الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
قاعدة: التهمةُ قادحة في التصرفات على الغير إجماعاَ، وأصل ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا تُقبل شَهادةُ خَصمِ ولاَ ظَنِينِ) والظنة: التهمة، وانقسمت ثلاثة أقسام: معتبرة في الإلغاء إجماعاَ، كشهادة الإنسان لنفسه، وحكِمه لنفسه، وغير معتبرة إجماعاَ، كرجل من قبيلته مختلف فيه هل يلحق بالأول أو بالثاني لوجود الشبهين فيه، كأخيه وامرأته، فهذه القاعدة هي مناط ما يأتي من الفروع. وفي الباب فروع أربعة: الفرع الأول القضاء لنفسه ومن في معناه، وفي الكتاب: إذا كان بين الخليفة وبين رجل دَعوى تحاكما إلى رجل يرضيان به، لأن عمر اختصم مع أبي إلى عثمان - رضي الله عنهم -، قال ابن يونس في الموازية: فإن الشاهد فوقه من ينظر في أمره وهو الحاكم فيضعف إقدام الخصم، والحاكم ليس فوقه من ينظر في أمره فتفوت داعية التهمة. قال: ولا يحكم بعلمه إلا أن يكون مبرزاَ خلافاَ للأئمة، وقال عبد الملك: لا يحكم لولده الصغير أو يتيمه أو امرأته، وغير هؤلاء الثلاثة يجوز، كالأب والابن الكبير، فإن امتنعت الشهادة فإن منصب القضاء أبعد عن التهم لوقف راجلة (كذا) القاضي دون الشاهد، قال أصبغ: إن قال: ثبت عندي، ولا يعلم أثبت أم لا ولم يحضره الشهود لم ينفذ، فإن حضر الشهود وكانت شهادة ظاهرة بحق بين جاز فيما عدا الثلاثة المتقدمة، لأن اجتماع هذه الأمور يضعف التهمة وهو الفرق بينه وبين الشهادة، وعن أصبغ: الجواز في الولد والزوجة والأخ والمكاتب والمدبر إذا كان من أهل القيام بالحق، وصح الحكم، وقد يُحكُم للخليفة وهو فوقه وتهمته أقوى، ولا ينبغي له القضاب بين أحد عشيرته وخصمه وإن رضي الخصم، بخلاف رجلين رضيا بحكم رجل أجنبي ينفذُ ذلك عليهما، ولا يقضي بينه وبين غيره، وإن رضي الخصم بذلك فإن فعل فلُيشهدْ على رضاه ويجتهدْ في الحق، فإن قضى لنفسه أو لمن يمتنع قضاؤه له فليذكر القصة كلها ورضا خصمه وشهادة من شهد برضا الخصم، وإذا فعل ذلك في موطن خلاف العلماء ورأى أفضل منه فالأحسن فسخه، فإن مات أو عزل فلا يفسخه غيره إلا في الخطأ البين، فإن فعل ذلك على نفسه أو لمن لا تجوز شهادته له بخلاف شاذ فالأحسن أن يفسخه لأنه لا يتهم فيه، قال سحنون: ولا تقبل شهادة أبيه أو ابنه عنده إلا أن يكونوا مبرزين في العدالة، وفي النوادر: قال محمد: إذا ثبت أن القاضي عُدو للخصم نقص حكمه، ومن يشهد من أقاربه يحكم له إلا في الحقوق العظيمة كالقصاص، والأبناء وإن سفُلوا سواء في المنع، وكذلك الآباء وإن عَلَوا، وإذا رضي خصم القاضي بالحكم عنده فليوكل القاضي من يقوم بحجته ويفعل ما هو أبقى للتهمة، وقيل: لا يحكم لنفسه أصلا وإن رضي الخصم، قال عبد الملك: إذا تخاصم عنده خصمان له عند أحدهما حق مالي قضى بينهما إن كان خصمه ملياَ وإلا امتنع كالشهادة، قال عبد الملك: وتقبل شهادة أبيه وابنه بعدالتهما، بخلاف تعديلهما عند تميزه، قال اللخمي: إذا كانت القضية لغير مال مما فيه حمية أو غيرة لم يحكم لمن لا يشهد له بحال، وحيث منها، امتنع رفع الشهادة بما اعترف عنده لمن هو فوقه، وإن كان مما تجوز فيه شهادته رفع لمن فوقه. الفرع الثاني: قال اللخمي: إذا اجتمع في القضية حق القاضي وحق الله تعالى: لا يحكم بماله كالسرقة. وهل يحكم بالآخر؟ قال مُحمد: يقطعه، وقال ابن عبد الحكم: يرفعه لمن فوقه فإن شهد القاضي وآخر أنه سرق، رفع حقه لمن فوقه، لأنه لا يشهد لنفسه فيقطعه الغير بالشهادة ويغرمه للقاضي بالشاهد مع يمين القاضي، وقيل: لا يقطع بشهادتها، لأن شهادة القاضي ترد عنه من باب: التهمة تتبعض الشهادة في هذا، وإنما تتبعض إذا كانت ترد منن جهة الشرع لا من أجل التهمة. الفرع الثالث: قال صاحب المنتقى: متى كان الحكم بين مسلم وكافر، قضى الحاكم بحكم الإسلام، لأن مقتضى عَقد الذمة جريانُ حكم الإسلام عليهم إلا في نكاحهم، وإن كان أهل حرب وأمكن فَعَلَ، وإن تعذر أخرج حكمَهم على وجه الصلح، وأما أحكام أهل الكفر: فإن كان الخصمان على دين واحد كنصرَانيين، لا يعرض لهم، لأن عَقد الذمة على أن تجري سابقة ورضا الخصمين، فإن امتنع الخصمان أو أحدهما أو الأسابقة، لم يحكم لهم، في كتاب ابن عبد الحكَم: إن رضيا بذلك حكم، وإن أبَى الطالبُ أو المطلوب لم يعرض لهما، فإن اتفقا خيرً بين الحكم بحكم الإسلام أو يترك، لقوله تعالى: (فَإنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أعُرِضْ عَنْهُمْ، وَإن تعْرِضْ عَنْهُمَ فَلَن يَضُرَوكَ شَيْئًا، وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ، إنً الله يُحِبً المُقْسِطِينَ) فإن اختلفا في الدين، قال يحيى بن عُمر: حكم بينهما وإن كره أحدُهما لاختلاف الملًتين، وهذا في صديقة المظالم بالحقوق التي سلمت بِرضا الطالب لها، أما الغصب ُوقطع الطريق: فيحكم بحكم الإسلام كَانَا على ملة واحدة أم لا، أو أحدهما مسلم، وظاهر كلام صاحب الجواهر في الجهاد أنً الإمام مخيًر في متفقي الملة من أهل اللغة، واتفق العلماء فِيما أعلم على أنه لا يتعرض للذمة ولا أهل الصلح ولا المستأمنين ما لم يتعلق الضررُ بغيرهم، واتفقواـ فيما أعلم على أنه إذا ترافعَ مسلم وكافر: أن على القاضي الحكم بينهم وقال (ش): يخير في أهل الموادعة كاليهود الذين كانوا بالمدينة لم يكونوا أهل جزيه بل موادعة، وفيهم نزل قوله تعالى بالتخيير في الحكم: الآية المتقدمة، فإذا اجتمع الخصمان ورضيا في الحكم بحكم الإسلام، وشهود مسلمين، وبعد أن يصف لهم حكم الإسلام، وكذلك يخير في الذميين من أهل ملتين، ويبين للذمة حكم المسلمين قبل الحكم، ويحرم عليهم ما يحرمهم على المسلمين من ثمن الخمر وغيره، ويحكم بدية الخطأ على العاقلة، وقال (ح): ينبغي أن يحكم بين أهل الذمة أولا بحكم الإسلام، ويحرم عليهم ما يحرمه على المسلمين، وقد كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نصارى نجران: (إما أن تردوا الربى وإما أن تأذنوا بحرب من الله ورسوله) ولا تفسخ أنكحتهم عنده، ولابد من رضاهما، لقوله تعالى (فَإنْ جَاءُوكَ) الآية فاشترط الله تعالى المجيء، وهى نزلت بعد قوله تعالى: (وَأن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله وَلاَ تَتًبِع أهْوَاءَهُمْ) وألزم الذمة الطلاق الثلاث، وفرق بينهم وإن لم يترافعوا إلينا، وهو خلاف مذهبنا. الفرع الرابع في الكتاب: إذا أقمت بينة على غائب ثم حَضَرَ قبل الحكم، لا تعاد بحُضوره، لأنه يقضي عليه في غيبته، ولكن يُخبَر بمن شهِد عليه وبالشهادة، لعل عنده حجه، قال ابن يونس: القضاء على الغائب عمل المدينة، وقول مالك وأصحابه في الديون وغيرها، وتُباع دارُه وعقاره ورفيقه. وقال (ش) إن كان في عمله في موضع فيه حاكم كتب إليه فينظر بينهما، وإن لم يكن فيه حاكم وفيه من يتوسط من أهل الحكم فُوض ذلك إليه، فإن لم يكن فيه من يصلح للقضاء ورأى الحاكم أن يُنفِذَ إلى ذلك البلد من يقضي بينهما فَعَل، وإلا لم يُحضره حتى يحقق المدعي الدعوى لاحتمال أنها لا يُجاب لها كشفعة الجار، فإن تعذر، إحضاره لكونه غائباَ، أو كان حاضرًا فهرب وليس مع الطالب بينة لم تسمع دعواه لعدم الفائدة، أو معه سمع البينة وحلفه على عدم الإبراء ونحوه وحكم، وقاله ابن حنبل، وقال (ح): لا يقضي على الغائب ولا الهارب قبل الحكم وبعد إقامة البينة ولا لمستتر في البلد، ولكن يأتي من عند القاضي ثلاثة يدعونه للحكم، فإن جاء وإلا فتح عليه بابه، واتفقنا أنه