الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخصائص **
أما مذهب سيبويه فإن الحركة تحدث بعد الحرف. وقال غيره: معه. وذهب غيرهما إلى أنها تحدث قبله. قال أبو علي: وسبب هذا الخلاف لطف الأمر وغموض الحال. فإذا كان هذا أمر يعرض للمحسوس الذي إليه تتحاكم النفوس فحسبك به لطفاً وبالتوقف فيه لبساً. فمما يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول في الآخر نحو الملل والضعف والمشش كما تفصل الألف بعدها بينهما نحو الملال والضفاف والمشاش. وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت فلن تخلو حركة الأول من أن تكنون قبله أو معه أو بعده. قلو كانت في الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغم ألا ترى أن الحرف المحرك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزاً بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر. ونحو من ذلك قولهم: ميزان وميعاد فقلب الواو ياء يدل على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تل الواو فكان يحب أن يقال: موزان وموعاد. وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما. وأيضاً فلو كانت قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام لأن حركة الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين. وهذا واضح. فإذا بطل أن تكون الحركة حادثة قبل الحرف المتحرك بها من حيث أرينا وعلى ما أوضحنا وشرحنا بقي سوى مذهب سيبويه أن يظن بها أنها تحدث مع الحرف نفسه لا قبله ولا بعده. وإذا فسد هذا لم يبق إلا ما ذهب إليه سيبويه. والذي يفسد كونها حادثة مع الحرف البتة هو أنا لو أمرنا مذكرا من الطي ثم أتبعناه أمراً آخر له من الوجل من غير حرف عطف لا بل بمجيء الثاني تابعاً للأول البتة لقلنا: اطو أيجل. والأصل فيه: اطو اوجل فقلبت الواو التي هي فاء الفعل من الوجل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فلولا أن كسرة واو اطو في الرتبة بعدها لما قلبت ياء واو اوجل. وذلك أن الكسرة إنما تقلب الواو لخالفتها إياها في جنس الصوت فتجتذبها إلى ما هي بعضه ومن جنسه وهو الياء وكما أن هناك كسرة في الواو فهناك أيضاً الواو وهي وفق الواو الثانية لفظاً وحساً وليست الكسرة على قول المخالف أدنى إلى الواو الثانية من الواو الأولى لأنه يروم أن يثبتهما جميعاً في زمان واحد ومعلوم أن الحرف أوفى صوتاً وأقوى جرساً من الحركة فإذا لم يقل لك: إنها أقوى من الكسرة التي فيها فلا أقل من أن تكون في القوة والصوت مثلها. فإذا كان كذلك لزم ألا تنقلب الواو الثانية للكسرة قبلها لأن بإزاء الكسرة المخالفة للواو الثانية الواو الأولى الموافقة للفظ الثانية. فإذا تأدى الأمر في المعادلة إلى هنا ترافعت الواو والكسرة أحكامهما فكأن لا كسرة قبلها ولا واو. وإذا كان كذلك لم تجد أمراً تقلب له الواو الثانية ياء فكان يجب على هذا أن تخرج الواو الثانية من اطو أوجل ياء حتى صارت اطو أيجل على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها. وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو المحركة بها لا محالة. فهذا إسقاط قول من ذهب إلى أنها تحدث مع الحرف وقول من ذهب إلى أنها تحدث قبله ألا تراها لو كانت الكسرة في باب اطو قبل الواو لكانت الواو الأولى حاجزة بينها وبين الثانية كما كانت ميم ميزان تكون أيضاً حاجزة بينهما على ما قدمنا فإذا بطل هذان ثبت قول صاحب الكتاب وسقطت عنه فضول المقال. قال أبو علي: يقوي قول من قال: إن الحركة تحدث مع الحرف أن النون الساكنة مخرجها مع حروف الفم من الأنف والمتحركة مخرجها من الفم فلو كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن تكون النون المتحركة أيضاً من الأنف. وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها فكان كذا قال رحمه الله ورأيته معيناً بهذا الدليل. وهو عندي ساقط عن سيبويه وغير لازم له. وذلك أنه لا ينكر أن يؤثر الشيء فيما قبله من قبل وجوده لأنه قد علم أن سيرد فيما بعد. وذلك كثير. فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قلبت النون ميماً في اللفظ. وذلك نحو عمبر وشمباء في غنبر وشنباء فكما لا يشك في أن الباء في ذلك بعد النون وقد قلبت النون قبلها فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون الحادثة بعدها تزيلها عن الأنف إلى الفم. بل إذا كانت الباء أبعد من النون قبلها من حركة النون فيها وقد أثرت على بعدها ما أثرته كانت حركة النون التي هي أقرب إليها وأشد التباساً بها أولى بان تجذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم. وهذا كما تراه واضح. ومما غير متقدماً لتوقع ما يرد من بعده متأخراً ضمهم همزة الوصل لتوقعهم الضمة بعدها نحو: اقُتل ادُخل اسُتضعف اخُرج اسُتخرج. ومما يقوي عندي قول من قال: إن الحركة تحدث قبل الحرف إجماع النحويين على قولهم إن الواو في يعدو يزن ونحو ذلك إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة. يعنون: في يوعد ويوزن ونحوه لو خرج على أصله. فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الحركة عندهم قبل حرفها المحرك بها ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت الواو في يوعد بين فتحة وعين وفي يوزن بين فتحة وزاي. فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الواو في نحو يوعد عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحتها وكسرة العين التي هي أدنى إليها من العين بعدها. فتأمل ذلك. وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا يلزم من موضعين: أحدهما أنه لا يجب أن تكون فيه دلالة على اعتقاد القوم فيما نسبه هذا السائل إلى أنهم مريدوه ومعتقدوه ألا ترى أن من يقول: إن الحركة تحدث بعد الحرف ومن يقول: إنها تحدث مع الحرف قد أطلقوا جميعاً هذا القول الذي هو قولهم: إن الواو حذفت من يعد ونحوه لوقوعها بين ياء وكسرة فلو كانوا يريدون ما غزوته إليهم وحملته عليهم لكانوا مناقضين وموافقين لمخالفهم وهم لا يعلمون. وهذا أمر مثله لا ينسب إليهم ولا يظن بهم. فإذا كان كذلك علمت أن غرض القوم فيه ليس ما قدرته ولا ما تصورته وإنما هو أن قبلها ياء وبعدها كسرة وهما مستثقلتان. فأما أن تماساً الواو وتباشراها على ما فرضته وادعيته فلا. وهذا كثير في الكلام والاستعمال ألا ترى أنك تقول: خرجنا فسرنا فلما حصلنا بين بغداد والبصرة كان كذا. فهذا كما تراه قول صحيح معتاد إلا أنه قد يقوله من حصل بدير العاقول فهو لعمري بين بغداد والبصرة وإن كان أيضاً بين جرجرايا والمدائن وهما أقرب إليه من بغداد والبصرة. وكذلك الواو في يوعد هي لعمري بين ياء وكسرة وإن كان أقرب إليها منهما فتحة الياء والعين. وكذلك يقال أيضاً: هو من عمره ما بين الخمسين إلى الستين فيقال ذلك فيمن له خمس وخمسون سنة فهي لعمري بين الخمسين والستين إلا أن الأدنى إليها الأربع والخمسون والست والخمسون. وهذا جلى غير مشكل. فهذا أحد الموضعين. وأما الآخر فإن أكثر ما في هذا أن يكون حقيقة عند القوم وأن يكونوا مريديه ومعتقديه. ولو أرادوه واعتقدوه وذهبوا إليه لما كان دليلاً على موضع الخلاف. وذلك أن هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحس ولا يرجع فيه إلى إجماع ولا إلى سابق سنة ولا قديم ملة ألا ترى أن إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حجة لأن كل واحد منهم إنما يردك ويرجع بك فيه إلى التأمل والطبع لا إلى التبعية والشرع. هذا لو كان لا بد من أن يكونوا قد أرادوا ما عزاه السائل إليهم واعتقده لهم. فهذا كله يشهد بصحة مذهب سيبويه في أن الحركة حادثة بعد حرفها المحرك بها. وقد كنا قلنا فيه قديماً قولاً آخر مستقيماً. وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف. فالفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء والضمة بعض الواو. فكما أن الحرف لا يجامع حرفاً آخر فينشآن معاً في وقت واحد فكذلك بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر في وقت واحد لأن حكم البعض في هذا جار مجرى حكم الكل. ولا يجوز أن يتصور أن حرفاً من الحروف حدث بعضه مضاما لحرف وبقيته من بعده في غير ذلك الحرف لا في زمان واحد ولا في زمانين. فهذا يفسد قول من قال: إن الحركة تحدث مع حرفها المتحرك بها أو قبله أيضاً ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلا بعد الحرف المحرك بتلك الحركة وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف في نحو ضارب ليست تابعة للفتحة لاعتراض الضاد بينهما والحس يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراض معترض بين الفتحة والألف التابعة لها في نحو ضارب وقائم ونحو ذلك. وكذلك القول في الكسرة والياء والضمة والواو إذا تبعتاهما. وهذا تناه في البيان. والبروز إلى حكم العيان. فاعرفه. وفي بعض ما أوردناه من هذا كاف بمشيئة الله.
أما إمام ذلك فإن أول الكلمة لا يكون إلا متحركاً وينبغي لآخرها أن يكون ساكناً. فأما الإشمام فإنه للعين دون الأذن. لكن روم الحركة يكاد الحرف يكون به متحركاً ألا تراك تفصل به بين المذكر والمؤنث في قولك في الوقف: أنتَ وأنتِ. فلولا أن هناك صوتاً لما وجدت فصلاً. فإن قلت: فقد نجد من الحروف ما يتبعه في الوقف صوت وهو مع ذلك ساكن. وهو الفاء والثاء والسين والصاد ونحو ذلك تقول في الوقف: اِفْ: اِثْ اِسْ اِضْ. قيل: هذا القدر من الصوت إنما هو متمم للحرف وموف له في الوقف. فإذا وصلت ذهب أو كاد. وإنما لحقه في الوقف لأن الوقف يضعف الحرف ألا تراك تحتاج إلى بيانه فيه بالهاء نحو واغلاماه ووازيداه وواغلامهوه وواغلامهيهْ. وذلك أنك لما أردت تمكين الصوت وتوفيته ليمتد ويقوى في السمع وكان الوقف يضعف الحرف ألحقت الهاء ليقع الحرف قبلها حشوا فيبين ولا يخفى. ومع ذلك فإن هذا الصوت اللاحق للفاء والسين ونحوهما إنما هو بمنزلة الإطباق في الطاء والتكرير في الراء والتفشي في الشين وقوة الاعتماد الذي في اللام. فكما أن سواكن هذه الأحرف إنما تكال في ميزان العروض الذي هو عيار الحس وحاكم القسمة والوضع بما تكال به الحروف السواكن غيرها فكذلك هي أيضاً سواكن. بل إذا كانت الراء لما فيها من التكرير تجري مجرى الحرفين في الإمالة ثم مع ذلك لا تعد في وزن الشعر إلا حرفاً واحداً كانت هذه الأحرف التي إنما فيها تمام وتوفية لهذا أحجى بأن تعد حرفاً لا غير. ولأبي علي رحمه الله مسألتان: طويلة قديمة وقصيرة حديثة كلتاهما