتضرب بفاضل العددين في الناقص من الخطأين ونقسم المجموع على مجموعهما، فما خرج زيد على أقل المفروضين، أو تضرب بفاضل العددين في الزائد من الخطأين وتقسم على مجموعهما فما خرج نقص من أعظم المفروضين. فإن كان أحد المفروضين أقل من الصواب وخطؤه زائد، والآخر أكثر من الصواب وخطؤه ناقص فتضرب بفاضل العددين في الناقص من الخطأين وتقسم المبلغ على مجموعهما فما خرج نقص من أعظم المفروضين، أو تضرب بفاضل العددين في الزائد من الخطأين وتقسم على مجموعهما فما خرج زيد على أصغر المفروضين، ولا يقال في هذا الفصل: أصغر الخطأين وأعظمهما؛ لأنه قد يكون أقل أو أكثر أو مساويا، كقولك: نريد عددا إن نقص ربعه بقي خمسة عشر، فتفرضه ستة عشر يبقى اثنا عشر والخطأ ثلاثة ناقصة، أو ثمانية وعشرون يبقى أحد وعشرون والخطأ ستة زائدة، فجاء هاهنا الزائد أعظم، أو اثنين وعشرين تبقى ستة عشر ونصف والخطأ واحد ونصف زائد فجاء هاهنا الناقص أعظم، أو الثاني أربعة وعشرون، تبقى ثمانية عشر والخطأ ثلاثة زائدة، فقد تساوى الخطآن، وهذه العوارض مأمونة في الوجهين الأولين، وطرق العمل بالخطأ كثيرة، غير أن بعضها أيسر، وبعضها أعسر. ووقع لبعض الأندلسيين أن الصواب يخرج من خطأين وثلاثة وأكثر إذا وقع التغير في العدد المطلوب بأن يعطف عليه أو يستثنى منه، وهذه بحار من الرياضات، منها ما أحاطت بها الأفكار، ومنها ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، فسبحان من يعلم ما لا يتناهى على التفصيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. القسم الثالث+++++ كتاب الجامع هذا الكتاب يختص بمذهب مالك لا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب، وهو من محاسن التصنيف؛ لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في ربع من أرباع الفقه، أعني العبادات، والمعاملات، والأقضية، والجنايات، فجمعها المالكية في أواخر تصانيفها وسموها بالجامع أي جامع الأشتات من المسائل التي لا تناسب غيره من الكتب، وهي ثلاثة أجناس ما يتعلق بالعقيدة، وما يتعلق بالأقوال، وما يتعلق بالأفعال، وهو الأفعال والتروك بجميع الجوارح. قال ابن القصار وغيره: مذهب مالك وجواب النظر وامتناع التقليد في أصول الديانات، قال إمام الحرمين والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: لم ير بالتقليد إلا أهل الظاهر فيتعين على كل مكلف (عند أول بلوغه) أن يعلم أن لجميع الموجودات من الممكنات خالقا ومدبرا هو واجب الوجود أزلي أبدي حي بحياة، قادر بقدرة، مريد بإرادة، عالم بعلم، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، وأن صفاته تعالى واجبة الوجود أزلية أبدية عامة التعلق، فيتعلق علمه بجميع الجزئيات والكليات (والواجبات والممكنات، وإرادته تعالى متعلقة بجميع الممكنات) وعلمه متعلق بجميع المعلومات، وبصره متعلق بجميع الموجودات وسمعه سبحانه متعلق بجميع الأصوات والكلام النفساني حيث كان من خلقه والقائم بذاته، وأن قدرته تعالى عامة التعلق بجميع الممكنات الموجودة في العالم من الحيوان وغيرهم "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" له أن يفعل الأصلح لعباده وله أن لا يفعل ذلك، "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" وأنه واحد في ذاته لا نظير له ولا شريك، ولا يستحق العبادة غيره سبحانه، وأن جميع رسله - صلوات الله عليهم - صادقون