يسمع الدعوى البينة، إنما الخلاف في الحكم. لنا: قول تعالى: (وأَن احْكُم بَيُنًهُم بِما أنزَلَ الله) فلم يفرق بين حاضر وغائب، وقول - صلى الله عليه وسلم - (لو يُعطَى الناسُ بدعاويهم لاَدًعَى قومُ دماءَ قوم وأموالَهم ولكن البينة على المدعي). وقوله - صلى الله عليه وسلم - لهند: (خذُي لكِ ولولدِكِ ما يكفيكِ بالمعروف) فقيل: قضى على أبي سفيان ولم يحضر، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم صحة دعواها، وقيل: فتيا، لأنه كان حاضرًا بالبلد، والحاضر بالبلد لا يقضى عليه حتى يعلم، ولأن القضاء بالعلم ممنوع، ورجح الحكم بأنه أمرها بالأخذ فقال: خذي ولو كان فتوى لقال لها: يجوز لك أن تأخذي، ولأن الحاكم لا يفتي فيما تقع فيه الخصومة. / ولنا أيضًا: إجماع الصحابة، لأن عمر - رضي الله عنه - قال على المِنَبر: ألا إن الأسيفِع أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج، فادًان مُعرضا، ألا من كان له عليه ديْن فليأتنا غدًا، فإنا بائعوا ماله. وكان الأسيفع غائبًا، ولم ينكر عليه، فكان إجماعًا، وقياسًا على الحاضر، والإجماع على القضاء بالدية على العاقلة، وهي غائبة، وعلى الميت وهو أعظم من الغائب، لأنه لولا الحكم على الغائب، لأخذ الناس أموال الناس وغابوا، فتضيع الأموال، ويجوز ذهاب مال الغائب قبل القدوم فيضيع الحق، وبالقياس على ما إذا شهدت بينة على جماعة بعضهم حاضر، وعلى المفقود، فهذه كلها سلمها (ح)، ولأن المنع إما لاحتمال الإنكار عند القدوم، ولا عبرة به لأن البينة شهدت عليه، أو لترجيح البينة وهو لا يفوته عند حضورهم، ويجوز أن لا يخرجهم فلا يتوقف بالشك، ولأن من لا يعتبر رضاه لا يعتبر حضوره فأخذ الورثة والبائع في الشفعة والمضمون عنه، فإنه إذا ثبت قضي على الغائب بالدين، احتجوا بما في الترمذي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه - حين وجهه إلى اليمن: (إذ تقاضَى إليكَ رَجُلاَن فَلا تقْضِ للأول حتى تَسمعَ كلاَم الآخَر، فًإنكَ لا تدري ما يقضى) قال الترمذي: حديث حسن، وبالقياس على ما إذا كان غائبًا في البلد حاضرًا، ولأن القضاء للغائب لا يجوز، فلا يجوز عليه، ولأن البينة حجة أحد الخصمين، فلا يقضي بينهما في غيبة الخصم كاليمين، لأنه لو جاز القضاء على الغائب لم يكن الحضور عند الحاكم مستحقًا والحضور مستحق، لقوله تعالى: (وإذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) وهو سياق ذم فيجب الحضور، لأنه لا خلاف أن القاضي تعدى عليه، ويحول بينه وبين تصرفه، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ يَحِلً مالُ امرئ مسلمِ إلا عن طِيبِ نفسه) والغائب لم تطب نفسه. الجواب عن الأول: بأنه حجة لنا، لأنه قال: إذا تقاضى إليك الخصمان، فاشترط حضورهما في الحكم المذكور، ومفهومه إذا لم يتقاضيا إليه لا يجب عليه السماع من الآخر قبل الحكم. وعن الثاني: الفرق بأن الحاضر يمكن أن يتعجل منه تجريح البينة أو تسليمها فينحسم النزاع، بخلاف الغائب، وقد نقضت أصلكم بامرأة ادعت بأن لها زوجًا غائبًا له مال في يد رجل غائب وتحتاج للنفقة، فاعترف لها بذلك، فإن الحاكم يقضي عليه بالنفقة. وعن الثالث: إذا حضر لا يقضي له إلا برضاه، ويقضي عليه بغير رضاه، ويسمع البينة عليه قبل حضوره، ولا تسمع بينته إلا بحضوره، والسر في ذلك كله أن الضرورة داعية للحكم عليه ليلا يفوت حق غيره، ولا ضرورة تدعو للقضاء له. وعن الرابع: أن المدعى عليه إذا حضر وغاب المدعى لا يحلف، لأن اليمين حق. وعن الخامس: أن الحاضر يقول حكمه (كذا) لعله يقر لي إذا حضر فأستريح من البينة وتعجيل تخريج البينة فينجز الحكم، أما الغائب: فضرورتي تدعو لأخذ حقي، وهو على حجته إذا قدم. وعن السادس: أن الحاضر لا يشترط رضاه فيؤخذ الحق منه كرهًا، فأولى الغائب. تفريع: قال ابن يونس: قال محمد: إذا بيع ماله فقدم فافهم بينة أنه قضى بهذا الحق، قال محمد: يرجع المقضي له، ولا ينقض البيع إلا أن يجد المبيع بيد المشتري لم يتغير عن حاله: فله أخذه ودفع الثمن، قال مالك: لا يقضى على الغائب إلا في الربع لبعده عن التغير. وفي الجواهر: لابد أن تكون الدعوى معلومة الجنس والقدر، ويكون مع المدعي بينة، وحلفه القاضي بعد البينة على عدم الإبراء والاستيفاء والاعتياض والإحالة والاحتيال والتوكيل على الاقتضاء في جميع الحق وبعضه، ولا يجب التعرض في اليمين لصدق الشهود كالحاضر، قال الشيخ أبو إسحاق: يقول في آخر اليمين: وإنه لحق ثبت عليه إلى يومي هذا، والمحكوم به كالديون والعقار الذي يمكن تعريفه بالحد إذا قلنا: يقضى على الغائب في العقار إما لبعد الغيبة أو مطلقًا على الرواية الآخر، وكذلك العبد والفرس، وما يتميز بعلامة، قاله ابن القاسم إن كان غائبًا، وقال ابن كنانة: إن ادعى العبد الحرية أو ادعى أحد ملكه، لا يحكم فيه بالصفة والأحكام، وشرط المحكوم عليه أن يكون غائبًا عن البلد، واشترط ابن عبد الحكم أن يكون له في البلد الذي يحكم عليه فيه مال أو وكيل أو حميل إذا لم يول الحاكم على جميع الناس، بل على بلد خاص، وتنقل الشهادات إلى غيره من القضاة، وإذا كان المدعى عليه في البلد: قال سحنون: لا يسمع البينة إلا بحضوره، إلا أن يتوارى عيب قضى عليه كالغائب، قال عبد الملك: العمل عندنا أن يسمع القاضي بينة الخصم ويوقع شهادتهم حضر الخصم أم لا فإذا حضر قرأ عليه الشهادات بأسماء الشهود ومساكنهم، فإن قدح وإلا لزمه القضاء، وليس له طلب إعادة الشهادة بمحضره، لأنها قد أديت، ولا ينبغي للقاضي ذلك، ولو سأله الخصم ابتداء أن لا يسمع بينة خصمه إلا بمحضره واختشى القاضي دلسه، ورأى أن اجتماعهم أقرب للصواب، أجابه، وإن أمن فلا يجيبه، فإن أجابه من غير خشية فليمض ذلك لاختلاف الناس فيه، فقد قال بعض العراقيين، ومطرف، وأصبغ وسحنون: لا يسمع إلا بمحضره، فإن غاب الخصم ولم تكن مسافته تزيد على مسافة العدوي: قال محمد: إذا قرب من المصر فأحب إلي أن يجلبه إذا لم يكن في ذلك عُسر، ولا خوف في الطريق إلا نادرًا، فإن زاد على المسافة المذكورة: قال محمد: لم يجلبه إلا أن يشهد عليه شاهدان أو شاهد بحق، فكتب إليه مع ثقة: إما أن يحضر أو يرضي خصمه، متى كان للغائب مال في البلد ونفي منه: قال الأبهري: قال مالك: يقسم على الغائب الربع، ولا يقضى عليه إلا أن يكون قد خاصم وفرغت الحجج ثم هرب، وكذلك الأرضون، وقيل: تباع الرباع وغيرها، قال وهو الصحيح، نفيًا لضرر صاحب الحق. وفي الجلاب: لا يقضى على الغائب في الربع والعقار إلا أن تطول غيبته ويضر ذلك بخصمه. فـــرع في الجواهر: المخدرة لا تحضر مجلس الحكم، ويبعث إليها من يحلفها، وهي التي يزري بها الحضور، وإن كانت تخرج لغير ذلك، وماله مال من الحقوق يخرج لها ليلا. وأصل هذا الباب: أن التصرف إنما يستفاد من الولاية، فإن ولي معينًا أو بلدا معينًا كان معزولا عما عداه، لا ينفذ فيه حكمه، وقاله الأئمة، وما علمت فيه خلافًا. وفي الجواهر: إذا شافه قاض قاضيًا لم يكف ذلك في ثبوت ذلك الحكم، لأن أحدهما في غير عمله، فلا ينفع سماعه أو إسماعه إلا إذا كانا قاضيين لبلدة واحدة، ويتأدى من طرفي ولايتها، فذلك أقوى من الشهادة على كتاب القاضي، فيعتمد، ولو كان المسمع في محل ولايته دون السامع، ورجع السامع إلى محل ولايته، فهي كشهادة سمعها في محل ولايته لا يحكم بها، إذ لا يحكم بعلمه، وفي النوادر: قال أصبغ: له سماع البينة بغير عمله على غائب من خصمه، ويقبل عدالتها