في الكلام على الحرف المبتدأ أيمكن أن يكون ساكناً أم لا. فقد غنينا بهما أن نتكلف نحن شيئاً من هذا الشرح في معناهما. ثم من بعد ذلك أن المتحرك على ضربين: حرف متحرك بحركة لازمة وحرف متحرك بحركة غير لازمة. أما المتحرك بحركة لازمة فعلى ضربين أيضاً: مبتدأن وغير مبتدأ. فالمبتدأ ما دام مبتدأ فهو متحرك لا محالة نحو ضاد ضرب وميم مهدد. فإن اتصل أول الكلمة بشيء غيره فعلى قسمين: أحدهما أن يكون الأول معه كالجزء منه والآخر أن يكون على أحكام المنفصل عنه. الأول من هذين القسمين أيضاً على ضربين: أحدهما أن يقر الأول على ما كان عليه من تحريكه. والآخر أن يخلط في اللفظ به فيسكن على حد التخفيف في أمثاله من المتصل. فالحرف الذي ينزل مع ما بعده كالجزء منه فاء العطف وواوه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام. الأول من هذين كقولك: وَهُو الله وقول: فهُوَ ما ترى ولَهُو أفضل من عمرو وأهِى عندك. فهذا الباقي على تحريكه كأن لا شيء قبله. والقسم الثاني منهما قولك: وهْو الله وقولك: فهْوَ يوم القيامة من المحضَرين ولهْو أفضل من وقمت للطيف مرتاعاً وأرقني فقلت أًهْي سَرَتْ أم عادني حُلُم ووجه هذا أن هذه الأحرف لما كن على حرف واحد وضعفن عن انفصالها وكان ما بعدها على حرفين الأول منهما مضموم أو مكسور أشبهت في اللفظ ما كان على فَعُل أو فَعِل فخفف أوائل هذه كما يخفف ثواني هذه فصارت وَهُو كعَضُد وصار وَهْو كعَضْد كما صارت أهِي كَعِلم وصار أَهْي بمنزلة عَلْم. وأما قراءة أهل الكوفة ثم ليقطع فقبيح عندنا لأن ثُمَّ منفصلة يمكن الوقوف عليها فلا تخلط بما بعدها فتصير معه كالجزء الواحد. لكن قوله: فلينظر حسن جميل لأن الفاء حرف واحد فيلطف عن انفصاله وقيامه برأسه. وتقول على هذا: مررت برجل بطنه كَحْضَجْر تريد: كحِضَجْر ثم تسكن الحاء الأولى لأن كَحِضَ بوزن عَلِم فيجري هذا الصدر مجرى كلمة ثلاثية. وأما أو الكلمة إذا لم يخلط بما قبله فمتحرك لا محالة على ما كان عليه قبل اتصاله به. وذلك قولك: أحمد ضرب وأخوك دخل وغلامك خرج. فهذا حكم الحرف المبتدأ. وأما المتحرك غير المبتدأ فعلى ضربين: حشو وطرف. فالحشو كراء ضرب وتاء قتل وجيم رجل وميم جمل ولام علم. وأما الطرف فنحو ميم إبراهيم ودال أحمد وباء يضرب وقاف يغرق. فإن قلت: قد قدمت أن هذا مما تلزم حركته وأنت تقول في الوقف: إبراهيم وأحمد ويضرب ويغرق فلا تلزم الحركة قيل: اعتراض الوقف لا يحفل به ولا يقع العمل عليه وإنما المعتبر بحال الوصل ألا تراك تقول في بعض الوقف: هذا بكر ومررت ببكر فتنقل حركة الإعراب إلى حشو الكلمة ولولا أن هذا عارض جاء به الوقف لكنت ممن يدعى أن حركة الإعراب تقع قبل الآخر وهذا خطأ بإجماع. ولذلك أيضاً كانت الهاء في قائمه بدلاً عندنا من التاء في قائمة لما كانت إنما تكون هاء في الوفق دون الوصل. فإن قلت: ولم جرت الأشياء في الوصل على حقائقها دون الوقف قيل: لأن حال الوصل أعلى رتبة من حال الوقف. وذلك أن الكلام إنما وضع للفائدة والفائدة لا تجني من الكلمة الواحدة وإنما تجني من الجمل ومدارج القول فلذلك كان حال الوصل عندهم أشرف وأقوم وأعدل من حال الوقف. ويدلك على أن حركة الآخر قد تعتد لازمة وإن كانت في الوقف مستهلكة أنك تقلب حرف اللين لها وللحركة قبله فتقول: عصا وقفا وفتى ودعا وغزا ورمى كما تقلبه وسطاً لحركته وحركة ما قبله نحو دار ونار وعاب وقال وقام وباع. فإن قلت: فإن الجزم قد يدرك الفعل فيسكن في الوصل نحو لم يضرب أمس واضرب غدا وما كان كذلك. قيل: إن الجزم لما كان ثانياً للرفع وإعراباً كالنصب في ذينك جرى الانتقال إليه عن الرفع مجرى الانتقال عن الرفع إلى النصب وحمل الجزم في ذلك على النصب كما حمل النصب على الجزم في الحرف نحو لن يقوما وأريد أن تذهبوا وتنطلقى. قال أبو علي: وقد كان ينبغي أن تثبت النون مع النصب لثبات الحركة في الواحد. فهذا فرق وعذر. فهذه أحكام الحركة اللازمة. وأما غير اللازمة فعلى أضرب. منها حركة التقاء الساكنين نحو قم الليل واشدد الحبل. ومنها حركة الإعراب المنقولة إلى الساكن قبلها نحو هذا بَكُرْ وهذا عَمُرْو ومررت ببِكَرْ ونظرت إلى عَمِرْو. وذلك أن هذا أحد أحداث الوقف فلم يكن به حفل. ومنها الحركة المنقولة لتخفيف الهمزة نحو قولك في مسئلة: مَسَلة وقولك في يلؤم: يَلُم وفي يزئر: يَزِر وقوله ولم يكن له كفاَ أحد فيمن سكن وخفف. وعلى ذلك قول الله تعالى وذي ولد لم يلده أبوان لأنه أراد: لم يلده فأسكن اللام استثقالاً للكسرة وكانت الدال ساكنة فحركها لالتقاء الساكنين. وعليه قولك الآخر: ولكنني لم أجْدَ من ذلك بدا أي لم أجِدْ فأسكن الجيم وحرك الدال على ما مضى. ومن ذلك حركات الإتباع نحو قوله: ضرباً أليما بِسبْت يَلْعَجُ الجلدا وقوله: مشتبه الأعلام لمَّاع الخَفَقْ وقوله: . . . . . . . . . لم يُنْظَرْ به الحشكُ وقوله: ماء بشرقي سلمى فَيْدُ أو رَكَكُ وقوله: وقوله: وحامل المينَ بعد المِينَ والألَفِ وأما قول الآخر: علمنا أخوالنا بنو عِجِلْ الشغزبي اعتقالا بالرجِلْ فيكون إتباعاً ويكون نقلاً. وقول طرفة: . . . . . . . . . ورادا وشقر ينبغي أن يكون إتباعاً يدلك على ذلك أنه تكسير أشقر وشقراء وهذا قد يجيء فيه المعتل اللام نحو قُنْو