الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وهو في اللغة: التداخل تقول أنكحت الأرض البذر، ونكحت الحصاة خف البعير، والوطء تداخل، فسمي نكاحا، ويطلق على العقد مجازا من باب إطلاق المسبب على السبب، ويقال: كل نكاح في كتاب الله تعالى، فالمراد به العقد إلا قوله تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره) (البقرة: 330) ويطلق على الصداق؛ لأنه سبب كالعقد نحو قوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) (النور: 32) أي صداقا، ويحتمل أن يكون من باب الإضمار أي سبب نكاح لكن المجاز أولى من الإضمار على ما تقرر في الأصول. قال اللخمي: وهو في الشرع أربعة أقسام: واجب غير موسع لمن خشي الزنا، وعجز عن التسري، ولا يذهب عنه بالصوم، وواجب موسع إن كان كذلك، ويقدر عن التسري، ويذهب بالصوم، فهو مخير بينه وبين النكاح، فإن كان يذهبه الصوم وجب أحد الثلاثة على التخيير، والزواج أولى لقوله عليه السلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) فقدم النكاح على الصوم، والسراري تنتقل طباعهن للولد، ومندوب لأمن من الزنا الراغب في النساء، وهو يولد له، ومباح للمعرض عن النساء، وهو لا نسل له، وكذلك المرأة إلا في التسري قال صاحب (المعلم): ومكروه لمن لا يشتهيه، وينقطع به عن العبادة، وقال أهل الظاهر بوجوبه لظاهر صيغة الأمر في الحديث، وفي قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (النساء: 3) وغيرها، ويدل على عدم الوجوب قوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) (النساء: 4) فخير بين النكاح، وملك اليمين، وملك اليمين لا يجب إجماعا، فكذلك النكاح لتعذر التخيير بين الواجب، وما ليس واجبا، وكذلك قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (المؤمنون: 5). فوائد: في الحديث المتقدم الباءة: المنزل، ويقال له: مباءة، ومبوأ. ولما كان المتزوج يتبوأ بامرأته بيتا سمي النكاح باءة، وفيه أربع لغات: المد مع التاء، ومع حذفها، وباهة بإبدال الهاء من الهمزة، والقصر مع الهاء. وقوله: من استطاع منكم يريد المال الموصل إلى الوطئ، وليس المراد الوطئ، وإلا لفسد قوله: ومن لم يستطع فعليه بالصوم. واعلم أن الصوم يقطع النكاح غالبا لإضعافه القوة، وتجفيفه الرطوبة التي تولد المني، وقد يزيد في النكاح في حق المرطوبين، فيقربون به من الاعتدال، فيقوى عندهم بالصوم لكنه قليل في الناس. فرع: النكاح مع قطع النظر على أحوال الناكحين مندوب إليه، وتركه لنوافل العبادة عندنا، وعن (ش) أفضل لمن لم تمل إليه نفسه، وعند (ح)، وابن حنبل هو أفضل؛ لأن العلماء اختلفوا في وجوبه، فأقل أحواله تقديمه، ولأنه يوجب إعفاف الزوجين، ووجود من يوحد الله تعالى، ويكاثر به عليه السلام، فهو متعد لهذه المصالح العظيمة، والمتعدي أفضل من القاصر، ولتقديمه له عليه السلام على الصوم في الحديث السابق الجواب عن الأول: أن ذلك الخلاف غير معتد به لضعف مدركه، وعن الثاني: أن أصل النكاح شهوة النفس، وشهوة النفس مقتطع عن الرب تعالى، وإنما هو وسيلة لما ذكروه، والنوافل قربات في أنفسها متعلقة بالرب تعالى بمعزل عن النفس، والمقاصد مقدمة على الوسائل، وعن الثالث: إن تقديم الصوم عليه إنما كان في حق الشباب الذين شأنهم فرط الميل، وخشية الفساد، والنزاع إنما هو في غيرهم. وتنحصر مقاصد الكتاب في ثلاث مقدمات، وثلاثة أبواب مشتملة على أقطاب العقد، ثم أسباب الخيار فيه، ثم توابعه، ويتمهد الجميع على هذا الترتيب إن شاء الله تعالى. المقدمة الأولى: في الجواهر: قال القاضي أبو بكر: ينظر إلى المخطوبة قبل، وقاله الأئمة لما في أبي داود قال عليه السلام: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قال: ولا ينظر إلا إلى وجهها، وكفيها، ويحتاج إلى إذنها عند ابن القاسم؛ لأن البغتة قد توقع في رؤية العورة، وقال (ش) وابن حنبل: يكفي إذن الشرع. تمهيد: أبيح هذا النظر المحرم لضرورة دوام الصحبة إذا دخل على معلوم كما أبيح لتحمل الشهادة في الوجه، والفرج في غير الزنا، وفي الزنا على ظاهر المذهب، ويباح ذلك من الأمة المباحة الوطئ أعني الفرج، ومن الزوجة إباحة من الجانبين، وقيل: يكره نظر الفرج؛ لأنه يضعف البصر. المقدمة الثانية: في الجواهر: الخطبة مستحبة، والتصريح بخطبة المعتدة حرام، والتعريض جائز، وهو القول المفهم لمقصود الشيء من غير تنصيص مأخوذ من عرض الشيء، وهو ناحيته؛ لأنه تحريم على النكاح من غير هجوم عليه لقوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) (البقرة: 135) فدل على إباحة الإكنان، والتعريض، وتحريم المواعدة، وبهذا قال الأئمة. غير أن (ش)، وابن حنبل منعا من التعريض للرجعية؛ لأنها زوجة، ولست أنقل فيه عندنا شيئا غير أن الأصحاب أطلقوا الإباحة من غير تخصيص، وفي الجواهر: قال القاضي أبو بكر: والذي مال إليه مالك في التعريض أن يقول: إني بك لمعجب، ولك محب، وفيك راغب قال: وهذا عندي أقوى التعريض، وأقرب إلى التصريح قال: والذي أرى أن يقول: إن شاء الله تعالى سائق إليك خيرا، فأنت نافعة، فإن زاد فهو تصريح. فرع: قال اللخمي: قال مالك: لا بأس بالهدية؛ لأنها تعريض. قاعدة: الأحكام كلها قسمان: مقاصد، وهي المتضمنة للحكم في أنفسها، ووسائل تابعة للمقاصد في أحكامها من الوجوب، والتحريم، وغيرهما، وهي المفضية إلى تلك المقاصد خالية عن الحكم في أنفسها من حيث هي وسائل، وهي أخفض رتبة من المقاصد، فالجمعة واجبة مقصدا، والسعي واجب وسيلة، والزنا محرم مقصدا، والخلوة محرمة وسيلة، وكذلك سائر الأحكام. والوسائل أقسام: منها ما يبعد جدا، فلا يعطى حكم المقصد كزراعة العنب المفضية إلى الخمر، وما قرب جدا، فيعطى حكم المقصد كعصر الخمر، وما هو متردد بين القريب والبعيد، فيختلف العلماء فيه كاقتناء الخمر للتخليل، والمحرم مقصدا هاهنا: اختلاط الأنساب باجتماع المائين في الرحم من الزوج السابق واللاحق، والعقد حرام تحريم الوسائل لإفضائه إلى الوطء، والتصريح كذلك لإفضائه للعقد، فهو وسيلة الوسيلة، ولما بعد التعريض عن المقصد لم يحرم، والإكنان أبعد منه. فرع: قال اللخمي: فإن تزوجها في العدة، فأربعة أقوال، قال مالك: تحرم، دخل في العدة، أو بعدها مناقضة له بنقيض مقصوده كالقاتل عمدا، ولا تحرم إن فرق بينهما قبل الدخول؛ لانتفاء المقصود من العقد، وقال أيضا: إن دخل بعد العدة فسخ، وما هو بالحرام البين لحصول براءة الرحم قبل الوطء الثاني، وقاله ابن حبيب، وقال أيضا: تحرم بالعقد تنزيلا للوسيلة منزلة المقصد، وقال ابن نافع: لا تحرم، وإن دخل في العدة قياسا على الزنا بها، وقاله (ش)، و(ح): فإن قبل، أو باشر في العدة حرمت عند ابن القاسم كما تحرم أمة الأب بالمباشرة على الابن، ولمالك قولان. قال صاحب البيان: والقبلة، والمباشرة بعد العدة لا تحرم اتفاقا، وفي الجلاب: الفسخ بغير طلاق؛ لأنه مجمع على فساده، ويجب المسمى بالدخول لقوله عليه السلام: (أيما امرأة نكحت نفسها، فنكاحها باطل، وإن مسها، فلها المهر بما استحل من فرجها) وهاهنا كذلك، ولا يتوارثان قبل الفسخ لفساد العقد، وفي الكتاب: إن دخل بها عوقب الزوج، والمرأة والشهود إن علموا. فرع: قال: فإن تزوجها، ثم ولدت من زنا لثلاثة أشهر حرمت أبدا كالنكاح في العدة، وكرهت عند أصبغ. وفي الجواهر: دخول وطء على وطء على ثمانية أوجه: وطء نكاح في عدة نكاح، ووطء نكاح في عدة شبهة نكاح، ووطء نكاح في استبراء غصب، ووطء نكاح في استبراء زنا، ووطء نكاح في استبراء ملك، ووطء نكاح في استبراء ملك بعد العتق، ووطء ملك في استبراء ملك، ووطء بغير شبهة في عدة، أو استبراء بغصب، أو زنا، فيحرم في الأول والثاني على الواطئ أبدا اتفاقا من أصحاب مالك، وفي الثالث والرابع عند مالك خلافا لعبد الملك، وفي الخامس قولان، نظرا إلى الملك السابق، فلا يحرم، أو قصد تعجيل شيء بالنكاح فيحرم، ولا يحرم في السادس عند ابن القاسم، وأشهب، وهو عندهم أخف من استبراء أم الولد لوقوع الوطء في ملك أم الولد، ولا يحرم في السابع