بقول قاضي ذلك العمل، ولا يحكم هنالك وإن حضر الخصمان، إلا أن يحكماه كالأجنبي، قال ابن عبد الحكم: لا يسمع بينة ولا ينظر في بينة أحدا، ولا يشهد على كتابهم إلى قاضي بلد، وقاله (ش) وله الكشف عن بينة شهدت عنده في علمه هناك ليعبر هذا عن الحكم، ولو كتب إليه كتاب من قاض فأدركه في غير عمله فلا يسمع عليه البينة حتى يقدم عمله، لأنه من تصرف الحكم. فــرع في الجواهر: إذا كان في ولايته يتيم مسته الحاجة، له مال في عمل آخر، فليكتب إلى والي ذلك العمل بحال الطفل وحاجته ويقتضي منه بيع ماله وينفذه إليه، فيبيع المكتوب إليه من مال اليتِيم أقل ِرباعِهِ ردا عليه وأحقها بالبيع وسيره إليه. فــرع لا يزوج امرأة خارجة عن ولايته حتى تدخل ولايته. فــرع قال الشافعية: إذا أذن له الإمام أن يحكم بين أهل عمله حيثما كانوا جاز له الحكم بينهم في غير عمله. وينبني على الفرق، ويمكن غيره من الحكم بغير ما قال في الفتيا في مواضع الخلاف، بخلاف الحكم، وفي الجواهر: ما قضى به من نقل الأملاك، وفسخ العقود ونحوه فهو حكم، وأما إن لم يفعل أكثر من تقرير الحادثة لما رفعت إليه كامرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فأقره وأجازه، ثم عزل وجاء غيره، فاختلف فيه، قال عبد الملك: ليس بحكم ولغيره فسخه، وقال ابن القاسم: حكم لأنه أمضاه، والإقرار عليه كالحكم بإجازة ولا ينقض، واختاره ابن محرز وقال: لأنه حكم في غير باجتهاده، ولا فرق بين أن يكون حكمه فيه بإمضائه أو فسخه، أما لو رفع إليه هذا الناكح فقال: أنا لا أجيز النكاح بغير ولي من غير أن يحكم بفسخ هذا النكاح بعينه، فهذا فتوى وليس بحكم، ورفع إليه حكم بشاهد ويمين فقال أجيز الشاهد واليمين، وهو فتوى ما لم يقع حكمه على عين الحكم، قال: ولا أعلم في هذا الوجه خلافًا، وإن حكم بالاجتهاد فيما لم يقمه التحريم والتحليل، ليس بنقل مالك من أحد الخصمين إلى الآخر، ولا فصل خصومة بينهما ولا إثبات عقد ولا فسخه مثل رضاع كبير فيحكم، فإن رضاع الكبير يحرم ويفسخ النكاح من أجله، فالفسخ حكم، والتحريم في المستقبل لا يثبت بحكمه، بل هو معرض الاجتهاد أو رفعت إليه امرأة تزوجت في عدتها فسخ نكاحها وحرم على زوجها، ففسخه حكم دون تحريمها في المستقبل، وحكمه بنجاسة ماء أو طعام أو تحريم بيع أو نكاح وإجارة، هو فتوى ليس حكما على التأبيد، وإنما يعتبر من ذلك ما شاهده، وما حدث بعد ذلك فهو موكول لمن يأتي من الحكام والفقهاء. تمهيد: الحكم والفتوى كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى ويعتقدهما المخبر، وكلاهما المكلف من حيث الجملة لكن الفتوى إخبار عن حكم الله تعالى ويعتقد المخبر وكلاهما [...] من حيث الجملة، لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة. والحكم إخبار عن إلزام الله تعالى وإلزام الحاكم فيما يمكن أن يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا، وقولنا في الفتوى: أو إباحة، يريد به ما عدا الإيجاب والتحريم فتندرج الأحكام الخمسة. وقولنا في الحكم: إلزام الله لم يكن حكمًا شرعيًا ولا قضاء لا رضا، وقولنا: وإلزام الحاكم هو القيد الذي حصل به الفرق مع ما بعده، فإن الله تعالى جعل للمفتي أن يجيز ولا يلزم؛ وإن كان الحكم مجمعًا عليه، غير أنه ينكر المنكر [...] ذلك سعي أن لله ضد ما ألزم الله تعالى لا إلزام من قبل العبد المنكر أو الآمر بالمعروف، فيفرق بين قول السيد لعبده: من رأيته خالفني فامنعه، وبين قوله استنبتك عني في الإلزام الذي ترتب عليه الإنكار، فالأول ساع في وقوع المأمور، والثاني بشيء للآمر والإلزام الذي يترتب عليه الإنكار لا حرم من نقض حكم حاكم أنكرنا عليه، وقيل: الحكم في مسائل الاجتهاد لا ينكر، لأنه لم يتحدد إلزام الله الذي استناب عبدهُ فيه، فالحاكم مع الله تعالى كحاكم يستنيب، والمنكر والمفتي كحاكم له ترجمان أو وزعة يُلجؤن الناس لدفع الحقوق، ثم هذا الإلزام قد يتعلق بمعنى محصور كالخصم الحاضر، وقد يتعلق لغير معين ولا محصور، كالحكم بوقف مسجد أو عتق عبد، هو إلزام لكل مكلف أن لا يبيعهما، وقولنا: لمصالح الدنيا. احتراز من وقوع التنازع تنجيس ما دون القلتين، وظاهره: الأرواث وتحريم السباع وغير ذلك، فإن أحد المجتهدين لا ينازع في ذلك لدنياه بل لأخراه، بخلاف المنازعة في العقود ونحوها، / 402 إنما ذلك لمصالح الدنيا، فهذا يظهر أن طهارة المياه ونحوها لا تقبل الحكم البتة، وأن الأحكام الشرعية قسمان، منها ما يفيد حكم الحاكم معه فيجتمع الحكمان، ومنها مالا يقبل إلا الفتيا فينفرد الحكم الأصلي، بهذا يظهر أيضًا الفرق بين تصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفتيا، وهي التبليغ المعدى عن الحكم من قبله، وبين تصرفه بالقضاء، فإنه قد اجتمع هنالك حكم الله تعلى وحكمه، ويظهر أيضًا بهذا أن العبادات كلها لا يقبل الحكم، وهلال رمضان وذي الحجة، إنما حظ الحاكم فيه إثبات السبب الذي هو رؤية الهلال، وكذلك إيجاب الزكاة، وأما أخذ ما سن يأخذه الساعي فذلك حكم لوقوع التنازع بين الفقراء والأغنياء لمصالح دنيوية، وهي المالية، وعلى هذا خرج سائر الأحكام وظهر بهذا أن حكم الحاكم في مواضع الخلاف لا ينقض لأن الحكم نص من الله تعالى على لسان الحاكم، ونص الله مقدم كأن الله تعالى قال: الحق مع هذا وإذا كان هذا نصًا صريحًا من الله تعالى وأن هذا الحكم هو الحكم في هذه الحادثة حرم على المخالف له من المجتهدين نقض هذا الحكم في هذه الحادثة بناء على قاعدة مجمع عليها وهو إنه إذا تعارض النص والعموم قدم الخاص في صورة وروده وبقي العموم معمولا به في غير تلك الصورة، فلا حرم مخالف المجتهد في غير تلك الصورة التي اتصل بها الحكم، وتخرج هذه من خلافه لورود النص الخاص فيها، كما يعمل في سائر موارد الشريعة إذا اجتهد، فتخرج المصراة من بيع الطعام للنص وتخرج المساقاة من الإجارة، وكذلك كل مستثنى بنص يخصه فهذا من قول الفقهاء: أن حكم الحاكم في مواطن الخلاف يرفعه، ولا ينتقض لأحد ذلك الحكم، وقد يظهر بطلان ما في الجواهر في باب نقض الحكم: أن الخلاف يبقى مع الحكم في نفس الأمر، وقد أوضحته ولا يستشعر من أن الله تعالى قد جعل لأحد أن ينشئ إلزامًا لم يكن في أصل الشرع، فإن الله تعالى لما جعل ذلك للحكام جعل لكل مكلف أن ينشئ على نفسه الوجوب في كل مندوب بالنذر، وإن أجمع العلماء على عدم وجوبه فأولى أن ينشئ الحاكم الإلزام بمعين أيضًا اختلف العلماء في وجوبه، غير أن الناذر ينشئهُ في حق نفسه والحاكم في حق غيره بأن جعل أيضًا لكل مكلف أن ينشئ سببية ما ليس بسبب في أي شيء أراده من المندوبات، ويميزها لله تعالى فيما فيه حكم، وما لا حكم فيه فيجعله سبباَ لطلاق امرأته أو عتق عبده، أو غير ذلك بالتعليق، فيقيم دخول الدار سببًا لذلك. وبه قال الأئمة، وما علمت فيه خلافًا، وفي الجواهر: إذا نهي عنه لم يفعله، لأن النهي عزل، فإن أذن له فيه فعله على مقتضى الإذن كسائر أنواع الولاية، فإن تجدد عقد الولاية عن النهي الإذن: فقال عبد الملك ومطرف وأصبغ: ليس لقاضي الخليفة الاستخلاف مكانه إذا كان حاضرًا، وأما إن سافر أو مرض ففي الواضحة: يستخلف، وقال سحنون: لا يستخلف وإن سافر أو مرض إلا بأذن الخليفة وعند (ش): يستحب للإمام أن بإذن له في الاستخلاف في نواحي عمله، لأن القاضي لا يتسع لجميع ذلك، ويشق على الناس الحضور إليه، فإن نهاه عن الاستخلاف أو أمره اتبع أمره ونهيه، وفي الشامل للشافعية: إن