الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: قوله عز وجل: {قُلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} أي أسرفوا على أنفسهم في الشرك.ويحتمل ثانيًا: أسرفوا على أنفسهم في ارتكاب الذنوب مع ثبوت الإيمان والتزامه {لا تقنطوا من رحمة الله} أي لا تيأسوا من رحمته.{إن الله يغفر الذنوب جميعًا} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: يغفرها بالتوبة منها، قاله الحسن.الثاني: يغفرها بالعفو عنها إلا الشرك.الثالث: يغفر الصغائر باجتناب الكبائر.{إنه هو الغفور الرحيم} قيل نزلت هذه الآية والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة، قاله الحسن والكلبي، وقال علي عليه السلام: ما في القرآن آية أوسع منها. وروى ثوبان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية».قوله عز وجل: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} فيه خمسة تأويلات:أحدها: هو ما أمرهم الله به في الكتاب، قاله السدي.الثاني: أن يأخذوا ما أمر وينتهوا عما نهوا عنه، قاله الحسن.الثالث: هو الناسخ دون المنسوخ، حكاه ابن عيسى.الرابع: هو طاعة الله تعالى في الحرام والحلال قاله ابن زياد.الخامس: تأدية الفرائض، قاله زيد بن علي، ومعاني أكثرها متقاربة.ويحتمل سادسًا: أنه الأخذ بالعزيمة دون الرخصة. وجعله منزلًا عليهم لأنه منزل إليهم على نبيهم صلى الله عليه وسلم.قوله عز وجل: {أن تقول نفس يا حَسْرتَا} فيه وجهان:أحدهما: معناه لئلا تقول نفس.الثاني: أن لا تقول نفس، والألف التي في يا حسرتا بدل من ياء الإضافة ففعل ذلك في الاستغاثة لمدة الصوت بها.{على ما فرطت في جنب الله} فيه ستة تأويلات:أحدها: في مجانبة أمر الله، قاله مجاهد والسدي.الثاني: في ذات الله، قاله الحسن.الثالث: في ذكر الله، قاله السدي، وذكر الله هنا القرآن.الرابع: في ثواب الله من الجنة حكاه النقاش.الخامس: في الجانب المؤدي إلى رضا الله، والجنب والجانب سواء.السادس: في طلب القرب من الله ومنه قوله تعالى: {والصاحب بالجنب} أي بالقرب.{وإن كنت لمن الساخرين} فيه وجهان: أحدهما: من المستهزئين في الدنيا بالقرآن، قاله النقاش.الثاني: بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين، قاله يحيى بن سلام.قوله عز وجل: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: بنجاتهم من النار.الثاني: بما فازوا به من الطاعة.الثالث: بما ظفروا من الإدارة.ويحتمل رابعًا: بما سلكوا فيه مفاز، الطاعات الشاقة، مأخوذ من مفازة السفر.{لا يمسهم السُّوءُ} لبراءتهم منه.{ولا هم يحزنون} فيه وجهان:أحدهما: لا يحزنون، بألا يخافوا سوء العذاب.الثاني: لا يحزنون على ما فاتهم من ثواب الدنيا.{وما قدروا الله حق قدرِه} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: وما عظموه حق عظمته إذ عبدوا الأوثان من دونه، قاله الحسن.الثاني: وما عظموه حق عظمته إذ دعوا إلى عبادة غيره، قاله السدي.الثالث: ما وصفوه حق صفته، قاله قطرب.{والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة} فيه وجهان:أحدهما: أن قبضه استبدالها بغيرها لقوله: {يوم تبدل الأرض} [إبراهيم: 48] وهو محتمل.الثاني: أي هي في مقدوره كالذي يقبض عليه القابض في قبضته.{والسموات مطويات بيمينه} فيه وجهان:أحدهما: بقوته لأن اليمين القوة.الثاني: في ملكه كقوله: {وماملكت أيمانكم} [النساء: 36].ويحتمل طيها بيمينه وجهين:أحدهما: طيها يوم القيامة. لقوله يوم نطوي السماء.الثاني: أنها في قبضته مع بقاء الدنيا كالشيء المطوي لاستيلائه عليها.{سبحانه وتعالى عما يشركون} روى صفوان بن سليم أن يهوديًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم إن الله أنزل عليك {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} فأين يكون الخلق؟ قال «يكونون في الظلمة عند الجسر حتى ينجي الله من يشاء قال: والذي أنزل التوراة على موسى ما على الأرض أحد يعلم هذا غيرى وغيرك».قوله عز وجل: {ونفخ في الصُّور فصعق مَنْ في السموات ومن في الأرض} فيه وجهان:أحدهما: أن الصعق الغَشي، حكاه ابن عيسى.الثاني: وهو قول الجمهور أنه الموت وهذا عند النفخة الأولى.{إلا من شاء الله} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام. وملك الموت يقبض أرواحهم بعد ذلك، قاله السدي ورواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.الثاني: الشهداء، قاله سعيد بن جبير.الثالث: هو الله الواحد القهار، قاله الحسن.{ثم نفخ فيه أخرى} وهي النفخة الثانية للبعث.{فإذا هم قيام ينظرون} قيل قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به.