اتفاقا؛ لأن الملك مقصوده الاستخدام دون الوطء، فضعفت آثار الوطء فيه، ولذلك لا يجب القسم للسراري، ويكون مضيقا على نفسه إذا قال: كل امرأة أتزوجها طالق، وإن أبقي السراري، وشبهة الملك كالملك كما أن شبهة النكاح كالنكاح، ولا يحرم في الثامن لأنه لم يرد تعجيل شيء بل أقدم على الحرام مع قطع النظر على شيء يتعجل، أو يتأجل، والأصل في هذا التحريم قول عمر، وعلي رضي الله عنهما من غير مخالف، فكان إجماعا، والقياس على قاتل الموروث عمدا، وعلى الملاعن بجامع إدخال الشبهة في النسب. قال اللخمي: إذا تزوجت في استبراء من زنا، ودخل بها، فالذي رجع إليه ابن القاسم أنها إن كانت حاملا حرمت، وإلا فلا، وقال أشهب: إذا اغتصبت امرأة حاملا، له وطؤها؛ لأن الحمل لا يطرأ على الحمل إلا في غاية الندرة، وكرهه أصبغ. فرع: إن واعد في العدة، أو عقد بعدها قال في الكتاب: يفسخ بطلقة أحب إلي دخل أم لا للنهي، ثم يخطب بعد ذلك؛ لانتفاء العقد، ومقصوده من العدة، وقال أشهب: يفسخ، وتحرم أبدا، وطئ أم لا؛ لأن ما وقع بعد العدة سببه المواعدة في العدة، وهي حرام، والمبني على الحرام حرام. فرع: قال اللخمي: الرجعية تتزوج في العدة، فيرتجعها زوجها في العدة، وقبل التفريق بينهما. قال مالك: تصح الرجعة، ولا يطؤها حتى يستبرئها من الماء الفاسد بثلاث حيض إن دخل بها الثاني. وإن أصابها في عدتها من الثاني لم تحرم؛ لأنه أصاب امرأته، وكذلك المنعي لها زوجها، فيقدم، فيفرق بينها وبين الثاني فيصيبها الأول قبل انقضاء عدة الثاني. وكذلك التي تزني، فيصيبها زوجها قبل الاستبراء بخلاف البائن تتزوج في العدة لا يجوز للأول العقد عليها، وهي في عدة منهما، فإن فعل فسخ قبل الدخول، وبعده؛ لأن البائن أجنبية، والرجعية زوجة، وتحرم عليه إن دخل بها في العدة منه، أو من الثاني. فرع: قال صاحب المنتقى: إذا طلقها البتة، ثم تزوجها في عدتها قال ابن نافع: تحرم أبدا قياسا على الأجنبي، وكذلك قال مالك: إذا خالعها على أنها إن طلبت ما أعطت، فهي امرأته، فطلبته فرده وراجعها وأصابها في عدتها حرمت عليه أبدا، وروي عن ابن القاسم، وغيره حلها؛ لأن الماءين لواحد، ومباشرة الأجنبي المتزوج في العدة دون الوطء فيها قولان لابن القاسم، ولو تصادقا بعد الخلوة على عدم الوطء حرمت أبدا، ولا تصدق عند ابن القاسم، وأشهب، ولو صدقت في هذا لأسقطت العدة. فرع: قال صاحب البيان: لو تزوجها في عدتها مجوسيان، أو نصرانيان، ثم أسلما بعد انقضائها لا يفرق بينهما، وطئ فيها أم لا، وإن أسلما في العدة فسخ إن كان العقد قبل حيضة، وقيل: قبل ثلاث، وإن وطئ بعد الإسلام في العدة حرمت أبدا عند مالك، وجميع أصحابه. فرع: قال صاحب المنتقى: تستحب الخطبة بالضم عند الخطبة بالكسر، وصفتها: أن يحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويصلي على نبيه عليه السلام، ثم يقول ما رواه الترمذي: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (آل عمران: 102) (واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء: 1) (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) (الأحزاب: 70) الآية، ثم يقول: أما بعد، فإن فلانا رغب فيكم، وانضوى إليكم، وفرض لكم من الصداق كذا، وكذا، فأنكحوه هذه السنة، وفي الجواهر: تستحب أيضا عند العقد. فرع: وفي الجواهر: يجوز الغيبة في ذكر مساوئ الخطاب للحذر لقوله عليه السلام لزينب بنت قيس: (أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه). فرع: قال الأبهري في شرح المختصر: إذا تزوجها في عدتها جاهلا، ثم علم بذلك، وأصاب في العدة حرمت عليه أبدا، فإن لم يصب، فله تزوجها بعد العدة بعقد جديد. المقدمة الثالثة: في الجواهر: تحرم الخطبة على خطبة الغير بعد الكفارة، والتراكن، وبه قال الأئمة لقوله عليه السلام في الموطأ: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه). قال ابن القاسم: ولا يقف التحريم على تقدير الصداق لتحقق الخطبة بدونه بدليل التفويض، ووافقه ابن نافع؛ لأن السكوت عنه نادر قال الأصحاب: وهذا في المتماثلين. قال ابن القاسم: وهو مورد الحديث أما فاسق وصالح فلا؛ لتحصيل المصلحة للمولى عليها. فرع: قال: فلو اقتحم النهي أدب، ولا يفسخ عقده عند ابن القاسم، وش، و(ح)؛ لأن النهي حق للغير لا لمفسدة في العقد، ويفسخ عند ابن نافع قبل الدخول نظرا للنهي، وروي عنه: يفسخ مطلقا. قال عبد الوهاب: وظاهر المذهب: الفسخ قال القاضي أبو بكر: الصحيح عدمه. فرع مرتب قال: قال ابن يونس: إذا لم يفسخ للعاقد النوبة، وعرضها على الخاطب الأول فإن حلله مضى، وإن أبى فارقها، فإن نكحها الأول وإلا استأنف عقده عليها. قال ابن القاسم: إن لم يحلله استغفر الله، ولا شيء عليه. وهي خمسة: القطب الأول: العاقد، وهو الزوج أو الولي، ولا يجوز عقد المرأة على نفسها، ولا على غيرها بكرا كانت أو ثيبا رشيدة أو سفيهة، أذن الولي أم لا، وقاله (ش)، وابن حنبل، وجوزه (ح) في الرشيدة لقوله تعالى: (أن ينكحن أزواجهن) (البقرة 232) (حتى تنكح زوجا غيره)(البقرة 230) فأضاف العقد إليها، ولأنها متصرفة في مالها ففي نفسها بطريق الأولى؛ لأن الحجر على البالغ العاقل على خلاف الأصل، والأصل ملك الإنسان لمصالح نفسه، والجواب عن الأول أن النكاح حقيقة في الوطء، وهو متعذر من المرأة، وإذا تعذرت الحقيقة فحمله على التمكين منه أولى؛ لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة، ويوضحه قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) (النور 32) فخاطب الأولياء دون النساء، وقوله عليه السلام عند الدارقطني (لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)، وقال هذا حديث صحيح، وعن الثاني: الفرق بأن تصرفها في نفسها مع غلبة شهوتها يخشى منه العار عليها، وعلى أوليائها، يأخذها غير كفء، وهي مفسدة تدوم على الأيام بخلاف المال فيكون الحجر عليها أولى من الحجر على السفيه في ماله. تفريع: في الجواهر لا خلاف عندنا أنها لا تكون وليا على المرأة، وروي عن ابن القاسم ولايتها على عبيدها، ومن وصيت عليه من أصاغر الذكور دون الإناث، والفرق من ثلاثة أوجه أن للصبي أهلية العقد بعد البلوغ، والعبد بعد العتق، ولأنهما قادران على رفع العقد بالطلاق، ولأن الولاية عليهما ليس لطلب الكفات المحتاجة لدقيق النظر بخلاف الأنثى في ذلك كله. قال سحنون: للمرأة مباشرة العقد على من يعقد على نفسه بوكالته لها، والفرق أن الوكالة لا تقع إلا بعد النظر في تحصيل المصلحة من العقد فلا خوف، وتجب للدخول بها في النكاح بغير ولي المسمى، ويسقط الحد لشبهة الخلاف، ويفسخ ولو طال بعد الدخول بالأولاد فطلاق عند ابن القاسم، وبغيره عند ابن نافع نظرا إلى الخلاف أو تمكن الفساد لقوله عليه السلام: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل ثلاث مرات، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له). وأما من له أهلية العقد ففيه فصلان: ويشترط فيه شروط للصحة، وشروط للاستقرار، أما شروط الصحة فأربعة: الأول: الإسلام؛ لأن الكفر مانع من الاستيلاء عن فروج المسلمات، والتمييز، والعقل حتى يتأتى منه الإنشاء للعقد، فيخرج الصبي غير المميز، والمجنون، وأما السكران فقال صاحب البيان: أما الذي لا يعرف الرجل من المرأة، ولا السماء من الأرض فكالمجنون في جميع أقواله، وأفعاله اتفاقا بينه وبين الله وبين الناس إلا في قضاء الصلوات فقيل يجب عليه؛ لأن المعصية لا تكون سبب الرخصة والتوسع، وأما من فيه بقية من عقله، وهو مختلط فأربعة أقوال: قال ابن عبد الحكم: كالمجنون لقول عثمان - رضي الله عنه -: ليس للمجنون، ولا السكران طلاق، وقال ابن نافع في الكتاب، و(ش)، و(ح): هو كالصاحي في جملة أحواله لقوله تعالى: خطابا للسكارى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (النساء: 43)، وقال الليث: تلزمه الأفعال دون الأقوال. فيقتص منه، ويحد في الزنا دون القذف، والطلاق، والعتاق لاحتياج الفعل إلى مقدمات أكثر من القول، قال: ومذهب مالك، وعامة أصحابه تلزمه الجنايات كالعتق، والطلاق، والحدود دون الإقرارات، والعقود، وهو أظهر الأقوال؛ لأن ما لا يتعلق به حق الله تعالى من الإقرارات، والعقوبات إذا لم تلزم الصبي فهو أولى، وتلزمه حقوق الله تعالى من الصوم، والصلاة، ونحوهما، ويلزمه النكاح فإن شهدت البينة بالاختلاط دون السكر حلف على المشهور، ولا يلزمه النكاح، وقيل: يلزمه، وإذا لم يرجع في وصية حتى مات نفذت. الرابع: تحقق الذكورية فالخنثى قال اللخمي: لا ينكح، ولا ينكح، ويحمل في صلاته، وشهادته، وجملة أحكامه على الأحوط، ويتأخر عن صفوف الرجال، ويتقدم عن صفوف النساء، قال أبو الطاهر: وله وطء جاريته بملك اليمين. وأما شروط الاستقرار فخمسة: الشرط الأول: الحرية، فلا يستقر نكاح العبد بغير إذن سيده، ووافقنا (ح)، وقال (ش)، وابن حنبل: لا يجوز بإجازة سيده لقوله عليه السلام في أبي داود: (أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر)، واتفق الأئمة على منعه ابتداء، وإنما اختلفوا هل الرق مانع من الصحة والاستقرار؟ ووجه تعلق حق السيد: أن زواج العبد ينقص الرغبات فيه لتعذر نقلته من بلده لتعلقه بامرأته وذريته وصرف كسبه لهم سرا وعلانية وليس له أن ينقص مال سيده بتنقيص ماليته، قال: وفي الكتاب: وفسخه بطلقة بائنة أو تطليقتين جميع طلاق العبد، وعلى الأول أكثر الروايات، وإن أجازه جاز فإن امتنع من الإجازة ثم أجاز، فإن أراد بالأول الفسخ انفسخ، وإلا صحت الإجازة من قرب، وإن أعتقه بعد علمه نفذ، وإن باعه قبل علمه لم يكن للثاني فسخه؛ لأنه إنما انتقل إليه ملك معيب، وله الرد بالعيب إن لم يعلم فيفسخه البائع إن أراد، وإن مات قبل علمه فلورثته ما كان لمورثهم قال اللخمي: مقتضى مذهب الأبهري فسخه بغير طلاق، قال: وأرى للبائع فسخه قبل رده عليه بالعيب، وللمشتري رده بعد الفسخ؛ لأنه عيب لا يرتفع بالفسخ بسبب عادة العبد لذلك، وإذا رضي المشتري بذلك ثم رده بعيب قديم رد ما نقص النكاح؛ لأن رضاه به كالحدوث عنده. فرع: قال اللخمي: للعبد زواج أربع، وروي عنه لا يتعدى اثنتين، وبه قال الأئمة لقول عمر رضي الله عنه: ينكح العبد اثنتين، ويطلق تطليقتين، ولأنه معنى يقبل التفاضل فيتشطر قياسا على الحدود، والعدد، والطلاق، والجواب عن الأول: أنه روي عن ابن عباس خلافه، وعن الثاني أن العلة ثمة إنما هي كونها عذابا فاندرج في قوله تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (النساء: 24)، وهاهنا نعيم فلا يلحق به بل يمنعه قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (النساء: 3)، وهو مندرج في الضمير المذكور. تنبيه آية التشطير إنما تناولت الإناث لقوله تعالى: (فعليهن)، وإنما ألحق الذكور بالإجماع. تمهيد. للعبد مع الحرائر أربع حالات: التشطير كالحدود، والمساواة كالعبادات، ومختلف فيه كعدد الزوجات وأجل الإيلاء والعنة وحد القذف فعلى النصف عند مالك في جميع ذلك، وقيل: بالمساواة، وساقط عنه، واجب على الحر كالزكاة والحج. فرع: قال اللخمي: واستحسن مالك أن تكون الرجعة للعبد إذا رد السيد نكاحه ثم عتق في العدة. الشرط الثاني: البلوغ. ففي الكتاب إذا تزوج صبي يقوى على الجماع بغير إذن أبيه أو وصيه: إن أجازه وليه جاز، كبيعه وشرائه، وإن فسخه قبل البناء أو بعده فلا صداق؛ لأن إصابته كلا شيء. فرع: وفي الجواهر منع سحنون إجازة عقد الصبي مطلقا، وجعل البلوغ شرطا في الصحة؛ لأن الصبي مسلوب الأهلية، والعقد بغير عاقد معتبر لا يصح، وفرق بينه وبين البيع للضرورة العامة. قواعد. الصبي ينعقد نكاحه دون طلاقه؛ لأن عقد النكاح سبب إباحة الوطء، وهو أهل للخطاب بالإباحة، والندب، والكراهة دون الوجوب والتحريم؛ لأنها التكليف، والطلاق سبب التحريم بإسقاط عصمة الزوج، وهو ليس أهلا للتحريم فلم ينعقد سببه في حقه، واشترك السببان في أنهما خطاب وضع، وانضاف إلى أحدهما كونه خطاب تكليف فلا جرم انتفى عنه. الشرط الثالث: الرشد، قال اللخمي: إذا تزوج السفيه بغير إذن وليه أمضاه إن كان سدادا، وإلا رده، فإن رده بعد البناء ففيما تستحقه الزوجة أربعة أقوال: ربع دينار لمالك؛ لأنه الواجب لله تعالى، لا يترك لها شيئا لعبد الملك نظرا لإبطال العقد الموجب بالفسخ، ويجتهد في الزيادة على ربع دينار لذات القدر لابن القاسم نفيا للضرورة، ويزاد ما لا يبلغ صداق المثل لأصبغ؛ لأنها إصابة خالطها إذن فإن علمت به فربع دينار فقط، فإن لم يعلم الولي حتى مات السفيه والزوجة، قال ابن القاسم: للولي النظر بعد موتها إن رد سقط الميراث، وإلا أخذه، ولا ميراث لها بموت الزوج، ولا نظر للوصي بعد موته، وقال أصبغ: إن ماتت وتزويجه غبطة فلها الصداق والميراث؛ لأنه تصرف أهل الرشد، وإلا فلا صداق ولا ميراث، وإن مات الزوج فلها الميراث لتحقق سببه، وهي الزوجية، وينظر في الصداق، قال صاحب البيان: في السفيه إذا اتصل به الموت ثمانية أقوال: لابن القاسم يتوارثان، ويمضى الصداق بناء على أنه محمول على الإمضاء حتى يرد، وأن النظر يرتفع بموت أحدهما، ولا يبطل النظر بموت أحدهما، ولا يتوارثان، ويبطل الصداق إلا أن يدخل بها، فلها ربع دينار بناء على حمله على الرد حتى يمضي، (وإن النظر يرتفع بموت أحدهما، قاله ابن القاسم أيضا)، ويتوارثان مراعاة للخلاف، (وإن كان العقد غبطة فلها الصداق دخل أم لا، وإلا بطل الصداق إلا أن يدخل فربع دينار، قاله أصبغ، ويتوارثان مراعاة للخلاف)، ويبطل الصداق إن كان الميت الزوج، وينظر فيه إن كان الميت المرأة فإن كان غبطة فلها الصداق دخل بها أم لم يدخل، وإلا بطل الصداق إلا أن يدخل فربع دينار بناء على بطلانه بموت الزوج دون المرأة، ويتوارثان مراعاة للخلاف، ويثبت الصداق إن كان الميت الزوج دون المرأة، ويتوارثان، وينظر فيه إن كان المرأة على ما تقدم بناء على الرد، وارتفاعه بموت المرأة، والثامن: إن كان غبطة ثبت الميراث، والصداق، وإلا انتفيا إلا أن يدخل فربع دينار. قاعدة. السفيه لا تنفذ تصرفاته صونا لماله على مصالحه، (وتنفذ وصاياه صونا لماله على مصالحه فلو ردت الوصية لم ينتفع بالمال بعد الموت فالسفه معنى واحد اقتضى الرد والتنفيذ، ويسمى جمع الفرق. الشرط الرابع: الصحة، وأصله: نهيه - عليه السلام - عن إدخال وارث، وإخراج وارث. وهو جائز في الصحة اتفاقا فتعين المرض، والمتزوج يدخل فوجب المنع لحق الورثة. قال اللخمي: نكاح المريض ثلاثة: جائز، وممنوع، ومختلف فيه؛ لأن المرض أربعة: غير مخوف فيجوز النكاح، وكذلك المخوف المتطاول كالسل، والجذام إذا تزوج في أوله، ومخوف أشرف على الموت فيمتنع، ومخوف غير متطاول، ولم يشرف، فثلاثة أقوال: فاسد، ولا ميراث، وهو المشهور، وقاله مالك أيضا، يجوز إن كان محتاجا إليه للإصابة والقيام به، وإلا فلا، وإجازته مطلقا. وفي الجواهر روي عن مالك صحة نكاح المرضى كيف كان المرض، وحيث قلنا بالمنع، قال اللخمي: إن عثر عليه في المرض، قال محمد: يفسخ، (وإن دخل، وقال ابن كنانة: يفسخ) فقط. وقال ابن القصار: الفرقة استحبابا لصحته بعد زوال المرض، وفي الكتاب: لا يجوز نكاح مريض ولا مريضة، ويفسخ ولو بعد البناء، وإن ماتت المريضة فلها الصداق، ولا يتوارثان، وإن دخل المريض فصداقه في ثلثه؛ لأنه تصرف في المرض، ويقدم على الوصايا، والعتق؛ لأنه كالمعاوضة، ولا ترثه لتعلق حق الورثة بالتركة قبلها، وإن صح ثبت النكاح لزوال المانع دخل أم لا، ولها المسمى، وقد كان يقول: يفسخ، ثم أمرني بمحوه، وإن فسخ قبل البناء فلا صداق؛ لأن فرضه غير معتبر شرعا، والله تعالى لم يوجب إلا نصف الصداق المفروض قبل البناء، ولا ميراث لما تقدم. نظائر، قال ابن بشير: إن الممحوات في الكتاب أربعة: لا يثبت نكاح المريض والمريضة بعد الصحة، وولد الأضحية، قال: حسن أن يذبح معها، قال أبي: لم أره واجبا، ثم قال: امحها. واترك ذبحه. قال ابن القاسم: وأرى عدم الوجوب، والحالف لا يكسو امرأته، ثم افتك لها ثيابها من الرهن، قال: لا يحنث، ومن سرق ولا يمين له أو يمين شلاء، قال: يقطع رجله اليسرى، ثم أمر بمحوها، وقال