كان يمكنه النظر في ذلك العمل لم يستخلف، ووجود النهي وعدمه سواء، فإن عزت الولاية عن الأمر والنهي امتنع الاستخلاف، لأن الإمام لم يرض بنظر غيره، فإن كان لا يمكنه مباشرة الجميع استخلف فيما يعجز عنه، كما يوكل الوكيل فيما يعجز عنه، وله في الاستخلاف على ما يقدر عليه قولان: المنع والجواز كالإمام الأعظم، وقال (ح): لا يستخلف إلا بإذن الإمام فإن أذن له فاستخلف فالثاني قاض الإمام. تمهيد: الولاية ثلاثة أقسام: منها ما يتضمن الاستخلاف لتوقف مقصودها عليه، كولاية إمامة الجمعة، فإن مقصودها صحة الصلاة، ولو سبقت الحدث / ولم يستخلف بطلتْ صلاتُهم، وكذلك إذا طرأ عليه ما يبطل إمامته أو صلاته، وكالإمامة العظمى مقصودها: ضبط مصالح جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بها، ولا يحصل ذلك إلا بالاستخلاف، وكالوصية مقصودها: أن تقوم مقام الميت، ولا يحصل ذلك إلا إذا كان له أن يوصي إن مات، أو يوكل حال حياته. ومنها مالا يتضمن الاستخلاف. كالوكالة على ما يقدر على مباشرته، فإن المقصود يحصل به وحده، وعوارض عجزه نادرة، بخلاف إمامة الجمعة، عوارض العجز عنها كثيرة، وكالاستيداع، مقصودة: الحفظ، وهو خاص بالمودَع عنده وحده، وكالمقارض والمُساقي، فمتى وكل أحد هؤلاء فهو متعد، ومنها ما فيه الشًبَهَان، كالقضاء من جهة أن ما ولي عليه من المصالح غير مُتَنَاهِ ولا منضبط، أشبه الإمامة، ومن جهة أن فوقه من ارتضاه وحده وله الاستبدال به عند عجزه، أشبه الوكالة فهذه المدارك منشأ اختلاف العلماء - رضي الله عنهم-. تفريع: في الجواهر: حيث أجزنا، يشترط في الخليفة صفات القضاة، لأنه قاض إلا إذا لم يفوض إليه سماع الشهادة، ولا يشترط فيه من العلم إلا معرفة ذلك القدر، وليس له أن يشترط على النائب الحكم بخلاف اجتهاده، وخلاف معتقده إن جوزنا تولية المقلد عند الضرورة، قال الأستاذ أبو بكر: وللإمام المعتقد مذهب مالك أو غيره أن يولي من يعتقد خلافه، لأن الواجب على القاضي أن يجتهد، ولا يلزم أحدًا من المسلمين التقليد في النوازل والأحكام من المعتزي إلى مذهبه، فإن مالكًا لم يُلزمه المصير في أحكامه إلى أقوال مالك، بل أينما أداه اجتهاده صار إليه، فإن شرط على القاضي الحكم بمذهب إمام معين دون غيره، صح العقد وبطل الشرط، لمناقضته لما يجب من الاجتهاد، كان موافقًا لمذهب الشرط أو مخالفًا له، قال: وأخبرني القاضي أبو الوليد، قال: كان الولاة عندنا / بقرطُبة يشترطون في سجل القاضي أن لا يخرج عن سجلات ابن القاسم ما وجده، قال الأستاذ: وهذا جهل عظيم منهم، وفي النوادر: إذا وُلي على كُور العادةُ أن يولى فيها قضاة، فله أن يستخلف لأن العادة كالإذن، قاله عبد الملك وليس له أن يستخلف من يحكم بعد موته. العزل: هو فسخ الولاية ورد المتولي كما كان قبلها، كفسخ العقود في البيع وغيره، وكما انقسم ذلك في العقود إلى الفسخ والانفساخ، انقسم هاهنا إلى العزل والإنزال، وهذا كله متفق عليه بين العلماء. وفي الباب سبعة فروع: في الانعزال. في الجواهر: ينعزل بما لو قارن التولية منع انعقادها كالكفر والجنون وما تقدم معهما، وكذلك طريان الفسق على المشهور، وقال أصبغ: لا ينعزل بطريانه، ولا يجب على الإمام عزله عند مالك. الفرع الثاني في جواز العزل وفي الجواهر: قال أصبغ: ينبغي للإمام أن يعزل من قضاته من يخشى عليه الضعف والوهن أو بطانة السوء، وإن أمن عليه الجور، لأنه من بذل النصح للمسلمين، وهو واجب على الإمام، وقال مطرف: إذا كان مشهورًا بالعدالة والرضا فلا يعز له بالشكاية فقط وإن وجد منه بدلا نفيًا لمفاسد العزل، وإن لم يكن مشهورًا بذلك عزله إذا وجد بدلا وتظاهرت الشكاية عليه، فقد عزل / عُمر سعداَ - رضي الله عنه - لما شكاه أهل العراق، ولأن من لا يقال فيه، أصلح للناس ممن يقال فيه، فإن لم يجد بدلا كشف عنه، فإن وجده كما يجب أمضاه وإلا عزله، قال أصبغ: أحب إلي أن يعزله بالشكاية وإن كان مشهورًا بالعدالة، فلا أفضل في زماننا من سعد إذا وجد من يساويه لما فيه من تأديب القضاة وصلاح الناس، وإذا علمت الشكاية وتظاهرت أوقفه بعد العزل للناس، فيرفع من يرفعه ويحقق من يحقق فقد أوقف عُمر سعدًا فلم يصح عليه شئ من المكروه، خرجه البخاري، وقال أشهب: إذا اشتكي في أحكامه وميله بغير الحق، كشف عنه قل شاكوه أو كثروا فيبعث إلى رجال من أهل بلده ممن يثق بهم، فيسألهم عنه سرًا فإن صدقوا قول الشكاة عزله، وينظر في أقضيته فيمضي ما وافق الحق ويرد ما خالفه، وإن قال المسئولون: لم نعلم إلا خبرًا أو هو عدل عندنا أثبته ونفذ أقضيته، فما خالف السنة رده وما وافقها أمضاه، ويحمل على أنه لم يعمل جورًا ولكنه أخطأ، وقد قال عمر - رضي الله عنه - لما عزل سعدًا عن الكوفة بالشكية: لا يسابق قوم عزل واليهم فيشكونه إلا عزلته وعزل عمر شرحبيل فقال له: أعن سخط عزلتني؟ فقال لا، ولكني وجدت من هو مثلك في الصلاح وهو أقوى على عملي، فلم أرَيحل لي إلا ذلك قال: يا أمير المؤمنين، إن عزلك عيب فأخبر الناس بعذري ففعل عمر. قال مطرف وأشهب: وينبغي للإمام أن لا يغفل عن القضاة فإنهم سنام بره ورأس سلطانه، فلينظر في أقضيتهم وينفذها، وينظر في رعيته وأحكامها وظلم بعضها لبعض، فإن الناس يستن بعضهم بسنة بعض، وليس لبعض من الفضل على بعض ما يسع الإمام أن يتخلى عنهم، وإن يكلهم إلى قضاتهم، وكان عمر - رضي الله عنه - يقدم معهم من أهل عملهم رجالا، فإن أرادوا بدل عاملهم عزله وأمر غيره، ثم حيث عزل الإمام قاضيًا فإن كان لريبة أو سخط: فحق عليه إشهاره أو لغير ريبة فليخبر الناس ببراءته إن شاء كما فعله عمر - رضي الله عنه -. الفرع الثالث في الجواهر: إذا مات الإمام الأعظم نظر قضاته وحكامه حتى يعلموا رأي من بعده، وكذلك القاضي يوليه والي المصر، ثم الموالي فهو قاض حتى يعزله الذي بعده لأن الولاية فيهم حق للمسلمين لا تبطل بموته كبيعه وشرائه لهم وكولي المرأة إذا زوجها ثم مات لا يبطل النكاح، ولأنها سنة الخلفاء الراشدين ولأن في ذلك ضرًا عظيمًا على الناس وقاله الأئمة. الفرع الرابع: قال ابن يونس: قال سحنون: إذا ثبت الحق وأراد التسجيل فحضر الإمام، عرف فنهاه أن يبطل لأحد حتى ينصرف فيستحل له بعد نهي الإمام، فإن ذلك يمضي. وفي النوادر: قال أصبغ: إذا توجه الحكم على أحد الخصمين فاستغاث بالأمير الجائر فنهاه عن النظر في ذلك أو يعزله عنه، فلينفذه ولا ينظر إلى نهي الأمير إلا أن يعزله رأسًا وإن كانا في ابتداء أمرهما قبل ظهور الحق ونهوض الحجج، تركهما قال أشهب: إذا اشتكى أنه أراد الحكم بغير الحق كشف، فإن تبين خطؤه لأهل العلم نهاه عن إنفاذه وإن تيسر على الإمام جمعهم عنده فعل وإلا أقعد معه رجالا من العلماء الصلحاء ينظرون في ذلك، ثم / ينفرد هو برأيه فيهم دونهم، ولا ينفعه أن يقول: قد كنت حكمت قبل هذا، لأنه مدع على مشتكيه إلا أن تقوم بينة بذلك، ولا يحكم للنظار معه بشيء، بل الإمام إن كان فيه اختلاف أمضاه وإلا رده، وأولئك الجلوس يرفعون للإمام ما رأوه، قال مطرف: إذا اشتكى بعد الحكم وهو عدل بصير بالقضاء لا يعرض له، ولا يتعقبه بنظر الفقهاء، فإن جهل الأمير وجهل الفقهاء فجلسوا معه أو كرهوا ورأوا فسخه ففسخه الأمير، فإن كان الحكم الأول صوابًا فيه اختلاف العلماء نفذ وبطل الفسخ، وإلا مضى الفسخ، ولا يقبل في مشهور العدالة إلا استبداده برأيه فيأمره الأمير بالمشاورة لأهل الرأي من غير أن يسيء له أحد، وإن كان ممن ينبغي أن يجلس معه في