وعُشْو وظُمْى وعُمْى ولو كان أصله فُعُلا لما جاء في المعتل ألا ترى أن ما كان من تكسير فَعِيل وفَعُول وفَعالِ وفِعالٍ مما لامه معتلة لا يأتي على فُعُل. فلذلك لم يقولوا في كِساءِ: كُسْوٌ ولا في رِداء: رُدْيٌ ولا في صبيّ: صُبْوٌ ولا نحو ذلك لأن أصله فُعُل. وهي اللغة الحجازية القوية. وقد جاء شيء من ذلك شاذاً. وهو ما حكاه من قولهم: ثنى وثُنٍ. وأنشد الفراء: فلو ترى فيهن سر العتق بين كماتي وحوبلق فهذا جمع فلو وكلا ذينك شاذ: أسلمتموها فباتت غير طاهرة مني الرجال على الفخذين كالموم فكسر منِيّا على مُنْى ولا يقاس عليه. وإنما ذكرناه لئلا يجيء به جاءٍ فترى أنه كسر للباب. ومن حركات الإتباع قولهم: أنا أجوءك وانبؤك وهو مُنْحُدُر من الجبل ومِنْتن ومِغِيرة ونحو من ذلك باب شِعير ورِغيف وبِعير والزِئير والجنة لمن خاف وعيد اللهز وشبهت القاف بالخاء لقربها منها فيما حكاه أبو الحسن من قولهم: النِقِيذ كا شبهت الخاء والغين بحروف الفم حتى أخفيت النون معهما في بعض اللغات كما تخفى مع حروف الفم. وهذا في فَعيل مما عينه حلقية مطرد. وكذلك فَعِل نحو نَغِر ومِحك جئز وضحك و وقريب من ذلك الحمدِ للهِ والحمد للهِ وقِتِّلوا وفِتِّحوا وقوله: تدافُعَ الشِيبِ ولم تِقِتّل وقوله: لا حِطِّبَ القومَ ولا القوم سقى ومن غير اللازم ما أحدثته همزة التذكر نحو ألى وقدى. فإذا صلت سقطت نحو الخليل وقد قام. ومن قرأ اشتروا الضلالة قال في التذكير: اشترووا ومن قرأ: اشتروا الضلالة قال في التذكر: اشتروى ومن قال اشتروا الضلالة قال في التذكر: اشتروا. وأما الساكن فعلى ضربين: ساكن يمكن تحريكه وساكن لا يمكن تحريكه. الأول منهما جميع الحروف إلا الألف الساكنة المدة. والثاني هو هذه الألف نحو ألف كتاب وحساب وباع وقام. والحرف الساكن الممكن تحريكه على ضربين: أحدهما ما يبنى على السكون. والآخر ما كان متحركاً ثم أسكن. الأول منها يجيء أولاً وحشوا وطرفاً. فالأول ما لحقته في الابتداء همزة الوصل. وتكون في الفعل نحو انطلق واستخرج واغدودن وفي الأسماء العشرة: ابن وابنة وامرئ وامرأة واثنين واثنتين واسم واست وابنم وايمن. وفي المصادر نحو انطلاق واستخراج واغديدان وما كان مثله. وفي الحروف في لام التعريف نحو الغلام والخليل. فهذا حال الحرف الساكن إذا كان أولا. وأما كونه حشوا فككاف بكر وعين جعفر ودال يدلف. وكونه أخرا في نحو دال قد ولام هل. فهذه الحروف الممكن تحريكها إلا أنها مبنية على السكون. وأما ما كان متحركاً ثم أسكن فعلى ضربين: متصل ومنفصل. فالمتصل: ما كان ثلاثياً مضموم الثاني أو مكسوره فلك فيه الإسكان تخفيفاً. وذلك كقولك في عَلم: قد عَلْمَ وفي ظُرف: قد ظَرْف وفي رَجُل رَجْل وفي كِبد: كبْد. وسمعت الشجري وذكر طعنة في كتف فقال: رَجْلان من ضَبَّة أخبرانا إنا رأينا رجلا عُريانا وقد جاء هذا فيما كان على أكثر من ثلاثة أحرف قال العجاج: فبات منتصباً وما تكردسا وحكى صاحب الكتاب: أراك منتفخاً وقالوا في قول العجاج: بسَبْحل الدفين عيسجور أراد: سِبَحْل فأسكن الباء وحرك الحاء وغير حركة السين. وقال أبو عثمان في قول الشاعر: هل عرفت الدار أم أنكرتها بين تبراك فشسى عَبَقُرْ أراد: عبْقَر فغير كما ترى إلا أنه حرك الساكن وقال غيره: أراد: عَبَيقُر فحذف الياء كما حذفت من عَرَنْقُضان حتى صارت عَرَقُصانا. وكذلك قوله: لم يلده أبوان قد جاء فيه التحريك والتسكين جميعاً. وكذلك قوله: ولكنني لم أجد من ذلكم بدا وقد مضيا آنفا. وأما المنفصل فإنه شبه بالمتصل وذلك قراءة بعضهم وعليه قراءة بعضهم وأنشد أبو زيد: قالت سليمى اشتر لنا سويقا لأن " تَراَ " كعلم. ومنها: فاحذَرْ ولا تكتَرْ كرِيّا أعوجا وأما لكن قوله: فاليوم أشربْ غير مستحْقِب وقوله: وقد بدا هَنْكِ من المئزر وقوله: سيروا بني العم فالأهوازُ منزلُكم ونهر تيرى ولا تعرفكم العربُ فمسكن كله. والوزن شاهد ومصدقه. وأما دفع أبي العباس ذلك فمدفوع وغير ذي مرجوع إليه. وقد قال أبو علي في ذلك في عدة أماكن من كلامه وقلنا نحن معه ما أيده وشد منه. وكذلك قراءة من قرأ وأما قوله: تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها فقد قيل فيه: إنه يريد: أو يربط على معنى لألزمنه أو يعطيني حقي وقد يكمن عندي أن يكون يرتبط معطوفاً على أرضها أي ما دمت حياً فإني لا أقيم والأول أقوى معنى. وأما قول أبي دواد: فأبلوني بليَّتَكم لعلي أُصالُحكم وأستدرِجْ نَوَيّا فقد يمكن أن يكون أسكن المضموم تخفيفاً واضطراراً. ويمكن أيضاً أن يكون معطوفاً على موضع لعل لأنه مجزوم جواب الأمر كقولك: زرني فلن أضيعك حقك وأعطك ألفا أي زرني أعرف حقك وأعطِك ألفا. وقد كثر إسكان الياء في موضع النصب كقوله: وهو كثير جداً وشبهتت الواو في ذلك بالياء كما شبهت الياء بالألف قال الأخطل: إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها نزلن وأنزلن القطين المولدا وقال الآخر: فمما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب وقول الآخر: وأن يعرين إن كسى الجواري فتنبو العين عن كرم عجاف باب في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد هذا موضع قلما وقع تفصيله. وهو معنى يجب أن ينبه عليه ويحرر القول فيه. ومن ذلك قولهم في ضمة