بل يده اليسرى، وبالأول قال ابن القاسم، قال ابن يونس: قال في الكتاب أيضا: إذا بنى بها فلها المسمى، وإن زاد على صداق المثل، ولا يقدم عليه في الثلث إلا المدبر في الصحة، وقال أيضا: يقدم على المدبر في الصحة وليس بشيء لاشتراكهما في أن مخرجهما الثلث، وهذا مع المانع بخلاف ذلك، وقال سحنون: إن زاد صداقها على المثل رد إليه عند ابن القاسم، ويقدم على الوصايا والمدبر في الصحة، ويسقط الزائد عنده، وقيل: يحاص به في الوصايا، ومنشأ الخلاف هل تورث فلا يكون لها الزائد لأنها وصية لوارث أو لا، فيكون لها لأنها وصية لغير وارث. واختلف في نكاح الأمة، والكافرة فجوزه أبو مصعب لعدم الميراث، ومنعه عبد الملك لاحتمال العتق والإسلام قبل الموت. فرع: قال: فلو نكح تفويضا ثم سمى ثم مات فلا شيء لها إلا أن يدخل فيكون في ثلثه، ولو كان أضعاف صداق المثل مقدما على الوصايا، وقال أصبغ: يقدم صداق المثل ويبطل الزائد؛ لأنه الواجب بالوطء، وقال المغيرة: صداق المريض مطلقا في رأس المال قياسا على جنايته، وقال الشيخ أبو الحسن: ربع دينار في رأس المال؛ لأنه حق الله تعالى فيحاص به أرباب الديون، ونظيره: ترك السيد لزوجة العبد المدخول بها ربع دينار. فرع: قال اللخمي: إذا تزوج بإذن ورثته لا يجوز لإمكان فوات الإذن وانتقال الميراث لغيره، قال محمد: وهذا نادر، وأرى جوازه. سؤال. ينبغي أن يمنع المريض من الوطء خشية إدخال وارث لظاهر النهي كالتزويج، ولم يمنع، جوابه: المرأة وارث محقق، وقد يكون من الوطء حمل، وقد لا يكون. فرع: قال صاحب البيان: إذا غصب المريض امرأة فصداقها من رأس المال قولا واحدا؛ لأنها لم تدخل على الحجر بخلاف المختارة. فرع: قال اللخمي: ويلحق بالمريض، والمريضة الزاحف في الصف، وراكب البحر، والمقرب للقتل، والمحبوس له، قال أبو الطاهر: والمحبوس في هؤلاء قولان، والحامل تمتنع أيضا إلا أن يكون الحمل من العاقد. فرع: قال اللخمي: الإقرار بالنكاح في المرض في الصحة (أوفي المرض لا يجوز، ولا مهر ولا ميراث، وإن أقرت بمرضها بزوج في الصحة) فصدقها الولي لم يقبل قولها؛ لأنه إقرار على غير الولي، وإن أقرت في الصحة ثم مرضت وماتت، وقال الولي: زوجتها منه في صحتها، وادعى ذلك الزوج بعد الموت فله الميراث وعليه الصداق. الشرط الخامس: الكفاءة، والكفء لغة: المثل، وأصل اعتبارها: أن المطلوب من النكاح السكون، والود، والمحبة؛ لقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم: 21)، ونفس الشريفة ذات المنصب لا تسكن للخسيس بل ذلك سبب العداوة، والفتن، والبغضاء، والعار على مر الأعصار في الأخلاف والأسلاف، فإن مقاربة الدنيء تضع، ومقاربة العلي ترفع، والقاعدة أن كل عقد لا يحصل الحكمة التي شرع لأجلها لا يشرع، والكفاءة متفق عليها بين العلماء، وإنما الخلاف بأي شيء تحصل فعند (ش): تحصل بخمسة أوصاف: الصلاح في الدين، والحرية، والنسب إليه - عليه السلام - أو للعلماء؛ لأنهم ورثته أو للصحابة؛ لأنهم أتباعه دون الملوك وشيعهم، فإنهم لا قدر لهم عند الله تعالى لظلمهم، والسلام من العيوب الموجبة للفسخ كالجذام ونحوه، وعدم خوف الدنية، ولا عبرة بالجمال ولا اليسار؛ لحصول المصالح الشرعية في النكاح بدون التساوي فيهما. وعند (ح): خمسة أوصاف: الدين، والحرية، والحرفة، والغنا، لما يقال: مال الرجل جيبه، وفي الحديث: (تنكح المرأة لأربع) فذكر المال، والخامس: النسب، وشدد فيه فقال لا تكافئ قريشا غيرها من العرب، ولا تكافئ العرب غيرها، واعتبر الكفاءة في بيوت العرب، وقال: إذا زوجت نفسها من غير كفء فللأولياء التفريق لدفع العار عنهم، وإذا زوج الأب الصغير أو الصغيرة من غير كفء نفذ، ووافقه ابن حنبل في الدين، والنسب على ما فصله، والغنا، والحرفة، ولم يعتبر الحرية لقوله - عليه السلام - لبريرة حين عتقت تحت عبد: (لو راجعتيه). وأما نحن فنعتبر فيه خمسة أوصاف: الوصف الأول: الدين ففي الجواهر: متفق عليه، فإن زوجها لفاسق بجوارحه فلا خلاف منصوص أن العقد لا يصح، كان الولي أبا أو غيره، وللزوجة ومن قام لها فسخه، قال: وكان بعض الأشياخ يهرب من الفتيا في هذه المسألة لما يؤدي إليه من نقض أكثر الأنكحة، وأما الفاسق باعتقاده، فقال مالك: لا يزوج القدرية، ولا يزوج إليهم. الوصف الثاني: الحرية، قال: وظاهر قول ابن القاسم في الكتاب: كفاءة الرقيق يشير لقوله في (الكتاب): ذات القدر إذا رضيت بعبد أو مولى: المسلمين بعضهم لبعض أكفاء، وللعبد والمكاتب أن يتزوج ابنة سيده، واستثقله مالك، قال سحنون: الصحيح عدم كفايته، وقال المغيرة: يفسخ؛ لأن للناس مناكح عرفت بهم وعرفوا بها، ونفيا للمعرة والضرر، وفي الكتاب: قال غيره: وليس للعبد ومثله إذا دعت إليه، وهي ذات قدر يكون الولي عاضلا برده، واستثقل مالك زواج العبد والمكاتب ابنة سيده، قال صاحب النكت: إنما استثقله؛ لأنهما قد يرثهما فينفسخ النكاح، والفرق بينه وبين تزوج أمة الولد مع توقع الإرث أن الوطء يبقى له بملك اليمين، قال صاحب البيان: قال ابن القاسم: إذا تزوج مكاتب حرة فعرفت به بعد سنين وعرفها بنفسه حلفت، وخيرت في البقاء؛ لأن الأصل عدم العلم، وهو ليس بكفء، ويكون لها المسمى بالمسيس، ولو كانت مكاتبة أو أمة فليس (لها مقال؛ لأنه كفء إلا أن تدعي أنه غرها، وأخبرها بالحرية فتزوجته على ذلك فيحلف هو؛ لأن الأصل عدم) الاشتراط. فإن نكل حلفت وخيرت، وهذا البحث منه، والتنقل يدل على اعتبار الحرية في الكفاءة. الوصف الثالث: النسب ففي الكتاب المولى كفء للعربية؛ لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات: 13)، فإن رضيت بدونها في الحسب، وامتنع الأب أو غيره زوجها السلطان، وفي الجواهر: وقيل ليس بكفء، قال عبد الملك: معنى نكاح المولى العربية: إذا كان رغبة في دينه؛ لقوله عليه السلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وهديه فزوجوه، وإن كان عبدا أسود أجدع أجذم)، وإذا لم يكن كذلك فالنكاح مردود قبل البناء وبعده، ويعاقب الناكح والمنكح والشهود. فائدة: الفرق بين النسب والحسب: أن النسب يرجع إلى الآباء والأمهات، والحسب إلى المراتب والصفات الكريمة، مأخوذ من الحساب؛ لأن العرب كانت إذا تفاخرت حسبت مآثرها فتقول أضفنا بني فلان، وأجرنا بني فلان، وحملنا، وفعلنا فسمي ذلك حسبا. الوصف الرابع: كمال الخلقة، وفي الجواهر: يؤمر الولي باختيار كامل الخلق؛ لقول عمر رضي الله عنه: لا يزوج الرجل وليته للقبيح الذميم، ولا الشيخ الكبير، فإن كان النقص يضر كالجنون والجذام، أو يؤدي إلى نقص الوطء كالعيوب المثبتة للخيار أبطل الله الكفاءة، وكان لها رد النكاح، وإلا فلا. الوصف الخامس: المال، وفي الجواهر: العجز عن حقوقها يوجب مقالها، وكذلك القدرة على الحقوق لكنه يؤديها في مالها، وأما غير ذلك فظاهر الكتاب: ليس لها مقال لقوله عليه السلام: (مال الرجل حسبه)، وقيل: لا، لعدم المعرة، وروي عن ابن القاسم: إذا خالف الولي المرأة في خاطب أمره السلطان بتزويجها منه إن كافأها في القدر والحال والمال، إن رأى منعه عضلا، فإن أبى زوجها منه السلطان، قال عبد الملك: على هذا القول أجمع أصحاب مالك. تنبيه، قال: الكفاءة حقها، وحق الأولياء، فإذا اتفقت معهم على تركها جاز، وقاله الأئمة لتزويجه - عليه السلام - ابنته لعلي - رضي الله عنه - والفرق بين أبيها وأبيه معلوم، ولا مكافئ له في الثقلين، وتزوج سلمان، وبلال وصهيب، وغيرهم من الموالي والعجم العربيات العليات، ولم ينكر ذلك عليهم فكان إجماعا، ولم يخالف في ذلك إلا الإمامية. فرع: قال في الكتاب إذا رضي الولي بعبد ومن ليس بكفء فزوجه، ثم طلق فامتنع الولي منه بعد ذلك لم يسمع منه، ويؤاخذ باعترافه أولا أن زواجه مصلحة، إلا أن يظهر على خلاف ما علمه منه أولا. تفريع: قال اللخمي: العربي كفء للشريفة فإنه لا يشينها أما البربري والمولى فكفء إن كانت فقيرة؛ لأن النسب ساقط مع الفقر عادة، وأما الغنية: فإن كانت عادة بلدها عدم المعرة بذلك، وإنما هو من باب الأولى، زوجت، وإلا فالقول قول الممتنع من الأب أو ابنته، وأما العبد: فمعرة للغنية والفقيرة، فإن اجتمع عليه الأب والابنة ولا عصبة لها زوجت إن كانت رشيدة بكرا أو ثيبا، فإن كانت سفيهة ولها عصبة قريبة فلهم منعها دفعا للمعرة، وينظر في هذا الباب إلى عادة أهل كل بلد فيحملون عليها. وهي عندنا وعند الأئمة شرط إلا (ح) في الرشيدة محتجا بقوله تعالى: (أن ينكحن أزواجهن) (البقرة: 232)، وقوله: (حتى تنكح زوجا غيره) (البقرة: 230) فأضافه سبحانه إليها دون الولي، وقوله عليه السلام: (الأيم أحق بنفسها) قياسا لبضعها على مالها، والجواب عن الأول والثاني، قد تقدم في عقد المرأة على نفسها، وعن الثالث: أنه قد روي: الثيب، فتكون هي المرادة جمعا بين الروايتين، وهي عندنا لا تجبر، بل لفظة (أحق) بصيغة تفضيل تقتضي المشاركة في أصل الحق، فمنها الإذن في نفسها، ومنها العقد، وفعله موقوف على فعلها، وهي أتم، وعن الرابع: الفرق بلزوم المعرة على الأبد للولي، ولها بوضعها نفسها في غير كفء بسبب غلبة شهوتها على عقلها، بخلاف المال، وإذا قلنا باشتراطها فهل يكفي أي ولي كان أو لا بد من تقديم الولاية الخاصة على مراتبها على الولاية العامة، قال صاحب المفهم: قولان لمالك، ثم هي على المذهب قسمان: خاصة للقرابة الولاء والملك، وعامة للإسلام، وفيها ثمانية أبحاث. وهي تسعة: السبب الأول الأبوة، وهي أعظمها؛ لأن مزيد شفقة الأب على القرابات يوجب من سداد النظر ما لا يهتدي إليه غيره غالبا، لا جرم اختص الإجبار به بأحد علتين: الصغر أو البكارة، فيجبر الصغيرة وإن كانت ثيباً، والبكر وإن كانت بالغا، وبالإجبار، قال (ش)، وابن حنبل خلافا لـ ح. وجوز للولي تزويج الصغير والصغيرة كان أبا أو غيره، ولا خيار لهما بعد البلوغ إن كان العاقد أبا أو جدا لمزيد شفقتهما، ولهما الخيار بعد البلوغ مع غيرهما، ولا تجبر الثيب البالغ عندنا لعدم العلتين، وفي البكر المعنسة روايتان نظرا للبكارة، وعدم مباشرة الوطء أو يقال طول عمرها يفيدها بالسماع، ما يحصل من الاستمتاع، وفي الجواهر: قال (ابن القاسم): سنها أربعون، وروى ابن وهب: ثلاثون، وفي المنتقى: خمسة وأربعون، ونقل غيره: خمسون، وحيث قلنا بالإجبار فيستحب الاستئذان جمعا بين المصالح، وفي المنتقى لا يلحق الجد بالأب عندنا خلافا لـ (ش)؛ لأن الأب يحجبه في الميراث فلا يجبر، قياسا على الأخ. تفريع: في الكتاب: يجوز تزويجه الصغيرة بأقل من مهر المثل على وجه النظر، وإذا طلقت البكر قبل البناء أو مات عنها فولايته على حالها، فإن بنى بها انتفى الإجبار، وتسكن حيث شاءت إلا أن يخشى سوء حالها فيمنعها الأب وغيره من الأولياء، والزنا لا يسقط الإجبار خلافا لـ (ش)؛ لأنه يوجب مزيد الحياء المانع من التصريح بمصالح النكاح، وبخلاف التزويج الحرام للحوق الولد وسقوط الحد، فآثار التزويج موجودة، وفي المقدمات: إذا زنت أو غصبت قيل: كالبكر مطلقا، وقيل: كالثيب مطلقا، وقيل: كالبكر في الاكتفاء بالصمت، وكالثيب في اشتراط الرضا، قال ابن يونس: قال عبد الوهاب: ألزمت في المناظرة إذا تكرر منها الزنا حتى تجاهر به فالتزمت التسوية، وفي الكتاب: إن دخل بها ثم فارقها قبل المسيس سقط الإجبار لمعرفتها بمصالح النكاح بسبب الخلطة إن كان ذلك سنة ونحوها، والقرب ملغى، وإن تنازعا في الوطء نظر إلى قريب المدة وبعيدها، قال ابن يونس: قال ابن حبيب: للأب تزويجها بربع دينار وصداق مثلها ألف دينار من فقير، وضرير، وعلى ضرة، وغير الكفء إلا مجنونا مخوفا، أو أبرص قبيحا، أو مجذوما مقطعا، ففي هذه الثلاثة لها المقال، وتسقط ولايته عنها، قال مالك: ولو رجعت ثيبا بالنكاح قبل البلوغ ثبت الجبر لعلة الصغر عند ابن القاسم خلافا لـ (ش)، وقال سحنون: يجبرها وإن حاضت؛ لأن البلوغ لا يسقط الإجبار بدليل البكر. وروي في الطويل المزيل للإجبار: لا يحد بسنة بل بالعادة، وفي الجواهر: لا أثر للتسوية بزوال البكارة بالسقطة، ونحوها. فرع: قال: إذا التمست الثيب البالغ التزويج وجبت الإجابة، وإن ثبت الإجبار، ولا يكون الأب عاضلا برد خاطبين في ابنته البكر، وغيره عاضلا برد كفء، والكفء الذي تعينه المالكة لأمرها أولى مما عينه الولي. تفريع: في التلقين: للأب إنكاح صغير الذكور، وكذلك الوصي والحاكم، وقال اللخمي: وأما الذكران فللأب إجبار الصغير، وقاله (ح) خلافا لـ (ش) عملا بما يظن من شفقة الأبوة من تحصيل المصالح، وأختار في الكتاب: تزويج الكبير استقلالا، ومنعه في كتاب محمد؛ لأن الغالب عليه الرشد إذا بلغ فتصرفه لنفسه أولى، وقال أيضا: له ذلك إذا زوجه من ذات شرف أو ابنة عم، وأجاز ابن القاسم إجبار البالغ السفيه، قال: ومنعه عبد الملك، واستحب مالك عدم تزويج المغلوب على عقله لعدم انتفاعه به. وللسفيه أربع حالات: إن خشي الفساد وأمن الطلاق وجب الإنكاح، وإن أمن الفساد والطلاق أبيح إلا أن يدعو إليه فيجب، وإن خشي الطلاق، وأمن الفساد حرم لما فيه من تضييع المال دعي إلى ذلك أم لا إلا أن يكون الصداق يسيرا، وإن خشي الفساد، وقدر على حفظه فعل، ولم يزوج، وإن عجز زوجه بعد التربص، وأما المجنون إن لم يفق لم ينفذ طلاقه، وإن خشي فساده زوج، وإلا فلا. فرع: قال صاحب البيان: إذا زوج ابنه الكبير غائبا عنه ذاكرا أنه بأمره فقدم فأنكر: قال ابن القاسم: يحلف، ولا صداق على الأب، فإن مات قبل القدوم، وعلم رضاء ورثته، ولم يذكر اليمين في المدونة، قال: وهو الصواب؛ لأن النكول لا يوجب حكما، وقال ربيعة: يلزمه نصف الصداق، وإن لم يضمنه، وقال محمد: لا يلزمه إلا أن يضمنه، والخلاف مبني على أنه يفسخ بطلاق أم لا؟ فرع: قال إذا زوجها غير أبيها فيقدم فيعترف بالوكالة، قال أشهب: لا يصدق إلا فيمن لا يزوجها غير الأب لفساد العقد في البكر لعدم الأب. فرع: قال إذا مات الأب فادعت أنها يتيمة عنده ليست ابنته، ولا بينة للزوج بتعيينها، وإنما سمع من الأب أن له ابنة، قال ابن القاسم: لا يلتفت إلى قولها، وقال سحنون: بل البينة على من ادعى، واليمين على المنكر. فرع: قال ابن يونس: قال محمد: إذا اشترط على الصغير شروط فأجازها وليه، أو زوجه وليه بها سقطت؛ لأن ذمته لا تقبل إلا أن يلتزمها بعد البلوغ، قال ابن القاسم: فإن علم بها قبل الدخول (خير في الدخول والفسخ) ودخل لزمته؛ لأن ذلك رضا، وإن علم وكره خير بينها وبين الطلاق مع نصف الصداق، وقال: إن علم قبل الدخول خير في الدخول أو الفسخ، ويسقط الصداق عنه وعن أبيه إن اختار الفسخ. إلا أن يكون يوم زوجه لا مال له، قال محمد: وهذا أحب إلينا إلا أن ترضى المرأة بإسقاط الشرط فيثبت النكاح على ما أحب الزوج أو كره، قال محمد: وإن لم يرده الولي حتى كبر مضى. فرع: قال صاحب البيان: إذا صرح بعدم النفقة من مال السفيه أو اليتيم حتى البلوغ أو الرشد فسد العقد اتفاقا، ولو صرح بثبوتها في مالها لجاز اتفاقا، فإن أهمل فقولان لمالك، وأكثر أصحابه نظرا إلى حمل تصرف العاقل على الصحة حتى يدل الدليل على البطلان، وهو القاعدة المشهورة أو البيان شرط، ولم يوجد. وعلى القول بالفساد إذا دخل، قال ابن القاسم: صح، والنفقة على الزوجة، ولها صداق مثلها، ولو كان الزوج كبيرا، واشترط النفقة على الزوجة، ولها صداق مثلها، وإن كان الزوج كبيرا، واشترط النفقة على غيره، قال مالك: يفسخ قبل البناء إلا أن ترضى المرأة بالنفقة على الزوج، ويثبت بعد البناء، والنفقة على الزوج. فرع: في الجلاب: إذا زوجه أبوه، ولا مال له، فإن الصداق على الأب، ولا ينتقل إلى الابن بيسره؛ لأن قرينة الإعسار (مع) مزيد شفقة الأبوة لتقتضي التزام ذلك في ذمة الأب، وله مال فالصداق عليه، ولا ينتقل إلى الأب بعسره؛ لأن الأصل وجوب العوض على مستوفي المعوض، فإن أيسر الابن عند العقد، وأعسر عند الدخول فهو دين عليه، قال الأبهري: فإن امتنعت المرأة من التسليم حينئذ لا يلزمها إلا بعد أخذ الصداق، فإن شرطه الأب على نفسه في الصغير أو السفيه لزمه مطلقا. فرع: في الكتاب: إذا بلغ الغلام ذهب حيث شاء لا يمنعه أبوه إلا أن يخاف سفها، فإن زوجه وهو غائب أو ابنته الثيب فرضيا بفعله لم