تلك القضية، فللإمام أن يأمرهم أن ينظروا معه ويحكموا بأفضل ما يراه معهم أو مع بعضهم، فإن أجمعوا على خلافه لا يحكم به، ذلك لأنه الذي شكا منه فيه، وإن لم يبين له أن الحق إلا في رأيه، كاتب الأمير فيأمره بما يراه قاله كله ابن القاسم. الفرع الخامس قال: قال ابن القاسم: إذا عزل القاضي أو مات وهو جائر، لا ينفذ شيء من أحكامه، واستوقف النظر فيها، لأن حكمه كلا حكم، ولا ينظر في سجلاته، فإن كان لا يقصد الجور غير أنه جاهل بالستر، ولا يستشير العلماء، ويقضي باستحسانه، تصفحت أحكامه وينفذ صوابها، ويمضي المختلف فيه، قال ابن كنانة: وكذلك إن علم منه أنه يوافق الوزير عزل أولا، والقاضي الذي لا يعلم منه إلا خيرًا لا يكشف عنه أن يأتي بجور فخطأ أو جهل، ومتى جهلت البينة في حكم الحليبس لا ينفذ، قال أصبغ: تجوز أقضية القاضي غير عدل في حاله وسيرته، أو فيه هذا وهذا تجوز من أقضيته غير الجور كأقضية الجاهل، لأن السلاطين اليوم أكثرهم كذلك، ولابد أن تنفذ أحكامهم، والقول بهذا أصبغ، وقول ابن [...] وقال ابن القاسم: والخوارج كالقضاة السوء. الفرع السادس في الكتاب: إذا مات القاضي أو عزل أنه شهد للبينات، لم ينظر فيه من ولي بعده ولم يجزه إلا ببينة، وإن قال المعزول في ديواني قد شهدت به البينة عندي، لم يقبل قوله، لأنه بقي شاهدًا فهو كأحد الشهود، وللطالب تحليف المطلوب أن الشهادة التي في ديوان القاضي شهد عليك بها، فإن نكل حلف الطالب وثبتت الشهادة، ثم نظر فيها الذي ولي بما كان ينظر المعزول، قال ابن يونس: وكل حكم يدعي القاضي المعزول أنه قد حكم به لا تقبل شهادته منه لأنه هو الحاكم به، قال سحنون: وكذلك لو شهد معه رجل لا ينفذ حتى يشهد اثنان غيره. وفي التنبيهات: قال بعض الشيوخ: إن أراد قيام البينة على خطوطهم فقد جوز الشهادة على خط الشهود وإعمالها، وليس هو مشهور المذهب، أو على إيقاع الشهود هذه الشهادة عند القاضي ففي جواز الشهادة على مثل هذا والخلاف فيه معلوم وقد يكون قيام البينة بإشهاد القاضي المتوفى إياهم يعتلوها، وقوله: نظر الثاني كما كان ينظر الأول، يفيد بنا القاضي على ما تقدم ولا يلزمه الاستئناف، وأفتى به جماعة من القرطبيين: ابن عتاب وغيره، ورأى غيرهم الاستئناف، قال: ولا وجه له. الفرع السابع قال العلماء: من التصرفات ما تتوقف صحته على الولاية، كالقضاء والوكالة والخلافة، ومنه ما يصح بغير ولاية، كالخطابة والإمامة، فالقسم الأول / يقبل العزل من جهة المولي والمتولي، والقسم الثاني لا يقبل العزل إلا من جهة المتولي بل من جهة المولي، لأن صحة الخطابة لا تنفك عن المتصف بها حتى تذهب أهليته فلا يتمكن من عزل نفسه، لأن صحة تصرفه لا تكفي فيه الأهلية فلعزله لنفسه أثر فكان ممكنا، وأما ما يطلق للخطيب، فتركه إياه ليس عزلا ولا على هذا ليس للخليفة في نصب الخطيب، إلا تسويقه المطلق للخطابة لا أنه يفيده أهلية التصرف ومنع المزاحمة للخطيب والإمام بعد الولاية، فليس ذلك، ولأنه إنما هو من صون الأئمة عن أسباب الفتن والفساد، ويظهر بهذا البحث أن صحة التصرف في الخطابة سبب الولاية، وفي القاضي ونحوه الولاية بسببه، فبين البابين فرق عظيم فلذلك يقبل أحدهما العزل مطلقًا دون الآخر. نظائر: قال أبو عمران: العقود الجائزة بين الطرفين: الجعالة قبل الشروع من الطرفين، وبعده من جهة الجعل له، والقراض قبل الشروع، والمغارسة، والتحكيم، والوكالة، والقضاء. ذكره غيره فهي ستة. وفي الكتاب: إذا قَضَى فيما اختلف فيه، ثم تبين الحق في غير مَا قَضَى به، رجع عنه، ولا ينقض حكم غيره في موضع الخلاف، في التنبيهات: حمل أكثرهم الكلام على أن مذهبه في الكتاب الرجوع كيف كان، من وهم أو انتقال رأي، وقال عبد الملك: إنما يرجع في الوهم والغلط لا في تغير الاجتهاد، قال: وهو أقرب للصواب، إذ ْلو صح الأول ما استقر لقاضي حكم [....] في كل وقت فلا يثق أحد بحكمه، ولأن الثاني اجتهاد مثل الأول، بخلاف ما لو [....]! فهذا ينقضه هو ومن بعده، لا يختلف في هذا إذا ثبت ذلك عليه، وقد خالف الكتاب والسنة أولا، وهو شاذ فينقضه هو ومن بعده. وكذلك إذا كان يلزم مذهباَ معًيناَ ويحكم بتقليده لا باجتهاده فَحَكَم فغلِطَ في مذهبه، نقضه هو دون غيره، وقيل: يحتمل أن معنى كلامه أنه إنما رجع فيما كان جَوْراَ بيناَ. قال صاحب النكت: إذا بانله أَنه اخطأ فلينقُض قضيته، وإن أصاب قول قائل، وقد فعله عمر بن عبد العزيز، واختصره ابنُ حمديس إذا حكم بما اختلف الناس فيه فلا ينقُضه، قال اللخمي: إذا خالف نص القران أو السنة أو الإجماع ينقضه هو وغيره، وإن أراد الانتقال عن اجتهاد فأربعة أقوال، جوزه مطرف وعبد الملك، وهو ظاهر المدونة، ومنعه ابن عبد الحكم قضى بمال أو غيره، وجوزه أشهب إن كان بمال بخلاف إثبات نكاح أو فسخه، قال: وعلى هذا لا ينقضه إذا كان بإنفاذ عتق، أورده، أو حد أو قتل ابنته أو أبطله، وقيل: المتروكات ليس بحكم، بخلاف الإثبات، قال: والأول أحسن لما في الصحيحين: قال - صلى الله عليه وسلم - (إذا اجِْتهَد الحاكُم فأخطأ فلهَ أجر، وإن أصاب فله أجرانِ) فأثبت الخطأ مع الأجر، والخطأ لا يقر عليه، وهذا إذا تبين أنه جهل، وأنه خارج عن الأصل الذي كان ظنه منه، وإلا لم ينقض. فــرع مـرتب قال اللخمي في الواضحة: إذا أشهد الحاكم على فسخ حكمه، ويذكر أنه رجع عنه لأحسن منه ولا يحسن أمر فسخه له، لا ينفسخ حتى يلخص ما يوجب فسخه إلا أن يقول: تبين لي أن الشهود زور، وقال عبد الملك: يكفي إشهاده على الفسخ إذا كان مأمونًا لا يتهم أنه فسخه جورًا. ولو قال مع الفسخ: قضيت للآخر، لم يجز قضاؤه، ومضي الفسخ. لا يقضي حتى يستفرغ المقضى عليه الآجال والحجج. وفي الجواهر: قسم ابن القاسم وابن محرز حال القاضي أربعة أقسام: الأول: إن خالف نص الكتاب أو السنة أو الإجماع، ينقضه هو وغيره، الثاني: أن يقصد مذهبًا فيصادف غيره سهوًا، ينقضه هو دون غيره، لأن ظاهره الصحة لقول بعض العلماء به، وغلطه لا يعرف إلا من قوله، إلا أن تشهد بينة أنها علمت قصده إلى الحكم فوقع له غيره أيضًا، الثالث: أن يجتهد فيظهر له الصواب في غير ما حكم به من طريق الاجتهاد أيضًا، فعند ابن القاسم وغيره: أنه يرجع إلى ما ظهر له، وقيل: لا يرجع لجواز تغير غيره الثاني أيضًا فلا يقف عند غاية، فهو كالمصلي يتغير اجتهاده بعد الصلاة في القبلة، الرابع: أن يحكم بالظن والتنجيز من غير اجتهاد في الأدلة، فينقضه هو وغيره، لأنه فسق. فــرع: قال اللخمي: ليس للخصم نقض الحكم بأن يأتي بحجة يقول كنت نسيتها، أو يقول: استنطق خصمي عن كذا. ولا يُمَكن من ذلك، عن القاضي ولا غيره، وإلا لما انقطعت المنازعات، فإن أحضر بينة لم يعلم بها: فثلاثة أقوال: سمعه ابن القاسم لأنها حجة ظاهرة، وينقض الحكم، ومنع سحنون صوناَ للحكم عن استمرار المنازعة، وقال محمد: إن كان هذا القاضي نقضه، أو غيره فلا، لاحتمال مستند آخرَ له في الحكم، قال: والأول أحسن إن اتفق الخصمانِ أن هذه البينةَ لمن شَهِدت، أو علم ذلك، فإن قال للطالب: ما شَهِدَت، وأنكر الآخر، حلف القائم: لم تكن شهدت وعمل بموجبه، لأن الأصل: عدم شهادتها، وتجريحها وردها، فإن نكل حلف الآخر ومضى الحكم، وإن كان في الحكم ما يقتضي أنها لم تكن شهدت، سُمعت من غير يمين بأن يقول في حجاجه: دعوته ببينة فلم يقل بها، فإن أحضر بينة غائبة، وكان القاضي ذكر ذلك في حكمه، وقفه على حقه فيما شهدت به، ونقضه القاضي الأول وغيره، وكذلك إن ثبت أنَ البينة كانت غائبة حين الحكم وإن لم يشترط غيبتها. فــرع قال اللخمي: إن أراد الخصم تجريح البينة لينقض الحكم وأثبت جرحها، فعن مالك في النقض قولان، وأمضاه سحنون، وكذلك الجواب في إثبات العداوة أو تهمة القرابة، وينقض في إثبات كون أحدهما رقيقًا عند مالك وأصحابه، قال: ولو أمضى لكان وجهًا، وهو أولى من الفاسق للخلاف في شهادة العبد دون الفاسق، وينقض بإثبات كون أحدهما مولى عليه في كتاب ابن سحنون، وهو ابعد من العبد، وقد قال مالك وغيره: شهادته مقبولة، لأنه حر مسلم عدل، وتنقض بإثبات كونه نصرانيا. / فـــرع قال: قال عَبد الملك: إذا حد القاذف بعد الإعذار إليه، ثم أثبت بأربعة عدول الزنى قبلَ القذف، حُد الزاني وسقطت عن القاذف الجرحة، ولو كان حدًا غير الزنى، وقال به المقضي عليه بعد لم يقبل منه، لأنه حق الله تعالى، لو أقام بينة أن حاكمًا جلده مائة لم تسمع بينة، لأنها لا توجب الآن على الشهود عليه حدا، وكذلك لو شهد أن البينة المحكوم بها سرقت فلم تقطع، أو شربت فلم تحد، أو حاربت ولم يثبت مما يتعلق به الأحق الله تعالى، نقض الحكم قولا واحدًا، وإن كان قد أقيم عليه الحد لم ينقض على أحد القولين. فـــرع قال: إذا كانت القضية على غائب، ثم قدم بجرح البينة، فقبل: ذلك له، وقال عبد الملك: ليس ذلك في الفسق وغيره إلا في الكفر، أو الرق أو مولى عليهم، قال: والأحسن والغائب على حجته، وقد اختلف قول مالك في الحاضر، فالغائب أولى. فـــرع قال: إذا حكم القاضي بشهادة بينه شهدت على شهدت على شهادة غيرها، فأنكر المنقول عنهم أن يكونوا أشهدوهم: اختلف هل يكون رجوعًا منهم أو ينقض الحكم، أو يكونوا أحق شهادتهم أولى يكونوا أولى أولا بعد رجوعها، ولا ينقض الحكم، فقال محمد: يحد كانت الشبهة في زن حد القذف، لأن الفروع شهدوا عليهم بالقذف، فجعل الإنكار رجوعًا، وعن مالك: ينقض، ورأى الأصل أحق بشهادته من الفرع، وعن ابن القاسم: يمضي الحكم، ولا غرم على الأصل ولا على الفرع، ولو قدم قبل الحكم بشهادة فرأى ابن القاسم أن / الأمر فيه بعد الحكم مشكل، هل يرجع؟ أو وهم الفرع فلم ينقض الحكم، ولا اغرم الفرع، فعلى قوله وقول مالك: لا يحد بشهادة الزنى الأصول ويعدوا راجعين، وعلى قول محمد: يغرم المنقول عنه المال، قال: وأرى أن يرد الحكم لأنه أولى بشهادته، ولا يغرم الفرع لأن الأمر مشكل هل صدَقا أم كذبا، فلا يغرمان بالشك والأمر في المنقول عنهم في الزنا أبين، لأن قول الأصل والفرع في معنى التكاذب، وقول أربعة أقوى من قول أثنين اللذان هما الفرع. فــرع في الكتاب: لا ينقض قضاء ولاة المياه أو والي الفسطاط أو أمير الصلاة، أو والي الإسكندرية أو استقضى قاضيًا إلا في الجور البين، وفي التنبيهات: ولاة المياه الساكنون على المياه خلاف أهل الأمصار، قال ابن يونس: ولاتهم ولاة المياه الحدود في القتل، ولا يقام القتل بمصر كلها إلا بالفسطاط. فـــرع وفي الكتاب: لا عهدة على قاض في [...] بيعه [...] عهدة المبتاع في مال اليتامى، فإن هلك المال فلا شئ على الأيتام لأنه لم يوجد منهم [...] ولا ضمان. والمتنيس والمباشر غيرهم، قال ابن يونس: قال مطرف: لا عهدة على الإمام والقاضي والوصي [...] اليتامى في المال الموروث، وأما ما لهم فلا يباع عليهم في ذلك، لأنه ثمن المبيع قد ملك، ولو أكلوه لرجع عليهم في أموالهم، لأنهم وفروها به. /10 فــرع في الكتاب: إذا ادعيت على القاضي المعزول جَوراَ لم يُنظر لذلك، ونفذ الحكم، إلا الجور البيَن فيرد، ولا شيء على الأول، قال ابن يونس: قال بعض القرويين: لاشيء عليه إذا لم يتعمد الجور، وإلا فعليه، لأنه حينئذ غاضب، وقد قال في الكتاب: إن اخطأ في الدماء فَعَلى عاقلته إن بلغ الثلث، وإلا ففي ماله، فألزمه القضاء وقال في كتاب الأقضية: لا يضمن الأموال، وفي الموازية: إذا قطع السارق فظهر عبداَ ففداه سيدُه، رجع على الإمام، بما نقصه القطع في ماله، فألزمه المال. فــرع قال ابن يونس: قال عبد الملك: معنى قول مالك: لا يًنقض قضاء القاضي إذا لم يخالف السنه، أما إذا خالفها فلينقض، كاستسعاء العبد يعتق بعضه فيقضي باستسعائه، فينقض ويرد له ما أدى، ويبقى العبد معتقًا بعضه إلا أن يرضى من له فيه رق لإنفاذ عتقه، والتمسك بما أخذ، وكالشفعة للجار أو بعد القسمة أو الحكم بشهادة النصراني أو بميراث العمة والخالة، والمولى الأسفل وكل ما هو على خلاف عمل المدينة ولم يقل له شذوذ العلماء، وكذلك ما نزله من الحكم لما فعل الفاعل من غير أن يحكم عليه لغيره، كطلاق المخيرة مما قيل: إنها واحدة بائنة، فلو خيرت فاختارت نفسها فتزوجها قبل زوج فرفع لحاكم يرى ذلك فأقره، فلمن بعده فسخه ويجعلها البتة، وليس تقرير الأول وإن أشهد على ذلك وكتب، ومن على الطلاق أو العتاق على الملك، أو يزوج وهو مُحِرم، فأقر ذلك كله، أو أقام شاهدًا على القتل، فرفع لمن لا يرى القسامة فلم يحكم، فلغيره الحكم، لأن الأول ليس بحكم، قال محمد: وكذلك لو أقام شاهدًا عند من لا يرى الشاهد واليمين فلم يحكم به، فلغيره، / قال ابن القاسم: وإن طلــق البتة فرآها الـحاكم واحدة، وتزوجها الذي أبتها فلغير يف، وليس هذا من الاختلاف الذي يقوى بالحكم، وقال ابن الحكم: لا ينتقض ذلك كائنًا ما كان إلا الخطأ المحض، وأمضى شفعة الجار وجميع ما تقدم، قال ابن حبيب: لا يعجبني ما انفرد به ابن عبد الحكم عن أصحابه، قال ابن القاسم: وإذا قتل رجل غيلة والقاضي يرى العفو لولاته، فأسلمه إليهم فعفوا، فلا يقتله غيره للاختلاف في ذلك، وقال أشهب: يقتله، لأنه لا خلاف في قتل الُمحارب، قال عبد الملك: وإن أُخذت فيه دية رُدت، ونَقَل صاحبُ النوادر جميع هذه الفروع هكذا. تمهيــد: قال جماعة من العلماء: ضابط ما يُنقض من قضاء القاضي أربعة في جميع المذاهب: ما خالف الإجماع، أو النص أو القياس الجليين، أو القواعد مع سَلاَمة جميع ذلك عن المعارِض الراجح. ومن ذلك المسألة السريجية على ما تقدم في كتاب الطلاق، وحل النبيذ، وغير ذلك مما هو موجود في كل مذهب. فـــرع في الـنـوادر: قال سحنون: إذا قضى بما ليس من رأيه بدو هل أو لسي ورأيه على خلاف نقضه وإن وافَق خِلاف العلماء، فإن عُزل ثم رُد نقضه إذا أخطأ مذهبه، قال ابن حبيب: إن عُزل القاضي ثم ولي، لا ينقض من قضائه في ولايته الأولى إلا ما ينقضه من قضاء غيره، قال ابن القاسم: وولايته بعد عزل كقاض غيره ولي بعده. / فــرع قال: قال محمد: إذا نقض قضاء قاض قبله، ثم عزل وولي ثالث، والحكم المنقوض مُختلف فيه، نقض الثالث حكم الثاني ونفذ الأول، لأنه نقضه خطأ صُراح لا يختلَف فيه، وإذا تصرف سفيه يجب حَجر القاضي بالبيع والنكاح وغيره رد ولا يلزمه، فإن جاء قاض [....] جميع ذلك نقضه الثالث وأقر الأول، خالفنا في هذا (ح)، ولو فَسخ الثاني حكمَ الأول بالشاهد واليمين رده الثالث. فـــرع قال: إذا قَضَى في شيء مرتين لرجلين فتنازعا عند غَيره، قال مطرف [....] له أولى به إلا أن يكون الجائز له أولى به إلا أن يكون الجائز هو الأول، وفي قضية الأخر ما يفسخ قضية الأول. فينقض الأول، فإن لم يجز أو لم يعلم الأول فأعدَلُهما بينة فإن تكافأتا فأولاهما تاريخاَ إلا أن يكون في القضاء الثاني ما يفسخ الأول، فإن أرخت إحداهما دون الأخرى، فالمؤرخة أولى، لأن فيها زيادة، فإن أرختا وأشكل الأمر فاستئنافُ الحكم فيها أفضل إن رآه القاضي إنْ كانتا مما فيه اختلاف، وقاله مالك، وكذلك ينبغي إذا رفعت له على مشكلة مختلطة فَسَخَها