فيما جاءوا به، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جميع ما جاء به حق، وما أخبر به صدق، من عذاب القبر وأحواله، والقيامة وأهوالها من الصراط والميزان، وجميع المغيبات عباد كالملائكة والجان وغيرهم، وأدلة جميع هذه العقائد مبسوطة في علم أصول الدين، وكذلك تفصيل هذه الحقائق وتفاريعها، وأن الجنة حق والنار حق مخلوقتان، وأنه لا يخلد أحد من أهل القبلة في النار بكبيرة، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح، وأن كلام الله تعالى قائم بذاته محفوظ في الصدور ومقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف، وأن الله تعالى يراه المؤمنون يوم القيامة ويكلمهم. وفي الجواهر: أما القيام بدفع شبه المبطلين فلا يتعرض له إلا من طالع علوم الشريعة وحفظ الكثير منها وفهم مقاصدها وأحكامها، وأخذ ذلك عن أئمة فاوضهم فيها وراجعهم في ألفاظها وأغراضها، وبلغ درجة الإمامة في هذا العلم بصحبة الأئمة الذين أرشدوه للصواب وحذروه من الخطأ والضلال، حتى ثبت الحق في نفسه ثبوتا، فيكون القيام بدفع الشبهات حينئذ فرض كفاية عليه وعلى أمثاله، وأما غيرهم فلا يجوز لهم التعرض لذلك؛ لأنه ربما ضعف عن رد تلك الشبهة فيتعلق بنفسه منها ما لا يقدر على إزالته فيكون قد تسبب إلى هلاكه، نسأل الله تعالى العصمة. وكذلك القيام بالفتوى فرض كفاية أيضا، وقد تقدم في مقدمة الكتاب قبل الطهارة ما هو فرض كفاية أيضا من الفقه وما هو فرض عين، وأنه لا يختص بباب من أبواب الفقه، بل هو بحالتك التي أنت فيها، فيطالع من هناك. وفي التلقين: "يجب النظر والاعتبار المؤديين للعلم بما افترض عليك أو ندبت إليه، وطلب ما زاد على ذلك فرض كفاية، وفي تعلمه فضيلة عظيمة، ولا يجوز لمن فيه فضل النظر والاجتهاد وقوة الاستدلال تقليد غيره، وفرض عليه أن ينظر لنفسه، لقوله تعالى:" فاعتبروا يا أولي الأبصار "، ومن لا فضل فيه لذلك فهو في سعة من تقليد من يغلب على ظنه أنه أفقه وأعلم وأدين وأورع [وقته] ويلزمه الأخذ بما يفتيه به لقوله تعالى: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ". فرع: قال ابن يونس: وأن يعتقد أن خير القرون الصحابة - رضي الله عنهم - ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما أخبر عليه السلام، وأن أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وقيل ثم عثمان وعلي ولا يفضل بينهما، وروي عن مالك القولان، وأن المهاجرين أفضل عصره عليه السلام، وأن أفضلهم العشرة، وأفضل العشرة الأئمة الأربعة، ثم أهل بدر من المهاجرين، والمهاجرون على قدر الهجرة والسبق، وأن من رآه ساعة أو مرة أفضل من أفضل التابعين. تنبيه: ليس هذه التفضيلات مما أوجب الله تعالى على المكلف اكتسابه أو اعتقاده، بل لو غفل عن هذه المسألة مطلقا لم يقدح ذلك في الدين، نعم متى خطرت بالبال أو تحدث فيها باللسان وجب الإنصاف وتوفية كل ذي حق حقه، ويجب الكف عن ذكرهم إلا بخير، وأن الإمامة خاصة في قريش دون غيرهم من العرب والعجم، وأن نصب الإمام للأمة واجب مع القدرة، وأنه موكول إلى أهل الحل والعقد دون النص، وأنه من فروض الكفاية، ويجب طاعة الأئمة وإجلالهم وكذلك نوابهم، فإن عصوا بظلم أو تعطيل حد وجب الوعظ، وحرمت طاعته في المعصية وإعانته عليها لقوله عليه السلام: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يجوز الخروج على من ولي وإن جار، ويغزى