يجز، لأنهما لو ماتا لم يتوارثا، فإن زوجه وهو حاضر ساكت فلما فرغ الأب، قال: لم أرض صدق مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الرضا، قال ابن يونس: فإن نكل لزمه النكاح، وحكي عن أبي محمد: إن اليمين استظهار، ولا يلزمه بالنكول شيء، وقال غيره: إن نكل طلق عليه، ولزمه نصف الصداق، قال مالك: فإن رضي بالنكاح، وهو كبير في عياله، وقال: لا أغرم من المهر شيئا أردته عليك، لا يكون على واحد منهما، ويفرق بينهما بعد أيمانهما، قال ابن القاسم: إلا أن يكون قد دخل فيبرأ الأب بحلفه، ويغرم الابن، وإن كان عديما إلا أن يكون الابن ممن يلي عليه فيكون على الأب، إلا أن يكون ممن يلي عليه فيكون على الأب إلا أن يكون له مال. السبب الثاني: في خلافة الأبوة، وهو الوصي، وهو عندنا كالأب، وقاله ابن حنبل إن عين الزوج، ومنع (ش)، و(ح) ولايته في البضع مطلقا؛ لأن المعنى الذي أثبت الشرع ولاية القرابة منفي عنه، وهو الشفقة الجلية، والغيرة الطبيعية، ولأنه لو كان للأب أن يستخلف فيما له من الولاية حال حياته بعد، وفاته لكان له ذلك في الثيب وليس فليس، والجواب عن الأول: أن شفقة الأب تمنع من استخلاف من لا يوفي بمقاصد إشفاقه، وإذا حصلت مقاصد الإشقاق فهو كمباشرة المشفق، وعن الثاني أن الأب في الثيب كسائر الأولياء في عدم الجبر، والتحكم عليها في مصالحها غايته أنه مقدم على غيره كتقدمة الأخ على العم فكما أن تقدمة الأخ لا توجب له نفوذ وصيته، فكذلك الأب في الثيب بخلاف الصغيرة حقه فيها متمكن بدليل الخبر فكان الاستخلاف فيه (فظهر الفرق، ويؤكده أنه حق للأب في حياته فيكون له الاستخلاف فيه بعد، وفاته كالمال. وفي الكتاب: للوصي تزويج البكر البالغ برضاها، وإن كره الولي، فإن عقد وليها برضاها لم يجز إلا أن يرضى الوصي، فإن اختلفوا نظر السلطان، ووصي الوصي كالوصي، وإن بعد في البكر، وقال يحيى بن سعيد: الوصي أولى من الولي، ويشاور الولي، قال مالك: والوصي في الثيب كالولي لاستقلالها بنفسها وليس لأحد تزويجها قبل البلوغ إلا الأب دون الوصي وغيره، وللأب والوصي تزويج الصغير، ويوكلا في ذلك بخلاف غيرهما، والمرأة الوصي لا تلي العقد لنقصها عن مرتبة ذلك لكن توكل رجلا بعد بلوغ الصبية ورضاها، وقبل ذلك فلا، قال اللخمي: الإجبار للآباء ولمن أقاموه في حياتهم أو بعد وفاتهم إذا عين الأب الزوج، فإن فوضه إليه فله الإجبار ممن يراه قبل البلوغ وبعده على المعروف من قول مالك، ومنع عبد الوهاب إجباره لاختصاص الأب بمعنى لا يوجد في غيره من مزيد الشفقة، وإذا زوج الوصي صغيرة من غير حاجة فسخ، فإن بلغت قبل النظر، قيل: فاسد، وإن رضيت به لوقوعه على خلاف المشروع، ويفرق بينهما إلا أن يطول بعد الدخول، (وقيل: جائز يتعلق به حقها إن أسقطته سقط، وإن ردته بطل إلا أن يطول بعد الدخول) أو يدخل بها عالمة بالخيار، قال ابن القاسم: ولم يبلغ مالك بهما قطع الميراث، وأرى أن يتوارثا لإجازة أكثر الناس له، وفي الجواهر: قال عبد الملك: لا يزوج وصي إلا أن يكون وليا إنما هو وكيل في المال؛ لأن المعنى الذي لأجله أثبت الشرع ولاية القرابة مفقود فيه، وهي الشفقة الجلية. قال صاحب التلخيص: إن أوصى من غير بيان فلا يزوج الإناث قبل البلوغ ولا بعده. دون استئمار على المشهور، وله تزويج الذكور قبل البلوغ وبعده دون إذن، كانت الوصية مطلقة أو مفسرة، قال صاحب البيان: قال مالك: إذا قال: فلان وصي فقط أو وصي على بضع بناتي أبكارا كن أو ثيبا، فهو بمنزلته في تزويجهن قبل البلوغ وبعده، وإن قال: على مالي فالقياس أنه معزول على الأبضاع، قال ابن يونس: قال مالك: إذا قال الأب للوصي: زوجها من فلان، أو ممن ترضاه، أو زوجها فله ذلك قبل البلوغ كالأب، فإن قال: فلان وصي فقط، أو على بضع بناتي، أو على تزويجهن امتنع قبل البلوغ وقبل رضاهن، قال أصبغ: ولو وصاه بزواج فاسق لم يجز؛ لأنه ليس للأب حتى ينتقل للوصي، ولو قال: زوجها من فلان بعد مدة، وفرض صداق مثلها، فذلك لازم إذا طلبه المعين، ويحكم به ولو كره الوصي إلا أن يتغير حاله من الجودة إلى الدناءة فله مقال، وليس لها مقال، بسبب إنه صار له زوجات أو سراري. فرع: في الكتاب: للوصي إنكاح إماء اليتامى، وعبيدهم على وجه النظر. فرع: قال ابن يونس: إذا قال: إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي من ابن أخي، قال سحنون: إن قيل: ابن الأخ بالقرب جاز، ومنعه ابن القاسم؛ لأنه نكاح إلى أجل كما لو قال إذا مضت سنة فقد زوجتك ابنتي فلانة، وأجازه أشهب، قال صاحب البيان: ولا يجري هذا الخلاف في قول الرجل في جاريته المعتقة: أشهدكم أني قد تزوجتها على صداق كذا وهي غائبة، ولا يفرق فيه بين القرب والبعد؛ لأنه نكاح انعقد على خيار من أصله لاتحاد الولي، والزوج كما لو زوج ابنته الثيب الغائبة، وأعلم الزوج بعدم الإذن بل لا يجوز هذا، وإن رضيت بعد ذلك، وقد قال ابن القاسم: إن تطاول لا يفسخ مراعاة للخلاف، فإن مات بعد ولادة الأولاد، ورثته عند ابن القاسم، وكذلك لو مات بعد الأيام، بعد يمينها أنها رضيت قبل الموت. فرع: قال صاحب البيان: قال ابن القاسم: الذي يكون في حجره اليتيم له مال يزوجه لابنته إن كان سدادا لليتيم جاز وإلا فلا، وهو محمول على غير السداد حتى يعلم السداد؛ لأنه متهم، قال مالك: لا أحب للوصي أن يزوج يتيمته من نفسه ولا من ابنه. السبب الثالث: العصوبة كالبنوة، والجدودة، والعمومة، وإخوة الشقاقة، وإخوة الأب، ولا ولاية لذوي الأرحام، وهم أخ الأم، وعم الأم، وجد الأم، وأبناء الأخوات، والبنات، والعمات، ونحوهم ممن يدلي بأنثى؛ لأن الولي شرع لحفظ النسب فلا يدخل فيه إلا من يكون من أهله، وخالف (ش) في البنوة لقوله عليه السلام: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مواليها فنكاحها باطل) وابنها ليس من مواليها، ولأنه يدلي بها فلا يزوجها، كتزويجها لنفسها، ولأن أباه لا يلي فلا يلي كالخال وابنه، والجواب عن الأول: أنه روي بغير إذن وليها، وهو وليها؛ لأن الولاية من الولاء من قولنا هذا يلي هذا، وابنها يليها أكثر من غيره؛ لأنه جزؤها فيكون وليها، وهو المراد في هذه الرواية جمعا بين الأدلة، وعن الثاني: الفرق بين قوة عقله ونقص عقلها، وعن الثالث: أنه جزء منها فيتعلق به عارها بخلاف أبيه، وابن الخال، ويؤيد قولنا قوله - عليه السلام - لعمر بن أبي سلمة (قم فزوج أمك). وزوج أنس بن مالك أمه بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، ولأنه متقدم على العصبات في الميراث فيقدم في النكاح. تفريع: في الجواهر لا تعتبر ولاية العصبة إلا في البالغة العاقلة الراضية الآذنة بالتصريح إن كانت ثيبا، أو بالسكوت إن كانت بكرا، واستحب مالك أن يعرف أن إذنها صماتها احتياطا في أمرها، قال التونسي: يقال لها ثلاث مرات: إن رضيت فاصمتي، وإن كرهت فانطقي؛ لقوله - عليه السلام - في مسلم: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها)، وهو يدل على أن الثيب إذنها نطقها بمفهومه. فرع: قال إذا تقدم العقد على الإذن فأقوال: ثالثها: في الكتاب: إن يعقبه الإذن على قرب جاز وإلا فلا، قال عبد الوهاب:، والصحيح البطلان مطلقا لفقد الإذن، وهو شرط، قال صاحب البيان: ويكون الفسخ بطلاق، وهل يتوارثان إن مات أحدهما قبل الفسخ؟ قولان لمالك، والمشهور في رضاها بالقرب: الجواز، وإنما جاز هذا الخيار؛ لأنه أدى إليه الحكم دون العقد، فلو أعلم الولي الزوج بعدم الإذن، قال مالك: يبطل العقد لدخولهما على الخيار، وقيل: يجوز؛ لأن الحاضر له مندوحة عن الخيار بخلاف الغائب، وهو أعذر. فرع: في البيان، ولا يجوز تزويج اليتيمة المميزة لمصالحها كارهة اتفاقا، فإن زوجت من غير حاجة فستة أقوال، قال ابن حبيب: يفسخ ولو ولدت الأولاد ورضيت لعدم الشرط، وقال ابن القاسم: لا يفسخ لقوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) (النساء: 3) معناه: ألا تعدلوا في تزويجهن، وهو دليل جواز العقد عليهم قبل البلوغ؛ لأن من بلغ لا يقال له يتيم، وقال أصبغ: يفسخ بعد الدخول إلا أن يطول وتلد الأولاد بخلاف الولد الواحد والسنتين، وهل تخير إذا بلغت ما لم يطل الأمر بعد الدخول؛ لأنه حق لها؟ وقال مالك: يكره فإذا وقع لم يفسخ، وقال أصبغ: إن شارفت الحيض لا يفسخ، وإذا قلنا بالفسخ فطلق الزوج قبله لزمه جميع الصداق بالدخول، والميراث بالموت. فرع: في الكتاب: إذا أذنت لولي فزوجها من رجل ففعل فأقرت بالإذن، وأنكرت أنه زوجها ثبت النكاح إن ادعاه الزوج، وكذلك الوكيل في بيع سلعة، ولو أذنت له في قبض الصداق والعقد وقبضه فتلف فهو كالوكالة على قبض الدين ثم يتنازع في القبض، فإذا أقام الزوج أو الغريم البينة صدق الوكيل في التلف، وإلا ضمنا، ولا شيء على الوكيل لتصديقه في الوكالة، وأما الوكيل على البيع يدعي قبض الثمن، والضياع يصدق؛ لأن الوكالة على البيع، وكالة في قبض ثمنه بخلاف الوكالة على عقد النكاح، ولا يلزم الزوج الدفع إليه، فإن فعل ضمن. فرع: في البيان: إذا أنكرت الرضا والعلم: فثلاثة أقوال: قال ابن القاسم: إن كانت أسبابا ظاهرة كالوليمة ونحوها حلفت أنها ما علمت أن تلك الأمور لها، ويبطل النكاح، وإن نكلت لزمها النكاح، وإلا فلا تحلف، وقيل: لا تحلف مطلقاً؛ لأنها إذا نكلت لايلزمها النكاح، وقيل: تحلف رجاء الإقرار، فإن حلفت بطل النكاح، وإن نكلت لم يلزمها شيء. فرع: قال: فإن أذنت لوليها بشروط، وأشهدت عليه فزوجها بدونها، قال ابن القاسم: تخير في الفسخ قبل البناء. فرع: في الكتاب: إذا قالت لوليها: زوجني ممن أحببت، فزوجها من نفسه أو من غيره لم يجز حتى يعين له الزوج، ولها الإجازة والرد؛ لأن رضاها شرط، وهو بالمجهول متعد، قال ابن القاسم: ولو زوجها من غيره صح، نظرا لعموم اللفظ أو من نفسه فرضيت جاز، وإن لم يكن لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من ابنه جاز، وإن كان لها ولي، ولم يكن فعل القاضي ضررا فلا مقال لها. فرع: في الجواهر: البلوغ المعتبر في تزويج العصبة الحيض، قال ابن حبيب: أو بلوغ ثماني عشرة سنة، وفي الإنبات قولان: قال ابن حبيب: فإن زوجت به فسخ قبل البناء وبعده، واختاره محمد. السبب الرابع: الولاء؛ لقوله عليه السلام: (الولاء لحمة كلحمة النسب)، وفي الجواهر: المولى الأعلى كالعصبات عند عدمها، فإن كان المعتق امرأة استحلفت رجلا، ولا ولاء للأسفل على الأعلى؛ لأن الولاية سبب تصرف واستيلاء على المولى عليه، ولا يناسب الاستيلاء المنعم عليه، وقيل: له الولاية تسوية بين النسب والولاء، قال أبو عمران: وليس بشيء. فرع: في الكتاب: من أعتق صغيرا أو صغيرة لم يجز عقده عليهما حتى يبلغا؛ لأن ولاية الإجبار خاصة بالآباء، والملاك. السبب الخامس: التولية لقوله - عليه السلام – (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) وفي الجواهر: إنما يزوج السلطان البالغة عند عدم الولي أو غيبته أو عضله، ولا يزوج اليتيمة حتى تبلغ، قال الاستاذ أبو بكر: هو الصحيح من المذهب، وقال عبد الوهاب: هو أظهر الروايات، والذي عليه الفتيا على، أي وجه كانت، وإليه رجع مالك. لما يروى عنه - عليه السلام – (لا تزوج اليتيمة حتى تبلغ) وروي: أن جملة الأولياء يزوجونها، ولها الخيار إذا بلغت، وروي إن دعتها حاجة وضرورة، ومثلها يوطأ ولها في النكاح مصلحة جاز؛ لأن التأخير إنما هو حق لها، قال أبو الطاهر: ولا خلاف بين المتأخرين في التي يخشى عليها الفساد أنها تزوج، وإذا فرعنا على المنع، فروي: يفسخ، وإن بلغت ما لم يدخل، وقيل: ينظر فيه الحاكم، وقيل: الخيار لها بعد البلوغ، ومنشأ الخلاف تردد الفائت بين حق الله، وحقها. السبب السادس: الملك؛ لأن الرقيق مال، وللسيد إصلاح ماله بما يراه من تزويج وغيره، رضي الرقيق أو كره كسائر وجوه التصرف، وفي الجواهر: للسيد إجبار العبد والأمة ولا تخير لهما، وقاله (ح) خلافا لـ (ش) في العبد. لنا: قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) (النور: 32)، وقياسا على الأمة بجامع المالية، وقياسا على الإجازة، قال ابن يونس: قال مالك: وليس له إضرارها بتزويجها ممن يضر بها، وفي الجواهر: يزوج أمته الكافرة، ورقيق الطفل الذي تحت نظره بالمصلحة، وأمة المرأة يزوجها وليها. فرع: في البيان: إن زوجها أجنبي، وطلقها الزوج قبل العلم فإنه مفسوخ، قال مالك وابن القاسم: إن كان الطلاق ثلاثا لا تحل له إلا بعد زوج، ومثله في المدونة. وفي الجواهر: لا يجبر من بعضه (رقيق لتعدي التصرف إلى غير الملك، ولا يجبر مالك بعضه) على تزويجه، وإن منعه ضرارا تغليبا لمصلحة المال، ومن فيه عقد من عقود الحرية: في إجباره أربعة أقوال: ثالثها: التفرقة بين الذكور فيجبروا لقدرتهم على الحل بالطلاق دون الإناث، ورابعها: التفرقة بين من يقدر على انتزاع ماله فيجبر لقوة التصرف، ومن لا فلا، والمنع لمالك وابن القاسم. فرع: في الكتاب: كره مالك له تزويج أم ولده، فإن فعل لم يفسخ؛ لأنه إنما كره لدناءة المروءة، وهو خارج عن العقد، قال صاحب البيان: كان مالك يقول: له إجبار أم ولده ثم رجع عنه لقوة الحرية وعدم المالية. فرع: في البيان: إذا تزوج أمة أُم ولده لا يكون ذلك انتزاعا من أم الولد بل إصلاحا لما لها. فرع: قال ابن يونس: إذا باشرت الأمة العقد بنفسها لم يجز بإجازة السيد لفساده بعدم الولي، فإن وكلت غيرها فروايتان: البطلان؛ لأن السيد يزوج بالملك، وهذا إنما زوج بالتوكيل فلا يقوم أحدُهُما مقام الآخر. وفي الكتاب: الجواز إن أجازه السيد كنكاح العبد بغير إذن سيده، قال الأبهري في شرح المختصر: وروي عن مالك: (الأمة والعبد) سواء في إجازة السيد إذا باشر العقد كقول (ح). فرع: قال: فلو اشترى أمة ممن يعلم أنها ليست له فوطئها حُد ورق ولده لسيدها بخلاف عقد الأمة على نفسها. وأخبرته بحريتها، وهو يعلم كذبها فلا يرق الولد، ويفسخ العقد، وهذا إذا أشهد على إقراره بزواجها، وأما بعد (الاخال) فلا؛ لأنه يتهم في إرقاق الولد لتسقط القيمة عنه، وقال أشهب: إن كان عديما اتبع ولا قيمة فيمن مات قبل ذلك، ولا على الولد الموسر قيمة نفسه، وإن كان الأب عديما. فرع: في الكتاب: إذا زوج عبده فالمهر في ذمة العبد لا في رقبته إلا أن يُشترط على السيد؛ لأنه ليس جناية. وقال ربيعة: إن خطب له وسمي بعد: فَعَلَى السيد لقرينة المباشرة، وإن أذن له فقط فعلى العبد، وقال (ش): المهر والنفقة في كسبه، قال مالك: وإذا تزوج عبد أو مكاتَب بغير إذن سيده، ونفذ المهر، وبنى، فللسيد انتزاعه ويترك لها ربع دينار، فإن أعدمت اتبعت به، فإن أعتق العبد أو أدى المكاتب اتبعهما إن عراها، وإلا فلا، وإن أبطله السيد أو السلطان قبل العتق بطل، ولم يلزمه إذا أعتق، وإن لم يعلم السيد حتى أعتق ثبت النكاح، وكل ما لزم (ذمة) العبد من صداق أو غيره لا يؤخذ من (خراجه)، ولا من عمل يده، ولا مما فضل في يده من ذلك لتعلق حق السيد به بل فيما أفاده من هبة أو صدقة أو وصية، وديون المأذون له فيما في يده من كسبه من التجارة؛ لأن السيد سلط عليه بإذنه دون خراجه، وعمل يديه، وتصرف فيه السيد بدينه. وفي الجواهر: النفقة لازمة للعبد في ذمته كما تقدم في المهر حرفا بحرف، واستحب مالك في الكتاب: اشتراطها عليه بإذن سيده. فرع: في الكتاب: إذا اشترت الحرة زوجها بعد البناء اتبعته بالمهر، أو قبله سقط للفسخ، وفي الجواهر: إن اشترته بالمهر الذي ضمنه السيد، وظهر من قصد السيد إفساد النكاح لم يصحَّ هذا القصد، وإن لم يظهر صح، وانفسخ النكاح، وبقي ملكا لها إن كان دخل بها، وإلا عاد لسيده، قاله في الكتاب. فرع: في البيان: إذا أعتق سيد الأمة ولد الزوج رجعت نفقته على أبيه؛ لأنه صار حرا إلا أن يكون الابن معدما أو لا أب له؛ لأن عتق الصغير لا يسقط النفقة إلا الأب الموسر، قال: وكذلك إذا طلقها ليس له طرح ولدها من حينه حتى يجد له موضعا؛ لقوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) (البقرة: 233). فرع: قال صاحب المنتقى: للسيد تزويج أمة العبد من العبد؛ لأنه انتزاع، ولا يجوز لأحد أن يتزوج أمته إلا هذه. فرع: في الكتاب: إذا اشترت الأمة المأذون لها زوجها فرده