واستأنَفَها، وقال أصبغ في مسألة مطرف: إذا قضى بقضيتين في شيء واحد، الآخرة الأولى، ويعد فسخها، ولا يعتبر الجائر، إلا أن تَكون الآخرة خطأ فتثبت الأولى، فإن لم يؤرخا فالجائر أولى فإن فُقد الجور فأعدلُهما بينةَ، فإن استوت البينتان تحاَلَفاَ، فإن حَلفا أو نكلا ابْتَدَأ الخصومةَ، فإن نكل أحدًهما فهي للحَالف، وإن كانت القضيتان من قاضيين مضت الأولى إن كانت صوابًا، مختلفًا فيهما وبطلت الثانية، فإن كانت الآخرة صوابًا أو مختلفًا فيها، فسخت الأولى، فإن كانتا صوابًا صارتا كما لو كانتا من قاض واحد. فـــرع قال: إذا لم يحز المقضي به حتى مات القاضي أو عزل أو مات المقضي له أو عليه: قال ابن القاسم: نفذ الحكم كان التأخير لعذر أم لا، إلا في الترك الطويل الذي يخشى فيه أن من عرف ذلك الحق هلك، أو نسيه لطول الزمان، ولو كان المقضي به جزءًا من قرية مقر ولم يجد من يشهد له بتعين الحد بعد موت القاضي، كان شريكًا لأهل القرية بذلك الجزء مشاعًا، فإن كان لأهل القرية كل واحد جزء معين فأراد مقاسمتهم، هل يأخذ من كل واحد بقدر حصته، لأنه أقرب لبقاء الحقوق؟ وقال مطرف وعبد الملك: لا يضر طول زمان وعدم الحوز كما لا يضر في الدعوى على الحائز، بل ذلك كمكتوب على إنسان، لصاحبه القيام به أي وقت شاء وإن تقادم، لأنه عرف أصل حيازته له، وإنما ينتفع بالحيازة من لا يعرف أصل حيازته فيدعيه غيره، إلا أن يطول زمان ذلك جدًا نحو خمسين سنة مما لا تبقى الحقوق معه، أو يحدد فيه المقضي عليه بنيانًا أو غرسًا أو بيعًا أو صدقة أو اصدقا، والمقضي له يفطن ولا يغير، فإن مات المقضي عليه، قال مطرف: لا يسأل الوارث عن شيء لأنه ليس الذي قضى عليه إلا أن يكون المقضي له غائبًا حتى مات المقضي عليه، وقال عبد الملك: الوارث كلميه حضر المقضي له أم لا أن يطول زمانه بيد الوارث والمقضي له حاضر، فلما قدم الورثة ادعوه بحق غير الوراثة. فــرع في الجواهر: إذا ظهر للقاضي بعد الحكم أنه حكم بشهادة عبدين، أو كافرين، أو وصبيين، نقض الحكم لعدم المستند، ونقضه ابن القاسم في الفاسقين، ولم ينقضه سحنون وأشهب، لأن الفسق قد يخفى، لأنه أمر اجتهادي، فإن ظهر أن أحدهما عبد، أو ذمي، أو مولى عليه، رد المال المحكوم به للمحكوم عليه، إلا أن يحلف مع الشاهد الثاني، فإن نكل حبس حتى [...] أو أخذ ماله، فإن نكل فلا شيء له، قال سحنون: الحكم هنا ينتقض، بخلاف الرجوع [...] يظهر أن أحدهما مسخوط، وقال ابن القاسم: ينتقض كالعبد والذمي، فإن كان الحكم في قصاص أو قطع: قال سحنون: إن حلف المقضي له في اليد مع شاهده الباقي، أو في القتل مع رجل من عشيرته. خمسين يمينًا قسامة، تم له الحكم، وإن نكل عن القصاص في البلد ولم يعلم بأن شاهده عبد لأن الظاهر حريته يحلف المقضي منه في البلد: أن ما شهد عليه به باطل، وإذا نكل المقضي له بالقتل عن القسامة، والنكول في مثل هذا ترد به الشهادة، وينقض به الحكم: قال بعض أصحابنا: ولا ضمان على الحاكم، وهو لم يخطئ، لأنه فعل اجتهاده، ولا ضمان على المحكوم عليه بالقصاص، لأنه لم يأخذ ثمنًا فيرد، وغرم ذلك على الشاهدين إن جهلا رد شهادتهما، وقال بعضهم: ذلك على عاقلة الإمام، وقيل: هدر مطلقًا، وإنما على عاقلة الإمام ما جاوز الثلث من الخطأ، كقتل من لا يجب القتل عليه، أو بخبر شهادة العبد أو الذمي أو المولى عليه، وهو يرى جواز ذلك، أو يقطع السارق من غير جواز أو ثمر أو كثر، أو أملان يطهر له فيما لم يعلمه بعد الجهل، وكذلك لو رجم ثم ظهر أحدُ الشهود عبداَ أو ذمياَ، بَطَل الحكم، ويُجلَدون للِقذف، وقيل: الغُرم على الحاكم وإن لم يعلم الشهود بحل الذين شهدوا معهم، وإن علموًا ذلك غرموا وقيل: لا شيء عليهم إلا على الحاكم، جهلوا من معهم أو عرفوا وجهلوا أن شهادتهم تمنع، فإن علموا بهم وعلموا ردهم ضمنوا الدية. فـــرع قال اللخمي: قال ابن القاسم: إذا قال الحاكم بعد الرجم والقطع والضرب: حكمت بجور: قال مالك: ما نفذه من جور يقاد منه لأنه كالمكره لمن أمره وإن لم يباشر ذلك بنفسه ويقتض من المأمور أيضًا إذا علم أنه حكم بجور، أو كان معروفًا بذلك ولم يكشف عن صحة حكمه، قال أصبغ: إن حكم بمال غرمه كإقرار الشاهد بعد الحكم، ويعاقب ويعزل، ولا يولى أبدًا، ولا تقبل شهادته أبدًا وإن تاب كشاهد الزور، قال: وأرى إن كان الحاكم معدمًا: لا شيء للمحكوم عليه على المحكوم له، لأنه لا يصدق الحاكم أنه بالجور، إلا أن يكون معروفًا بذلك. فإن أقر بعد الحكم وقبل القصاص، أو أخذ المال، قال عبد الملك: ينقض الحكم، قال: ويجري فيه الخلاف في رجوع الشاهد فقال ابن القاسم: إذا رجعت البينة، لا يقتض ولا يقطع لا في السرقة ولا في قصاص وقال محمد: تجلد البكر ولا ترجم الثيب وإن قضى بمال لم يرد لحقه أو المال، وهذا إذا كان ظاهرة العدالة وإلا لم يمض شيء من ذلك لهذا إذا تعمد فإن قال: أخطأت، قال ابن القاسم: ذلك على عاقلته إن كان الثلث فصاعدًا لأنه خطأ، وقال سحنون: في ماله، لأنه العاقلة لا تحمل الإقرار، وقيل: ذلك هدر لا يحدد ذلك، فإلزامه يمنع الناس من الولايات، فإن أقر بالخطأ بعد الحكم وقبل أخذ المال، فهل ينقض أم لا قولان، وفي النوادر: إن أقر بالخطأ في الجلد، فليس فيه شيء، وإن أقر بالعمد أدب، وإن أخطأ في الأدب بمجاوزة القدر أو الظلم، فحسن أن يقيد من نفسه تبرعًا، تأسيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء، ولا يلزمه إلا في العمد، وما لزم عاقلته فهو رجل منهم. فـــرع قال: إذا حكم بما كان عنده من العلم قبل الولاية أو بعدها في غير مجلس الحكومة أو فيه فالثاني نفي [...] فإن [...] جلوسهما للحكومة، وأقر أحدهما بشيء وقبل أن يتقدما للحكومة، ثم أنكر، قال محمد بن الحسن [...] دون غيره من القضاة إلا أن يكون يقلد من يرى ذلك، أو من أهل الاجتهاد ولم يتبين له غيره [...] يتبين له أن ذلك يؤدي مع فساد القضاة اليوم إلى القضاء بالباطل لأن كلهم يدعي العدالة فلا ينقضه لما في ذلك من الذريعة فهذا ضرب من الاجتهاد. فـــرع قال: إذا أتاك قضاء قاض بما اختلف الناس فيه وليس رأيك، قال سحنون: لا ينفذه، لأنه عندك ليس بحق، ولم ينفذه الأول فلا تنفذه أنت، وقال أشهب: إن كتب أنه حكم نفذته، أو ثبت عنده لم ينفذه، وهذا متفق عليه، إنما الخلاف في الأول. فـــرع في الجواهر: القضاء إذا لم ينقض فلا يغير الحكم الذي في الباطن، بل هو على المكلف على ما كان قبل القضاء، إنما القضاء إظهار للحكم الشرعي لا اختراع؛ فلا يحل المالكي شفعة الجوار إذا قضى له بها الحنفي ولا يحل لمن / أقام شهود زور على نكاح امرأة يحكم له القاضي لاعتقاده عند التهم بنكاحها وإباحة وطئها أن يطأها ولا يبقى على نكاحها. تنبيــه: أعلم أن جماعة من المالكية قد اعتقدوا بسبب هذا الفرع أن حكم الحاكم في مسائل الخلاف لا يغير الفتاوى وإذا حكم فيها بالحل مثلا يبقى المفتي بالتحريم يفتي به بعد ذلك فالقائل: إن وقف المشاع لا يجوز، أو إن الوقف لا يجوز، إذا حكم حاكم بالجواز والنفوذ واللزوم، فبقي للآخر أن يفتي بجواز بيع ذلك الموقوف ونحو ذلك، ويقولون: قد قال صاحب الجواهر: الحكم على المكلف بعد الحكم كما هو قبل الحكم في الباطن ويقولون: الممتنع النقض لذلك الحكم، أما الفتاوى فهي على حالها في جميع صور أقضية القضاة، لا يتغير شيء من الفتاوى في جميع المذاهب، وهذا اعتقده خلاف الإجماع، واعلم أن هذا النقل على هذه الصيغة لم أره لغيره مع اجتهادي في ذلك والظاهر أن عبارته