معه العدو، ويحج البيت، وتدفع له الزكوات إذا طلبها، وتصلى خلفه الجمعة والعيدان، قال مالك: لا يصلي خلف المبتدع منهم إلا أن يخافه فيصلي، واختلف في الإعادة. قاعدة: ضبط المصالح واجب، ولا تنضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية، ومتى اختلفت عليهم أو أهينوا تعذرت المصلحة، ولذلك قلنا: لا يتقدم في إمامة صلاة الجنازة ولا غيرها؛ لأن ذلك مخل بأبهتهم. فرع: قال: ومذهب أهل السنة: لا يعذر من أداه اجتهاده لبدعة؛ لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا وسماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مارقين من الدين، وجعل المجتهد في الأحكام مأجورا وإن أخطأ. فرع: قال: أنكر مالك رواية (أحاديث) أهل البدع من التجسيم وغيره، (ولم ينكر حديث الضحك ولا حديث التنزيل، وأنكر حديث أن العرش اهتز لموت سعد. تنبيه: الأصحاب متفقون على إنكار البدع، ابن أبي زيد وغيره)، ولا يستقيم ذلك على ظاهره؛ لأنها خمسة أقسام: واجبة كتدوين القرآن والشرائع إن خيف عليها الضياع، فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا؛ ومحرمة كالمكوس الحادثة وغيرها؛ ومندوبة كصلاة التراويح وإقامة صور الأئمة والقضاة بالملابس وغيرها من الزخارف والسياسات، وربما وجبت؛ ومكروهة كتخصيص الأيام الفاضلة وغيرها بنوع من العبادة؛ ومباحة كاتخاذ المناخل، ففي الأثر عن عائشة رضي الله عنها: أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المناخل، لكن إصلاح الأغذية المباحة مباح، فالبدعة إذا عرضت تعرض على قواعد الشرع وأدلته، فإن اقتضتها قاعدة تحريم حرمت، أو إيجاب وجبت، أو إباحة أبيحت، وإن نظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة مع قطع النظر عما يتقاضها كرهت، فهذا تفصيل أحوال البدع، فيتمسك بالسنن ما أمكن، ولبعض السلف الصالح يسمى أبا العباس الأبياني الأندلسي: ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن وفيهن خير الدنيا والآخرة: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، من ورع لا تتسع، وسيأتي في الأفعال فروع عديدة من البدع مفردة إن شاء الله تعالى. فرع: قال ابن أبي زيد: يجب أن يعتقد أن الله تعالى أسمع موسى - عليه السلام - كلامه القائم بذاته لا كلاما قام بغيره، وتقرير هذه المسألة وأدلتها ذكرته مبسوطا سهلا في كتاب الانقاد في الاعتقاد. مسألة قال: يجب أن يعتقد أن يديه سبحانه وتعالى مبسوطتان، وأن يده غير نعمته. قلت: في هذه المسألة مذاهب لأهل الحق مع جميع النصوص الواردة في الجوارح كالوجه والجنب والقدم، قيل: يتوقف عن تأويلها ويعتقد أن ظاهرها غير مراد، ويحكي أنه مذهب السلف، فإنه تهجم على جهة الله تعالى بالظن والتخمين، وقيل يجب تأويلها لقوله تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن" وقال:" ليدبروا آياته " وغير ذلك من النصوص الدالة على النظر والاعتبار، وتدبر الكلام هو رده إلى دبره، وهو المعنى الخفي بدليل مرشد له، والقولان للشيخ أبي الحسن. وإذا قلنا بالتأويل فيحمل مذهب السلف - رضي الله عنهم - على مواطن استواء الأدلة وعدم الترجيح، وهذا هو المشهور للأشعرية، وعلى أي شيء تأول؟ فقيل على صفات مجهولة غير الصفات السبعة المتقدم ذكرها استأثر الله تعالى بعلمها، وقيل بل الصفات السبعة ونحوها مما يناسب كل آية، فاليد للقدرة، والعين للعلم، والقدم ونحوه للقدرة، والوجة للذات، والجنب للطاعة؛ لأن هذه المحامل المناسبة من المجازات لهذه الحقائق، ومتى تعذر حمل اللفظ على حقيقته تعين صرفه لأقرب المجازات إليه لغة. فائدة: وردت النصوص بإفراد اليد وتثنيتها وجمعها: "يد الله فوق أيديهم" " لما خلقت بيدي "" أولم يروا أنا خلقنا لهم مما علمت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون" مع أن المتجوز إليه واحد في نفسه وهو القدرة، وسببه أن القدرة لها متعلق، فإن عبر عن القدرة باعتبار ذاتها أفردت، أو باعتبار متعلقاتها جمعت، أو باعتبار أن متعلقاتها قسمان ثنيت، واختلف في تقدير التثنية فقيل: الجواهر والأعراض إذ لم توجد القدرة غيرهما، أو أمر الدنيا وأمر الآخرة، أو الخيور والشرور. مسألة مما يتعلق بالاعتقاد ما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم من أحواله، وهي أقسام: نسبه عليه السلام، هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضرب بن نزار بن معد بن عدنان، هذا هو المنصوص عنه عليه السلام والمجمع عليه، وأضافوا فيما بين عدنان وإسماعيل - عليه السلام - وفيما بين إسماعيل وآدم عليهما السلام اختلافا كثيرا، وسمي هاشم هاشما؛ لأنه أول من هشم الثريد لقومه، وقصي؛ لأنه تقصى مع أمه لأخواله وسكن معهم في باديتهم فبعد عن مكة، وكان يدعى مجمعا؛ لأنه لما رجع إلى مكة جمع قبائل قريش بمكة، واسم هاشم عمرو، واسم عبد مناف المغيرة، واسم عبد المطلب شيبة لشيبة كانت في ذؤابته، وقيل: اسمه عبد المطلب. أمه - عليه السلام - آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، قرشية زهرية. ومرضعاته - عليه السلام - رحمة ابنة ثويبة جارية أبي لهب أرضعته مع حمزة، وأرضعت معهما أبا سلمة بن عبد الأسد، ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية من بني سعد. صفته - عليه السلام - كان عليه السلام ربع القامة من القوم ليس بالطويل الباين ولا بالقصير، ضخم الرأس كثير شعره رجلا غير سبط جعد غير قطط، كث اللحية، توفي وفي عنفقته شعرات بيض، أزهر اللون، أبيض مشرب بحمرة، في وجهة تدوير، أدعج العينين عظيمهما مشربهما حمرة، أهدب الأشفار، ششن الكفين والقدمين، جليل... وهو رؤس المناكب، له مسربة وهي شعرات من الصدر إلى السرة، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوءة، صلى الله عليه وسلم، نبئ على رأس الأربعين. أولاده عليه السلام كلهم من خديجة، إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم، أسلمن كلهن وهاجرن، وأصغرهن زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، وفي ذلك اختلاف، زوج عليه السلام (رقية، ثم) أم كلثوم، وتزوج علي فاطمة - رضي الله عن جميعهم - وولده عليه السلام من خديجة أربعة: القاسم وبه كان يكنى عليه السلام، وعبد الله، والطاهر، وفيما عدا القاسم خلاف، قيل لم يلد غيره، وقيل اثنان، وقيل ثلاثة، وأما إبراهيم فمن مارية. أزواجه - صلى الله عليه وسلم - في المقدمات: المتفق عليه منهن إحدى عشرة: خديجة ثم سودة، ثم تزوج عائشة، ثم أم سلمة اسمها هند، ثم حفصه بنت عمر بن الخطاب، ثم زينب بنت خزيمة الهلالية، ثم زينب بنت جحش بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أم حبيبة أخت معاوية بن أبي سفيان، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي بن أخطب، ثم ميمونة بنت الحارث، ولم يتزوج على خديجة في