سيدها فهما على الزوجية، وإذا زوج أمته من عبده ثم وهبها له لقصد فسخ النكاح، وأن يحللها لنفسه أو لغيره لم يجز، ولا يحرم، وفي النكت: قال بعض شيوخنا: إذا قبل العبد الهبة انفسخ النكاح قصد السيد الفسخ أم لا، ولا حجة إن قال: لم أعلم قصده للفسخ، وإنما يفترق القصد من غيره إذا لم يقبل. فرع: في الجواهر: من تزوج أمة رجل بغير إذنه لم يجز، وإن أجازه السيد، ويفسخ وإن ولدت الأولاد؛ لأنها جناية على مال الغير وولايته. فهو أعظم من التزويج بغير إذن القريب، ولو عتقت قبل العلم فسخ لتمكن الفساد، ولا ينكحها الزوج إلا بعد العدة من مائه الفاسد، وإن لحق به نسب ولدها، وكذلك إن اشتراها في تلك العدة تمييزا بين الماء الفاسد والصحيح، وكذلك كل وطء فاسد. فرع: قال: ولا تزوج أمة أو عبد بين رجلين إلا بإذنهما نفيا للجناية على حق أحدهما، فإن عقده أحدهما للأمة لم يجز بإجازة الآخر، وإن دخل بها، ويكون المسمى بينهما إن دخل بها، وإن نقص عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل إن طلبه، فإن غر العاقد الزوج بقوله: هي ملكي، أو هي حرة رجع الزوج عليه بما دفعه لشريكه، ويرجع أيضا عليه بما دفعه إليه إلا نصف ربع دينار. قال ابن يونس: قال ابن حبيب: إذا تزوج بإذن أحدهما فللآخر فسخ نكاحه، ويأخذ من المرأة جميع الصداق، ويكون بيد العبد مع ماله إلا أن يتفقا على تسميته. ولا يترك لها منه ربع دينار إن كانت عالمة، فإذا اقتسما أخذت من الآخر حصته من الصداق، ولو غرها الآخر ولم يعلمها رجعت بمثل الصداق عليه، ولو استهلكته اتبعها غير الآذن بجميعه، واتبعت هي الآذِنَ بمثله، ولها اتباع العبد بجميع ما أخذ منه إلا أن يسقطه غير الآذن، قال: وقوله كله كقول ابن القاسم إلا قوله: لا يترك لها ربع دينار ففي الكتاب: يترك لها ذلك. قال صاحب النكت: إذا زوج أحد الشريكين الأمة بغير إذن الآخر فأجاز بعد البناء فله نصف التسمية، نقص على صداق المثل أو زاد؛ لأن إجازته رضا به، ولا بد من الفسخ، وإن لم يجز فلا ينقص عن نصف صداق المثل، قال بعض القرويين، ويتخير بين أخذ نصف الصداق من الشريك القابض بجملة الصداق أو الزوج، ويرجع الزوج على الشريك المزوج، ولا يترك له ربع دينار؛ لأن ما أخذ الشريك الآخر فيه ربع دينار، وقال أبو الحسن وغيره: يترك للعاقد نصف ربع دينار، وهذا كله إذا غره، وقال: هي ملكي وحدي، أو هي حرة، أما إن أعلمه فلا يرجع عليه، قال اللخمي: إن أجاز غير الآذن على القُرب: فإن علمت المرأة بالشريك لم يرجع على الزوج بشيء، ويترك الصداق بيد العبد، وإن اقتسماه رجعت على الحاضر بنصيبه، وإن غرها ولم يعلمها رجعت عليه، فإن أعدم بيع لها بنصيبه من العبد، قال أبو الطاهر: إذا رضي الثاني جرى الفسخ على الخلاف في تزويج الأجنبي الأمة، وهذا أولى؛ لأن له مدخلا في العقد، وإن فسخ قبل البناء فلا صداق أو بعده للعاقد المسمى، وفي الآخر ثلاثة أقواله: المثل؛ لأنه تفويت فتتعين القيمة والمسمى؛ لتقديم قول الزوج عليه، والأكثر؛ لأنه يطالبه بالقيمة والفرض، وإذا غر الأول الزوج ففي رجوعه ثلاثة أقوال: بما وزن أو به إلا ربع دينار أو بالزائد على المسمى. فرع: في الكتاب: لا يطلق السيد على عبده إذا عقد بإذنه، وفي الجلاب: لا يمنعه الرجعة لاستلزام الإذن الأول تمكين العبد من أحكام النكاح. تفريع: في الجواهر: لا يبطل استخدام الرقيق بالزواج استبقاء لحق الملك، وعقد النكاح إنما يتناول إباحة الوطء بالعقد الأول، ويحرم الاستمتاع على السيد لئلا تختلط الأنساب. وليس على السيد أن ينزلها معه بيتا إلا أن يشترطه أو يكون عرفا، قاله في الكتاب، وحق السيد آكَدُ بدليل رق الولد، وقاله (ح)، وأوجبه (ش) ليلا، وروى عبد الملك: ترسل إليه ليلة بعد ثلاث؛ لأنه وقت الضرورة غالبا، ويأتيها في غير ذلك، وللسيد المسافرة بها، ولا يمنع الزوج من الخروج معها، وإن بيعت بموضع لا يصل إليها فله طلبها، وفي لزوم النفقة روايات: ثالثها: إن بوئت معه بيتا لزمته، وإلا فلا، وقاله (ح). ورابعها: إن باتت عنده وكانت عند أهلها نهارا لزمه، وإلا فلا، وقال عبد الملك: ينفق عليها زمن تأتيه دون غيره، ومنشأ الخلاف: تغليب الملك فيسقط. أو يلاحظ الاستمتاع، وهو سبب النفقة في الحرائر، وحيث قلنا في النفقة يسافر بها السيد سقط كنشوز الحرة. فرع: قال، ومهر الأمة من جملة مالها ما لم ينتزعه، ولو قتلها أجنبي، أو السيد، أو ماتت لم يسقط لوجود سببه. فرع: قال: وإذا باعها لم ينفسخ النكاح؛ لأن البيع ينقل الأعيان على ما هي عليه من نقص وكمال، ويسلم المهر للبائع كَمَالِها إلا أن يشترطه المبتاع، وحيث لم يشترط فليس للبائع حبسها لتسليم الصداق؛ لأنه لم يبق له فيها تصرف، ولا للمشتري؛ لأن المهر ليس له فيستفيد الزوج بالبيع سقوط المنع لأجل الصداق. فرع: قال: فلو زوج عبده من أمته فلا بد من الصداق؛ لأنه حقٌّ لِلَّهِ تعالى فقط. فرع: قال فلو أعتق أمته على أن يتزوج بها لم يلزمها الوفاء، أو أعتقت بعدها على ذلك عُتق ولم يلزمه. فرع: في الكتاب: لو زوجها السيد تفويضا فعرض لها الزوج بعد العتق فهو لها، وللسيد أخذ صداق الأمة إلا ربع دينار؛ لأنه حق الله تعالى. السبب السابع، والثامن: الكفالة، والالتقاط، قال أبو الطاهر: قيل: لا ولاية لهما لعدم القرابة، وقيل: لهما؛ لأن الكفالة، والالتقاط يتضمنان حسن النظر، والخلاف جار في سائر التصرفات هل تقومان مقام الوصي أم لا؟ السبب التاسع: الإسلام، وهي الولاية العامة؛ لقوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (التوبة: 71). وفي الكتاب: إذا وكلت الدنية - كالمعتقة والمسكينة - أجنبيا في بلد ليس فيه سلطان أو فيه لكن يعسر وصولها إليه، ولا ولي لها جاز، ومن أسلمت على يديه أو أبوها لا يصير بذلك أولى من غيره، وكذلك الكافل في الدنية. ولو وكلت ذات القدر غير وليها فزوجها فرضي الولي توقف فيه مالك، وروى ابن وهب: يفرق بينهما بطلقة، وإن دخل بها إلا أن يجيز الولي أو السلطان إن لم يكن لها ولي، وقال ابن القاسم: إن أجاز الولي بالقرب جاز، وإن فسخه بالقرب انفسخ أما بعد الطول والأولاد، فلا إن كان صوابا، قاله مالك، وقال غيره: لا يجوز، وإن أجازه الولي، قال اللخمي: فيها خمسة أقوال: الثلاثة المتقدمة، وروي امضاؤه بالعقد، وقال القاضي إسماعيل: الذي يأتي على مذهب مالك أن الدخول فوت، وفي السلمانية: يفسخ، ولو ولدت الأولاد. ولم يختلف المذهب ولاية الإسلام صحيحة، وأن للولي منع وليته من الوقوع في المعرة، ومنشأ الخلاف هل تقديم الولي الخاص على العام حق الله تعالى فلا تفيد الإجازة أوله فتفيد إجازته، وعلى التقديرين فهل ذلك واجب أو مستحب. فرع: فلو وكلت أجنبيا فزوجها، ولها وليان أقرب وأبعد فأجازه الأبعد، ورده الأقرب رد بخلاف عقد الأبعد مع وجود الأقرب أنه لا يرد؛ لأنه نكاح عقده ولي وهاهنا أجنبي، فإن غاب الأقرب، وأراد الأبعد فسخه بعث إليه السلطان، وانتظره إن كان الغيبة قريبة، وإلا فالسلطان يقوم مقامه في الرد والإجازة، وهو أولى من البعيد؛ لأنه وكيل الغائب. وفي الجواهر: إذا زوج بالولاية العامة مع الخاصة الإجبارية كالأب، والسيد فسخ على كل حال، وليس للأب والسيد إجازته لقوة حق ولاية الإجبار لله تعالى نظرا للمولى عليه، وروي في السيد الإجازة تغليبا لحقه بسبب المالية، وعنه رواية في الدنية لا تجوز بالولاية العامة مع الخاصة، فإن لم تكن ولاية خاصة إلا ولاية الحكم منع الولاية العامة، ولوفي الدنية لئلا تضيع الفروج، وجوزه مرة في البادية إذا كان صوابا؛ لأنه ليس كل امرأة تصل إلى السلطان، وروى ابن القاسم جوازه في الدنية، وأنكره عبد الملك. إلا في العجمية الوغدة تستند إلى الرجل فيصير لها ناظرا في مصالحها كمولاته، ثم حيث قلنا بالفسخ، فلا عقوبة عليهما قبل الدخول، والفسخ بطلقة بائنة. فرع: قال اللخمي: إذا طلق الزوج قبل الإجازة، وقع الطلاق، ويتوارثان، وينفذ الخلع بالمال، وقال محمد: إن مات ورثته، أو ماتت كان للولي منعه الميراث، وهو يفسخ على القول بأن له الرد، وإن كان صوابا.
|