رضي الله عنه وقع فيهما توسع، ومقصوده مستبان في المذاهب أحدهما: أن الحكم إذا لم يصادف سببه الشرعي فإن لا يغير الفتوى، كالحكم بالطلاق على من لم يطلق، إما لخطأ البينة أو لتعمدها الزور، أو بالقصاص أو غير ذلك من جميع الأحكام، فإن الفتاوى عندن على ما كان عليه قبل الحكم، خلافًا لـ(ح)، وثانيهما: ما هو على خلاف القواعد أو النصوص، كما تقدم في شفعة الجار واستسعات العبد، وتوريث العمة والمولى الأسفل، والحكم بشهادة النصارى نحو عشر مسائل، لا تتغير الفتاوى فيها لأجل مخالفتها النصوص والقواعد، فهاتان المسألتان والله أعلم مراده، ولذلك نص الأصحاب على هاتين المسألتين ولم يذكرهما هو اكتفاء بهذا الموضع، أما حكم في موضع مختلف فيه. ليس مما تقدم فيه الفتاوى على ما كانت، لم أره لأحد من العلماء، /10 بل ضد ذلك. وفروع المذهب تبطل ظاهر كلامه واعتقاد من اعتقده، من ذلك: أن الساعي إذا أخذ من أربعين شاة لأربعين مالك شاة مقلدًا لمذهب (ش) أفتي الأصحاب بتوزيعها، وقبل ذلك أفتوا بأنها مظلمة لا تراجع فيها، وكذلك قضوا فيما إذا كان لأحدهما أربعة عشر، وللآخر مائة عشرة، لاشي على الأول إلا أن يأخذ الساعي مقلدًا لمن يعتقد ذلك واجبًا، ولذلك قالوا في صلاة الجمعة: إذا نصب الإمام فيها إمامًا من قبله لا يصح إلا من نائب الإمام، أوذ مسألة [...] فيها اتصل بها حكم، نقله سند، وهذه كلها فتاوى تغيرت، وكذلك قالوا في [...] بما يقتضي الفسخ أو حكم به الحاكم قال: وينبني على الخلاف حل الوطء بعد الفسخ فإذا [...] حاكمًا [...] قولهم: يحرم الوطء فتيا قد حث وتحدت بعد الحكم، وبطل ما كان قبلها، وذلك كثير في المذهب فقد تغيرت الفتاوى بسبب الحكم فاعلم ذلك، وهاهنا شيء وهو أنه قد تقدم في الفرق بين الحكم والفتيا أن حكم الحاكم نص من الله تعالى استناب الحاكم فيه، وإذا اختلف الحاكمان فقال الله تعالى: الحق مع هذا، سقط ما عداه وتعين المحكوم الذي هو مورد النص غير أن الله تعالى لم يستنبه في الحكم بخلاف الأسباب، ولا بخلاف الأسباب ولا بخلاف القواعد والنصوص، وتلك الأمور المتقدمة في ذينك الموضعين فلا جرم نقضناها وهذا سر كون حكم الحاكم لا ينقض، وسر كونه تغير الفتاوى، وإن الخلاف في المسألة يتعذر. فـــرع قال صاحب المقدمات: حكم الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا على عمله في باطن الأمر وقاله(ش) وابن حنبل، وقال (ح): يحلل ويحرم في العقود والفسوخ. / فمن ادعى نكاح امرأة وهو يعلم أنه كاذب وأقام شاهدي زور وحكم الحاكم بهما حلت له، وصارت زوجته. أو استأجرت امرأة شاهدي زور شهدا بطلاقها حل لها أن تتزوج وحلت لأحد الشاهدين مع علمه بكذبها نقله أصحابه واتفق الناس في الديون وما ليس فيه عقد ولا فسخ، وجعل (ح) حكم الحاكم يقوم مقام العقد والفسخ فتحل بالعقد وتحرم بالفسخ على حسب ما يناسب ذلك الحكم، ووافقنا أيضًا إذا قضى بنكاح أخت المقضي له أو ذات محرم أنها لا تحل له لأن المقضي لو تزوجها لم تحل له؛ لفوات قبول المحل، وكذلك قال إذا تبين أن الشهود عبيد، والحكم في عقد نكاح، وفرق بأن الشهادة شرط، ولم يوجد، وفي الأموال بأن الحاكم لم يحكم بالملك بل بالتسليم، وهو لا يوجب الملك، لنا: قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح: (إنما أنا بَشَر، وأنكم تَخَتصموُن إلًى، ولَعَلً بعضَكُم أن يكونَ ألْحَنَ بحُجًته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقْتطِع له قطعة مَنَ الًنار) وهو عام في جميع الحقوق وقياسًا على الأموال بطريق الأولى، فإن الأموال أضعف، فإن لم يؤثر فيها فأولى الفروج، احتجوا بقصة هلال ابن أمية في الصحيح: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين فرق بينه وبين إمرأته باللعان، قال (إن جاءت به على صفة كيت فهو لشريك)، فجاءت به تلك الصفة، وتبين الأمر على ما قال هلال، وأن الفرقة لم تكن واجبة ومع هذا لم يفسخ تلك الفرقة وأمضاها قال عَلي: إن حكم الحاكم يقوم مقام الفسخ والعقد وعن علي - رضي الله عنه - أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة وشهد له شاهدان فقضى بينهما بالزوجية فقال والله يا أمير المؤمنين ما تزوجني، فاعقد بيننا عقدًا حتى يحل له، فقال: شاهداك زوجاك، فدل / أن النكاح يثبت بحكمه، لأن اللعان يفسخ به النكاح، وإن كان أحدهما كاذبًا والحكم أولى، لأن للحاكم ولاية عامة على الناس في العقود بدليل نفوذ تصرفه بالعقود، فدل بذلك على أنه متى أوقع العقد على وجه لو فعله مالك نفذ ينفذ منه ولأن المحكوم عليه لا تجوز له المخالفة ويجب عليه التسلم فصار حكم الله في حقه ما حكم به الحاكم، وإن علم خلافه فكذلك غيره قياسًا الجواب عن الأول: بأن الفرقة في اللعان ليست بسبب صدق الزوج أو نفيه فلو قامت البينة بصدقه لم تعد إليه، وإنما كانت بكونهما وصلا إلى أسوا حال في المعايشة بلا تلاعن فلم ير الشرع اجتماعها بعد ذلك لأن الزوجية مبناها السكون والمودة، وما تقدم من التلاعن يصم ذلك فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكذب كقيام البينة وعن الثاني: أن [...] لا حجة فيه لأنه - رضي الله عنه - أضاف التزويج للشاهد لا للحكم، ومنعها من العقد لما فيه من الطعن على الشهود، فأخبرها بأنها زوجة ظاهرًا ولم يتعرض للفتيا، وما النزاع إلا فيها وعن الثالث: إن كذب أحدهما لم يتعين اللعان ولم يختص به، أما عدم تعينه، فلأنه قد يكون مستنده في اللعان كونه لم يطأها بعد حيضها مع أن الحامل قد تحيض أو قرائن حالته مثل كونه رأى رجلًا بين فخذيها وقد لا يكون الرجل أولج، أو أولج وما أنزل، والقرائن قد تكذب، وأما عدم اختصاصه باللعان: فلأن المتداعيين في النكاح أو غيره قد يكون أحدهما كاذبًا فاجرًا يطلب ما يعلم خلافه ولا نسلم أن الحكم أولى لما بينا أن التلاعن يمنع الزوجية لما اشتمل عليه من المفاسد المنفية في الحكم. وعن الرابع: أن صاحب الشرع إنما يجعل الحاكم وكيلًا للغائب والوصي والمجنون لضرورة عجزهم عن المباشرة ولا ضرورة هاهنا، والأصل أن يلي كل أحد مصالح نفسه، فلا يترك الأصل عند عدم المعارض لأجل تركه عند المعارض. وعن الخامـس: أن المحكوم عليه إنما حرمت عليه المخالفة لما فيها من مفسدة مشاقة الحاكم، وانخرام النظام وتشويش نفوذ المصالح، وأما أن لا يأخذ بالمخالفة من حيث لا يطلع عليه أحد ليس فيها شيء من ذلك. فوائـد: قال صاحب المنتقى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته، معناه أعلم بمواقع الحجج، قال أبو عبيد: اللحن بفتح الحاء الفطنة، وبإسكانها الخطأ في القول، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: اقتطع له قطعة من النار، كقوله تعالى: (إنً الذين يأكلون أموالَ اليتامى ظلمًا إنًما يأكلون في بطونهم نارًا) من باب وصف السبب بوصف المسبب لأن المأخوذ سبب النار. كقول الشاعـر: يا أيها الراكبُ المُزجى مَطِيــتًه *** سائل بني أسَدِ ما هذه الصوتُ وقل لهم بادرُوا بالعذروالتمِسُوا *** وجهًا يُنَجًيكُمُ إنًي أنا الموت. فوصف نفسه بأنه الموت لأنه سببه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما أنا بشر خص نفسه بالبشرية، فيقتضي ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لا وصف له إلًا هي، وذلك محال، فمعنى لا وصف باعتبار الاطلاع على بواطن الخصوم إلًا البشرية، وسائر صفاته العلية لا مدخل لها في ذلك، وتقدم بسط هذا المعنى في مقدمة الكتاب
|