حياتها، توفي منهن اثنتان في حياته، خديجة وزينت بنت خزيمة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسع الباقيات، والمروية بطريق الآحاد سبع: فاطمة بنت الضحاك، وأسماء بنت النعمان، والعالية بنت ظبيان، وسنا بنت الصلت،وقبيلة بنت قيس، وأم شريك، وفاطمة بنت شريح، وهند بنت يزيد والشنباء، ومليكة بنت داود، وشراف بنت خليفة، وليلى بنت الحطيم، وخولة بنت الهذيل، وليلى بنت الحكيم. سراريه عليه السلام: مارية القبطية، وريحانة بنت شمعون من بني قريظة، وجاريتان أخريان. وهي نوعان، مأمور به، ومنهي عنه. التلفظ بالشهادتين (والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكى القاضي في الشفا أن التلفظ بالشهادتين) معتبر في الإيمان، فمن لم يتلفظ بهما مع الإمكان فهو على كفره وإن آمن قلبه على القول الصحيح، وأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة مرة في العمر، والذكر والدعاء والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن على الوجه المشهور، والتلحين حرام، قاله في الجواهر؛ لأن ثمرة قراءته الخشية وتجديد التوبة، والاعتبار بقصصه، والشوق لوعده، والحذر من وعيده، والتلحين ينافي ذلك، لأنه مطرب والطرب يمنع ذلك، ولأنه يجب تنزيهه عن مشابهة الأغاني والمطربات؛ لأنها شأنها اللهو واللعب، قال وينبغي أن تقسم قراءته إلى تفخيم وإعظام فيما يليق به ذلك، وإلى تحزين وترقيق على حسب المواعظ والأحوال المقرر لها، وقد نبه الله سبحانه وتعالى على هذا القسم بقوله تعالى: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا" ومن المأمور إقراء العلوم النافعة في الدين وتعلمها والحث على الخير والصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس ونحو ذلك. وهو الغيبة، والنميمة، والبهتان، والكذب، والقذف، والتلفظ بفحش الكلام، وإطلاق ما لا يحل إطلاقه على الله سبحانه، أو على رسوله، أو أحد من رسله، أو أنبيائه، أو ملائكته، أو المؤمنين به، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخيانة والخديعة في النار، وقال عليه السلام: من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، وقال عليه السلام: إن من شر الناس من اتقاه الناس اتقاء شره، وقال عليه السلام: الغيبة أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع، قيل: يا رسول الله، وإن كان حقا؟ قال: إذا قلت باطلا فذلك البهتان. قال بعض العلماء يستثنى من الغيبة خمس صور: الأولى: النصيحة، لقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس حين شاورته: أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، (ويشترط في هذا القسم مسيس الحاجة لذلك والاقتصار على ما يتعلق بتلك المصلحة المشاور فيها أو التي يعتقد أن المنصوح يسارع فيها ولا يثلم العرض مع ذلك ولا يبين ذلك). الثانية: الجرح والتعديل في الشهود والرواة بما يمنع من قبول الشهادة والرواية خاصة، فلا يقول هو ابن زنا. الثالثة: المعلن بالفسوق، كقول امرئ القيس: فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا يفتخر بالزنا في شعره، فلا يتضرر بأن يحكي ذلك عنه، والغيبة إنما حرمت لحق المغتاب. الرابعة: أرباب البدع والتصانيف المضلة من الكتب ينبغي أن يشهر في الناس أنهم على غير الصواب تنفيرا عن تلك المفاسد، وهو داخل في النصيحة، غير أن هذا القسم لا يتوقف على المشاورة. الخامسة: إذا كنت أنت والمقول له الغيبة قد سبق لكما العلم بالمغتاب به فإن ذكره بعد ذلك لا يحط من قدر المغتاب عنده، وسألت جماعة من العلماء الراسخين في العلم عما يروى من قوله عليه السلام: لا غيبة في فاسق، فقالوا: لم يصح ولا يتفكه بعرض الفاسق. وفي المقدمات: ثلاثة لا غيبة فيهم: الإمام الجائر، والفاسق المعلن، وصاحب البدعة، وفي المنتقى: لا غيبة في تجريح الراوي والشاهد ولا المتحيل على الناس ليصرف كيده عنهم، هو راجع لما تقدم، وفي المقدمات: وينبغي لأهل الفضل حفظ ألسنتهم مما لا يعنيهم، ولا يتكلمون من أمر الدنيا إلا فيما يحتاجون إليه؛ لأن في الإكثار من الكلام السقط، قال رسول الله صلى الله عليه سلم: من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة: ما بين لحييه وما بين رجليه، ودخل عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه، فقال له: مه، فقال: إن هذا أوردني الموارد، قال مالك رحمه الله: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه، وقال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وعنه عليه السلام: إذا أصبح العبد أصبحت الأعضاء تستعيذ من شر اللسان وتقول: اتق الله فينا، إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، نقله في المنتقى. مسألة الفرق بين الغيبة والنميمة والغمر واللمز، أن الغيبة: ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض، والنميمة: أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه، لما فيها من مفسده إلقاء البغضاء بين الناس، ويستثنى منها أن فلانا يقصد قتلك في موضع كذا أو يأخذ مالك في وقت كذا ونحو ذلك؛ لأنه من النصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة، والغمز: أن تعيب الإنسان بحضوره، واللمز: بغيبته، وقيل بالعكس. مسألة قال ابن أبي زيد في جامع المختصر: قال مالك: الإيمان عمل وقول يزيد وينقص، وعنه: دع الكلام في نقصانه خوفا من الذريعة من قول الخوارج بإحباط الإيمان بالذنوب. تنبيه: الجمهور على أن الإيمان إنما يوصف بالزيادة والنقصان إذا فسر بعمل الجوارح، أما اعتقاد القلب وتصديقه فلا؛ لأنه إن وجد فقد آمن وإلا فهو كافر، والحق أن الجميع قابل للزيادة والنقصان، أما الأعمال فظاهر، وأما ما في القلب فباعتبار زمانه ومكانه ومتعلقه، أم زمانه فلأنه عرض لا يبقى زمانين، فإذا طال زمانه وعدم طريان الغفلة عليه فقد زاد وإلا نقص، وأما مكانه فلأن النفس ذات جواهر يمكن أن يقوم بجوهرين إيمانان، وبثلاثة، فيزيد وينقص ويكون الجميع متعلقا بشيء واحد، فإن اجتماع الأمثال في التعلق دون المحل ليس محالا، وأما متعلقه فإن الإنسان بعد إيمانه المعتبر إذا تجدد له العلم بآية أو خبر أو صفة من صفات الله تعالى تجدد له بها إيمان. مسألة قال: قيل لمالك: أقول: أنا مؤمن والله محمود أو إن شاء الله، فقال: قل: مؤمن ولا تجعل معها غيرها، معناه لا تقل إن شاء الله ولا غير ذلك، وهذه مسألة خلاف بين العلماء، قال الأشعري والشافعي وغيرهما: يجوز إن شاء الله، وقال أبو حنيفة وغيره لا يجوز؛ لأن الإيمان يجب فيه الجزم، ولا جزم مع التعليق، وقال غيرهم بل يجوز لأحد وجوه، إما أن يريد المستقبل وهو مجهول حصول الإيمان فيه، أو يريد نفع الإيمان الحاضر في المستقبل، وهو مجهول الحصول في المستقبل للجهل بالخاتمة، أو يكون ذكر الاستثناء للتبرك لا للتعليق. مسألة قال رجل