الذال من قولك: ما رأيته مذ اليوم لأنهم يقولون في ذلك: إنهم لما حركوها لالتقاء الساكنين لم يكسروها لكنهم ضموها لأن أصلها الضم في منذ. وهو هكذا لعمري لكنه الأصل الأقرب ألا ترى أن أول حال هذه الذال أن تكون ساكنة وأنها إنما ضمت لالتقاء الساكنين إتباعاً لضمه الميم. فهذا على الحقيقة هو الأصل الأول. فأما ضم ذال منذ فإنما هو في الرتبة بعد سكونها الأول المقدر. ويدلك على أن حركتها إنما هي لالتقاء الساكنين أنه لما زال التقاؤهما سكنت الذال فلي مذ. وهذا واضح. فضمتك الذال إذاً من قولهم: مذُ اليوم ومذُ الليلة إنما هو رد إلى الأصل الأقرب الذي هو مُنْذُ دون الأبعد المقدر الذي هو سكون الذال في مُنْذُ قبل أن يحرك فيما بعده. ولا يستنكر الاعتداد بما لم يخرج إلى اللفظ لأن الدليل إذا قام على شيء كان في حكم الملفوظ به وإن لم يجر على ألسنتهم استعماله ألا ترى إلى قول سيبويه في سودد: إنه إنما ظهر تضعيفه لأنه ملحق بما لم يجئ. هذا وقد علمنا أن الإلحاق إنما هو صناعة لفظية ومع هذا فلم يظهر ذاك الذي قدره ملحقاً هذا به. فلولا أن ما يقوم الدليل عليه مما لم يظهر إلى النطق به بمنزلة الملفوظ به لما ألحقوا سُرْدَدا وسُودَدا بما لم يفوهوا به ولا تجشموا استعماله. ومن ذلك قولهم بعت وقلت فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون الأبعد ألا ترى أن أصلهما فعل بفتح العين: بَيعَ وقَوَل ثم نقلا من فَعَل إلى فِعل وفَعُل ثم قلبت الواو والياء في فعلت ألفاً فالتقى ساكنان: العين المعتلة المقلوبة ألفاً ولام الفعل فحذفت العين لالتقائهما فصار التقدير: قَلْت وبَعْت ثم نقلت الضمة والكسرة إلى الفاء لأن أصلهما قبل القلب فَعُلت وفَعِلت فصار بِعت وقُلْت. فهذا لعمري مراجعة أصل إلا أنه ذلك الأصل الأقرب لا الأبعد ألا ترى أن أول أحوال هذه العين في صيغة المثال إنما هو فتحة العين التي أبدلت منها الضمة والكسرة. وهذا ومن ذلك قولهم في مطايا وعطايا: إنهما لما أصارتهما الصنعة إلى مطاءا وعطاءا أبدلوا الهمزة على أصل ما في الواحد من اللام وهو الياء في مِطيّة وعطيّة ولعمري إن لاميها ياءان إلا أنك تعلم أن أصل هاتين الياءين واوان كأنهما في الأصل مِطيَوة وعَطيَوة لأنهما من مطوت وعطوت أفلا تراك لم تراجع أصل الياء فيهما وإنما لاحظت ما معك في مطية وعطية من الياءت دون أصلهما الذي هو الواو. أفلا ترى إلى هذه المعاملة كيف هي مع الظاهر الأقرب إليك دون الأول الأبعد عنك. ففي هذا تقوية لإعمال الثاني من الفعلين لأنه هو الأقرب إليك دون الأبعد عنك. فاعرف هذا. وليس كذلك صرف ما لا ينصرف ولا إظهار التضعيف لأن هذا هو الأصل الأول على الحقيقة وليس وراءه أصل هذا أدنى إليك منه كما كان فيما أريته قبل. فاعرف بهذا ونحوه حال ما يرد عليك مما هو مردود إلى أول وراءه ما هو أسبق رتبة منه وبين ما يرد إلى أول ليست وراءه رتبة متقدمة له.
اعلم أن كل حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه فإنك حينئذ ترتجل له فرعً ولست تراجع به من ذلك الألفات غير المنقلبة الواقعة أطرافاً للإلحاق أو للتأنيث أو لغيرهما من الصيغة لا غير. فالتي للإلحاق كألف أرطى فيمن قال: مأروط وحبنطي ودَلَنظى. والتي للتأنيث كألف سكرى وغَضْبَى وجُمَادى. والتي للصيغة لا غير كألف ضَبَغْطَرى وقَبَعْثَرى وزِبَعْرًى. فمتى احتجت إلى تحريك واحدة من هذه الألفات للتثنية أو الجمع قلبتها ياء فقلت: أَرطَيانٍ وحَبَنْطَيانٍ وسكريان وجُمَادَيات وحُبَارَيات وضَبَغْطَرَيان وقبعثريان. فهذه الياء فرع مرتجل وليست مراجعاً بها أصل ألا ترى أنه ليس واحدة منها منقلبة أصلاً لا عن ياء ولا غيرها. وليست كذلك الألف المنقلبة كألف مغزى ومدعى لأن هذه منقلبة عن ياء منقلبة عن واو في غزوت ودعوت وأصلهما مَغْزَوٌ ومدْعَوٌ فلما وقعت الواو رابعة هكذا قلبت ياء فصارت مَغْزَيٌ ومَدْعَيٌ ثم قلبت الياء ألفاً فصارت مَدْعًى ومَغْزًى فلما احتجت إلى تحريك هذه الألف راجعت بها الأصل الأقرب وهو الياء فصارتا ياء في قولك: مغزيان ومدعيان. وقد يكون الحرف منقلباً فيضطر إلى قلبه فلا ترده إلى أصله الذي كان منقلباً عنه. وذلك قولك في حمراء: حمراوي وحمراوات. وكذلك صفراوي وصفراوات. فتقلب الهمزة واواً وإن كانت منقلبة عن ألف التأنيث كالتي في نحو بشرى وسكرى. وكذلك أيضاً إذا نسبت إلى شقاوة فقلت: شقاوي. فهذه الواو في شقاوي بدل من همزة مقدرة كأنك لما حذفت الهاء فصارت الواو طرفاً أبدلتها همزة فصارت في التقدير إلى شقاء فأبدلت الهمزة واواً فصار شقاوي قالوا إذاً في شقاوي غير الواو في شقاوة. ولهذا نظائر في العربية كثيرة. ومنها قولهم في الإضافة إلى عدوة: عدوي. وذلك أنك لما حذفت الهاء حذفت له واو فَعُولة كما حذفت لحذف تاء حنيفة ياءها فصارت في التقدير إلى عَدُوٍ فأبدلت من الضمة كسرة ومن الواو ياء فصارت إلى عَدِيٍ فجرت في ذلك مجرى عَمٍ فأبدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألفاً فصارت إلى عَداً كهُدًى فأبدلت من الألف واوا لوقوع ياءي الإضافة بعدها فصارت إلى عَدَوِيّ كهُدَويّ. فالواو إذاً في عَدَوِيّ ليست بالواو في عدُوَّة وإنما هي بدل من ألف بدلٍ من ياء بدلٍ من الواو الثانية في عَدُوّة.فاعرفه.
اعلم أن الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين: أحدهما ما إذا احتيج إليه جاز أن يراجع. والآخر ما لا تمكن مراجعته لأن العرب انصرفت عنه فلم تستعمله. الأول منهما: الصرف الذي يفارق الاسم لمشابهته الفعل من وجهين. فمتى احتجت إلى صرفه فلتأتينكَ قصائدٌ وليدفعاً جيشاً إليك قوادم الأكوار وهو باب واسع. ومنه إجراء المعتل مجرى الصحيح نحو قوله: لا بارك الله في الغواني هل يصبحن إلا لهن مطلب وبقية الباب. ومنه إظهار التضعيف كلححت عينه وضبب البلد وألِلَ السقاء وقوله: الحمد لله العليّ الأجلل وبقية الباب. ومنه قوله: سماء الإله فوق سبع سمائيا ومنه قوله: أهبني التراب فوقه إهبابا وهو كثير. الثاني: منهما وهو ما لا يراجع من الأصول عند الضرورة. وذلك كالثلاثي المعتل العين نحو قام وباع وخاف وهاب وطال. فهذا مما لا يراجع أصله أبداً ألا ترى أنه لم يأت عنهم في نثر ولا نظم شيء منه مصححاً نحو قوم ولا بيع ولا خوف ولا هيب ولا طول. وكذلك مضارعه نحو يقوم ويبيع ويخاف ويهاب ويطول. فأما ما حكاه بعض الكوفيين من قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة فوجهه أنه خرج مخرج المبالغة فلحق بباب قولهم: قضوا الرجل إذا جاد قضاؤه. ورمو إذا جاد رميه. فكما بني فَعُل مما لامه ياء كذلك خرج هذا على أصله في فَعُلَ مما عينه ياء. وعلتهما جميعاً أن هذا بناء لا يتصرف لمضارعته بما فيه من المبالغة لباب التعجب ولنعم وبئس. فلما لم يتصرف احتملوا فيه خروجه في هذا الموضع مخالفاً للباب ألا تراهم إنما تحاموا أن يبنوا فَعُل مما عينه ياء مخافة انتقالهم من الأثقل إلى ما هو أثقل منه لأنه كان يلزمهم أن يقولوا: بُعْتُ أبوع وهو يبوع ونحن نبوع وأنت أو هي تبوع وبوعا وبوعوا وبوعى وهما يبوعان وهم يبوعون ونحو ذلك. وكذلك لو جاء فَعُل مما لامه ياء متصرفاً للزم أن يقولوا: رمُوتُ ورَمُوتَ وأنا أرمو ونحن نرمو وأنت ترمو وهو يرمو وهم يرمون وأنتما ترموان وهن يرمون ونحو ذلك فيكثر قلب الياء واواً وهو أثقل من الياء. فأما قولهم: لرمُوَ الرجل فإنه لا يصرف ولا يفارق موضعه هذا كما لا يتصرف نعم وبئس فاحتمل ذلك فيه لجموده عليه وأمنهم تعديه إلى غيره. وكذلك احتمل هيؤ الرجل ولم يعل لأنه لا يتصرف لمضارعته بالمبالغة فيه باب التعجب ونعم وبئس ولو صرف للزم إعلاله وأن يقال: هاء يهوء وأهوء وتهوء ونهوء وهما يهوءان وهم يهوءون ونحو ذلك فلما لم يتصرف لحق بصحة الأسماء فكما صح نحو القود والحوكة والصيد والغيب كذلك صح هيؤ الرجل فاعرفه كما صح ما أطوله وما أبيعه ونحو ذلك. ومما لا يراجع من الأصول باب افتعل إذا كانت فاؤه صاداً أو ضاداً أو طاء أو ظاء فإن تاءه تبدل طاء نحو اصطبر واضطرب واطرد واظطلم. وكذلك إن كانت فاؤه دالاً أو ذالاً أو زاياً فإن تاءه تبدل دالاً. وذلك نحو قولك أدلج وادكر وازدان. فلا يجوز خروج هذه التاء على أصلها. ولم يأت ذلك في نثر ولا نظم. فأما ما حكاه خلف فيما أخبرنا به أبو علي من قول بعضهم: التقطت النوى واشتقطته واضتقطته فقد يجوز أن تكون الضاد بدلاً من الشين في اشتقطته. نعم ويجوز أن تكون بدلاً من اللام في التقطته فيترك إبدال التاء طاء مع الضاد ليكون ذلك إيذاناً بأنها بدل من اللام أو الشين فتصح التاء مع الضاد كما صحت مع ما الضاد بدل منه. ونظير ذلك قول بعضهم: يا رب أباز من العفر صدع تقبض الذئب إليه واجتمع لما رأى أن لادعه ولا شبع مال إلى أرطاة حقف فالطجع فأبدل لام الطجع من الضاد وأقر الطاء بحالها مع اللام ليكون ذلك دليلاً على أنها بدل من الضاد. وهذا كصحة عور لأنه بمعنى ما تجب صحته وهو اعور. وقد مضى ذلك. ومن ذلك امتناعهم من تصحيح الواو الساكنة بعد الكسرة ومن تصحيح الياء الساكنة بعد الضمة. فأما قراءة أبي عمرو: { يا صالح آيتنا } بتصحيح الياء بعد ضمة الحاء فلا يلزمه عليها أن يقول: يا غلام اوجل. والفرق بينهما أن صحة الياء في { يا صالح آيتنا } بعد الضمة له نظير وهو قولهم: قيل وبيع فحمل المنفصل: على المتصل وليس في كلامهم واو ساكنة صحت بعد كسرة فيجوز قياساً عليه يا غلام اوجل. فإن قلت: فإن الضمة في نحو قيل وبيع لا تصح لأنها إشمام ضم للكسرة والكسرة في يا غلام اوجل كسرة صريحة. فهذا فرق. قيل: الضمة