لمالك: يا أبا عبد الله "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وأراك صاحب بدعة أخرجوه. قال ابن أبي زيد: الله تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وإنه في كل مكان بعلمه، وقال في الرسالة: استوى على عرشه المجيد بذاته، وهذا أقرب للتأويل من الأول، أي بغير معين بل بذاته استوى على العرش وغيره، وخص الله تعالى العرش بالاستواء؛ لأنه أعظم أجزاء العالم، فيبقى غيره بطريق الأولى، فقال جماعة عن ابن أبي زيد وعن ابن عبد البر وجماعة من المجتهدين: إنهم يعتقدون الجهة لأجل هذه الإطلاقات، وقال بعض الفضلاء: هذا إنما يلزمهم إذا لم يصرحوا بأنه "ليس كمثله شيء" وبغير ذلك من النصوص النافية للجهة، وإنما قصدهم إجراء النصوص كما جاءت من غير تأويل، ويقولون: لها معان لا ندركها، ويقولون: هذا استواء لا يشبه الاستواءات، كما أن ذاته لا تشبه الذوات، فكذلك يكون فوق سماواته دون أرضه فوقية لا تشبه الفوقيات، وهذا أقرب لمناصب العلماء من القول بالجهة. ومعنى قول مالك: الاستواء غير مجهول، أن عقولنا دالتنا على الاستواء اللائق بالله وجلاله وعظمته، وهو الاستيلاء دون الجلوس ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام، وقوله: والكيف غير معقول معناه أن ذات الله تعالى لا توصف بما وضعت العرب له كيف، وهو الأحوال المتنقله والهيئات الجسيمة من التربع وغيره، فلا يعقل ذلك في حقه تعالى لاستحالته في جهة الربوبية، وقوله: والسؤال عنه بدعة، معناه لم تجر العادة في سيرة السلف بالسؤال عن هذه الأمور المثيرة للأهواء الفاسدة، فهو بدعة، ورأيت لأبي حنيفة - رضي الله عنه - جوابا لكلام كتب به إليه مالك: إنك تتحدث في أصول الدين وإن السلف لم يكونوا يتحدثون فيه، فأجاب بأن السلف - رضي الله عنهم - لم تكن البدع ظهرت في زمانهم، فكان تحريك الجواب عنها داعية لإظهارها فهو سعي في منكر عظيم فلذلك ترك، قال: وفي زماننا ظهرت البدع فلو سكتنا كنا مقرين للبدع، فافترق الحال، وهذا جواب سديد، يدل على أن البدع ظهرت ببلاده بالعراق، ومالك لم يظهر ذلك ببلده فلذلك أنكر، فهذا وجه الجمع بين كلام الإمامين، وعن الشافعي - رضي الله عنه - لو وجدت المتكلمين لضربتهم بالحديد. قال لي بعض الشافعية وهو متعين فيهم يومئذ: هذا يدل على أن مذهب الشافعية تحريم الاشتغال بأصول الدين، قلت له: ليس كذلك فإن المتكلمين اليوم في عرفنا إنما هم الأشعري وأصحابه، ولم يدركوا الشافعي ولا تلك الطبقة الأولى، إنما كان في زمان الشافعي عمر بن عبيد وغيره من المعتزلة المبتدعة أهل الضلالة، ولو وجدناهم نحن ضربناهم بالسيف فضلا عن الحديد، فكلامه ذم لأولئك لا لأصحابنا، وأما أصحابنا القائمون بحجة الله والناصرون لدين الله فينبغي أن يعظموا ولا يهتضموا؛ لأنهم القائمون بفرض كفاية عن الأمة، فقد أجمعت الأمة على أن إقامة الحجة لله تعالى فرض كفاية، قال لي ذلك الشافعي: يكفي في ذلك الكتاب والسنة، قلت له: فمن لا يعتقدهما كيف تقام الحجة عليه بهما؟ فسكت. تنبيه: قال الغزالي: يشترط في الطائفة التي تقوم بفرض الكفاية من أصول الدين أربعة شروط: أن يكون وافر العقل؛ لأنه علم دقيق، وأن يستكثر منه؛ لأنه لا أكفر من نصف أصولي، وأن يكون دينا فإن قليل الدين إذا وقعت له الشبهة لا يطلب لها جوابا، وأن يكون فصيحا؛ لأن الفدم لا ينتفع به في هذا الباب. الجنس الثالث: الأفعال وهي أنواع:
|