في حاء يا صالحُ ضمة بناء فأشبهت ضمة قيل من حيث كانت بناء وليس لقولك: يا غلام اوجل شبيه فيحمل هذا عليه لا كسرة صريحة ولا كسرة مشوبة. فأما تفاوت ما بين الحركتين في كون إحداهما ضمة صريحة والأخرى ضمة غير صريحة فأمر تغتفر العرب ما هو أعلى وأظهر منه. وذلك أنهم قد اغتفروا اختلاف الحرفين مع اختلاف الحركتين في نحو جمعهم في القافية بين سالم وعالم مع قادم وظالم فإذا تسمحوا بخلاف الحرفين مع الحركتين كان تسمحهم بخلاف الحركتين وحدهما في يا صالح آيتنا وقيل وبيع أجدر بالجواز. فإن قلت: فقد صحت الواو الساكنة بعد الكسرة نحو اجلواذ واخرواط قيل: الساكنة هنا لما أدغمت في المتحركة فنبا اللسان عنهما جميعاً نبوة واحدة جرتا لذلك مجرى الواو المتحركة بعد الكسرة نحو طول وحول. وعلى أن بعضهم قد قال: اجليواذا فأعل مراعاة لأصل ما كان عليه الحرف ولم يبدل الواو بعدها لمكان الياء إذ كانت هذه الياء غير لازمة فجرى ذلك في الصحة مجرى ديوان فيها. ومن قال: ثيرة وطيال فقياس قولهم هنا أن يقول: اجلياذا فيقلبهما جميعاً إذ كانا قد جريا مجرى الواو الواحدة المتحركة. فإن قيل: فالحركتان قبل الألفين في سالم وقادم كلتاهما فتحة وإنما شيبت إحداهما بشيء من الكسرة وليست كذلك الحركات في حاء يا صالح وقاف قيل من حيث كانت الحركة في حاء يا صالحُ ضمة البتة وحركة قاف قيل كسرة مشوبة بالضم فقد ترى الأصلين هنا مختلفين وهما هناك أعني في سالم وقادم متفقان. قيل: كيف تصرفت الحال فالضمة في قيل مشوبة غير مخلصة كما أن الفتحة في سالم مشوبة مخلصة نعم ولو تطمعت الحركة في قاف قيل لوجدت حصة الضم فيها أكثر من حصة الكسر أو أدون حالها أن تكون في الذوق مثلها ثم من بعد ذلك ما قدمناه من اختلاف الألفين في سالم وقادم لاختلاف الحركتين قبلهما الناشئة هما عنهما وليست الياء في قيل كذلك بل هي ياء مخلصة وإن كانت الحركة قبلها مشوبة غير مخلصة. وسبب ذلك أن الياء الساكنة سائع غير مستحيل فيها أن تصح بعد الضمة المخلصة فضلاً عن الكسرة المشوبة بالضم ألا تراك لا يتعذر عليك صحة الياء وإن خلصت قبلها الضمة في نحو ميسر في اسم الفاعل من أيسر لو تجشمت إخراجه على الصحة وكذلك لو تجشمت تصحيح واو موزان قبل القلب وإنما ذلك تجشم الكلفة لإخراج الحرفين مصححين غير معلين. فأما الألف فحديث غير هذا ألا ترى أنه ليس في الطوق ولا من تحت القدرة صحة الألف بعد الضمة ولا الكسرة بل إنما هي تابعة للفتحة قبلها فإن صحت الفتحة قبلها صحت بعدها وإن شيبت الفتحة بالكسرة نحي بالألف نحو الياء نحو سالم وعالم وإن شيبت بالضمة نحى بالألف نحو الواو في الصلاة والزكاة وهي ألف التفخيم. فقد بان لك بلك فرق ما بين الألف وبين الياء والواو. فهذا طرف من القول على ما يراجع من الأصول للضرورة مما يرفض فلا يراجع. فاعرفه وتنبه على أمثاله فإنه كثيرة.
فمن الأول قولهم: صغت الخاتم وحكت الثوب ونحو ذلك. وذلك أن فعلت هنا عديت فلولا أن أصل هذا فعلت بفتح العين لما جاز أن تعمل فعلت. ومن ذلك بيت الكتاب: ألا ترى أن أول البيت مبني على اطراح ذكر الفاعل وأن آخره قد عوود فيه الحديث عن الفاعل لأن تقديره فيما بعد: ليبكه مختبط مما تطيح الطوائح. فدل قوله: ليبك على ما أراده من قوله: ليبكه. ونحوه قوله الله تعالى: ونحو من البيت قول الله تعالى: ومن الأصول المراعاة قولهم: مررت برجل ضارب زيد وعمرا وليس زيد بقائم ولا قاعدا و ومن ضد ذلك: هذان ضارباك ألا ترى أنك لو اعتددت بالنون المحذوفة لكنت كأنك قد جمعت بين الزيادتين المعتقبتين في آخر الاسم. وعلى هذا القياس أكثر الكلام: أن يعامل الحاضر فيغلب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه. وهو شاهد لقوة إعمال الثاني من الفعلين لقوته وغلبته على إعمال الأول لبعده. ومن ذلك قوله: وما كل من وافى منى أنا عارف فيمن نون أو أطلق مع رفع كل. ووجه ذلك أنه إذا رفع كلاّ فلا بد من تقديره الهاء ليعود على المبتدأ من خبره ضمير وكل واحد من التنوين في عارف ومدة الإطلاق في عارفو ينافي اجتماعه مع الهاء المرادة المقدرة ألا ترى أنك لو جمعت بينهما فقلت: عارفنه أو عارفوه لم يجز شيء من ذينك. وإنما هذا لمعاملة الحاضر واطراح حكم الغائب. فاعرفه وقسه فإنه باب واسع.
قال أبو عثمان: لا يضاف ضارب إلى فاعله لأنك لا تضيفه إليه مضمراً فكذلك لا تضيفه إليه مظهراً. قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل لما جازت إضافته إليه مضمراً. كأن أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب المضمر فقدمه وحمل عليه المظهر من قبل أن المضمر أقوى حكماً في باب الإضافة من المظهر. وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة وهو التنوين من المظهر. ولذلك لا يجتمعان في نحو ضاربانك وقاتلونه من حيث كان المضمر بلطفه وقوة اتصاله مشابهاً للتنوين بلطفه وقوة اتصاله وليس كذلك المظهر لقوته ووفور صورته ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه نحو ضاربان زيداً وقاتلون عمراً. فلما كان المضمر مما تقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر وإن كان هو الأصل عليه وأصاره لما ذكرناه إليه. ومن ذلك قولهم: إنما استوى النصب والجر في المظهر في نحو رأيت الزيدين ومررت بالزيدين لاستوائهما في المضمر نحو رأيتك ومررت بك. وإنما كان هذا الموضع للمضمر حتى حمل عليه حكم المظهر من حيث كان المضمر عارياً من الإعراب فإذا عرى منه جاز أن يأتي منصوبه بلفظ مجروره وليس كذلك المظهر لأن باب الإظهار أن يكون موسوماً بالإعراب فلذلك حملوا الظاهر على المضمر في التثنية وإن كان المظهر هو الأصل إذ كان المراعى هنا أمراً غير الفرعية والأصلية وإنما هو أمر الإعراب والبناء. وإذا تأملت ذلك علمت أنك في الحقيقة إنما حملت فرعاً على أصل لا أصلاً على فرع ألا ترى أن المضمر أصل في عدم الإعراب فحملت المظهر عليه لأنه فرع في البناء كما حملت المظهر على المضمر في باب الإضافة من حيث كان المضمر هو الأصل في مشابهته التنوين والمظهر فرع عليه في ذلك لأنه إنما يتأصل في الإعراب لا في البناء. فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تخنع لها ولا تعط باليد مع أول ورودها وتأت لها ولاطف بالصنعة ما يورده الخصم منها مناظراً كان أو خاطراً. وبالله التوفيق.
هذا فصل موجود في العربية لفظاً وقد أعطته مقاداً عليه وقياساً. وذلك نحو كسرة ما قبل ياء المتكلم في نحو غلامي وصاحبي. فهذه الحركة لا إعراب ولا بناء. أما كونها غير إعراب فلأن الاسم يكون مرفوعاً ومنصوباً وهي فيه نحو هذا غلامي ورأيت صاحبي وليس بين الكسر وبين الرفع والنصب في هذا ونحوه نسبة ولا مقاربة. وأما كونها غير بناء فلأن الكلمة معربة متمكنة فليست الحركة إذن في آخرها ببناء ألا ترى أن غلامي في التمكن واستحقاق الإعراب كغلامك وغلامهم وغلامنا. فإن قلت: فما الكسرة في نحو مررت بغلامي ونظرت إلى صاحبي أإعراب هي أم من جنس الكسرة في الرفع والنصب قيل: بل هي من جنس ما قبلها وليست إعراباً ألا تراها ثابتة في الرفع والنصب. فعلمت بذلك أن هذه الكسرة يكره الحرف عليها فيكون في الحالات ملازماً لها. وإنما يستدل بالمعلوم على المجهول. فكما لا يشك أن هذه الكسرة في الرفع والنصب ليست بإعراب فكذلك يجب أن يحكم عليها في باب الجر إذ الاسم واحد فالحكم عليه إذاً في الحلات واحد. إلا أن لفظ هذه الحركة في حال الجر وإن لم تكن إعراباً لفظها لو كانت إعراباً كما أن كسرة الصاد في صِنْو غير كسرة الصاد في صِنْوان حكماً وإن كانت إياها لفظاً. وقد مضى ذلك وسنفرد لما يتصل به باباً. ومن ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافة نحو الرجل وغلامك وصاحب الرجل. فهذه الأسماء كلها وما كان نحوها لا منصرفة ولا غير منصرفة. وذلك أنها ليست بمنونة فتكون منصرفة ولا مما يجوز للتنوين حلوله للصرف فإذا لم يوجد فيه كان عدمه منه أمارة لكونه غير منصرف كأحمد وعمر وإبراهيم ونحو ذلك. وكذلك التثنية والجمع على حدها نحو الزيدان والعمرين والمحمدون وليس شيء من ذلك منصرفاً ولا غير منصرف معرفة كان أو نكرة من حيث كانت هذه الأسماء ليس مما ينون مثلها فإذا لم يوجد فيها التنوين كان ذهابه عنها أمارة لترك صرفها. ومن ذلك بيت الكتاب: له زجل كأنه صوت حاد فحذف الواو من قوله كأنه لا على حد الوقف ولا على حد الوصل. أما الوقف فيقضى بالسكون: كأنْه. وأما الوصل فيقضى بالمَطْل وتمكين الواو: كأنهو فقوله إذاً كأنهُ منزلة بين الوصل والوقف. وكذلك أيضاً سواءً قوله: يا مرحباه بحمار ناجيه إذا أتى قربته للسانيه فثبات الهاء في مرحباه ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل: أما الوقف فيؤذن بأنها ساكنة: يا مرحباهْ. وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلاً: يامرحبا بحماز ناجية. فثباتها إذاً في الوصل متحركة منزلة بين المنزلتين. وكذلك سواء قوله: ببازلٍ وجناءً أو عًيْهلِّ فإثبات الياء مع التضعيف طريف. وذلك أن التثقيل من أمارة الوقف والياء من أمارة الإطلاق. فظاهر هذا الجمع بين الضدين فهو إذاً منزلة بين المنزلتين. وسبب جواز الجمع بينهما أن كل واحد منهما قد كان جائزاً على انفراده فإذا جمع بينهما فإنه على كل حال لم يكلف إلا بما من عادته أن يأتي به مفرداً وليس على النظر بحقيقة الضدين كالسواد والبياض والحركة والسكون فيستحيل اجتماعهما. فتضادهما إذاً إنما هو في الصناعة لا في الطبيعة. والطريق متلئبة منقادة والتأمل يوضحها ويمكنك منها.
|