ويحتمل وجهًا آخر ينظرون ما يؤمرون به.قوله عز وجل: {وأشرقتِ الأرض} إشراقها إضاءتها، يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت، وشَرَقت إذا طلعت.وفي قوله: {بِنُورِ رَبِّها} وجهان:أحدهما: بعدله، قاله الحسن.الثاني: بنوره وفيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه نور قدرته.الثاني: نور خلقه لإشراق أرضه.الثالث: أنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه لأنه نهار لا ليل معه.{ووضع الكتاب} فيه وجهان:أحدهما: الحساب، قاله السدي.الثاني: كتاب أعمالهم، قاله قتادة.{وجيء بالنبين الشهداء} فيهم قولان:أحدهما: أنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم للأنبياء أنهم قد بلغوا، وأن الأمم قد كذبوا، قاله ابن عباس.الثاني: أنهم الذين استشهدوا في طاعة الله، قاله السدي.{وقضي بينهم بالحق} قال السدي بالعدل {وهم لا يظلمون} قال سعيد بن جبير لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.قوله عز وجل: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرًا} فيه أربعة أوجه:أحدها: أفواجًا، قاله الحسن.الثاني: أممًا، قاله الكلبي.الثالث: جماعات، قاله السدي. قال الأخفش جماعات متفرقة، بعضها إثر بعض واحدها زمرة. قال خفاف بن ندبة:الرابع: دفعًا وزجرًا بصوت كصوت المزمار، ومن قولهم مزامير داود.قوله عز وجل: {سلام عليكم طبتم} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: طبتم بطاعة الله قاله مجاهد.الثاني: طبتم بالعمل الصالح، قاله النقاش.الثالث: ما حكاه مقاتل أن على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشرب المؤمنون من إحداهما فتطهر أجوافهم فذلك قوله: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أبشارهم، فعندها يقول لهم خزنتها: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} فإذا دخلوها قالوا {الحمد لله الذي صدقنا وعده}.وفي معنى طبتم ثلاثة أوجه:أحدها: نعمتم، قاله الضحاك.الثاني: كرمتم، قاله ثعلب.الثالث: زكوتم، قاله الفراء وابن عيسى.{وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده} وعده في الدنيا بما نزل به القرآن، وفيه وجهان:أحدهما: أنه وعده بالجنة في الآخرة ثوابًا على الإيمان.الثاني: أنه وعده في الدنيا بظهور دينه على الأديان، وفي الآخرة بالجزاء على الإيمان.{وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاءُ} وفي هذه الأرض قولان:أحدهما: أرض الجنة، قاله أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسدي وأكثر المفسرين.الثاني: أرض الدنيا. فإن قيل إنها أرض الجنة ففي تسميتها ميراثًا وجهان:أحدهما: لأنها صارت إليهم في آخر الأمر كالميراث.الثاني: لأنهم ورثوها من أهل النار، وتكون هذه الأرض من جملة الجزاء والثواب، والجنة في أرضها كالبلاد في أرض الدنيا لوقوع التشابه بينهما قضاء بالشاهد على الغائب.{نتبوأ من الجنة حيث نشاء} يعني منازلهم التي جوزوا بها، لأنهم مصروفون عن إرادة غيرها.وفي تأويل قوله: {حيث نشاء} وجهان:أحدهما: حيث نشاء من منزلة وعلو.الثاني: حيث نشاء من منازل ومنازه، فإن قيل إنها أرض الدنيا فهي من النعم دون الجزاء.ويحتمل تأويله وجهين:أحدهما: أورثنا الأرض بجهادنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بثوابنا.الثاني: وأورثنا الأرض بطاعة أهلها لنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بطاعتنا له لأنهم أطاعوا فأطيعوا.{فنعم أجر العاملين} يحتمل وجهين:أحدهما: فنعم أجر العاملين في الدنيا الجنة في الآخرة.الثاني: فنعم أجر من أطاع أن يطاع.قوله عز وجل: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} قال قتادة: محدقين.{يسبحون بحمد ربهم} وتسبيحهم تلذذ لا تعبد. وفي قوله.{بحمد ربهم} وجهان:أحدهما: بمعرفة ربهم، قاله الحسن.الثاني: يذكرون بأمر ربهم، قاله مقاتل.{وقضي بينهم بالحق} أي بالعدل وفيه قولان:أحدهما: وقضي بينهم بعضهم لبعض.الثاني: بين الرسل والأمم، قاله الكلبي.{وقيل الحمد لله رب العالمين} وفي قائله قولان:أحدهما: أنه من قول الملائكة، فعلى هذا يكون حمدهم لله على عدله في قضائه.الثاني: أنه من قول المؤمنين.فعلى هذا يحتمل حمدهم وجهين:أحدهما: على أن نجاهم مما صار إليه أهل النار.الثاني: على ما صاروا إليه من نعيم الجنة، فختم قضاؤه في الآخرة بالحمد كما افتتح خلق السموات والأرض بالحمد في قوله: {الحمد لله الذي خلق السموات وَالأَرضَ} [الأنعام: 1] فتلزم الاقتداء به والأخذ بهديه في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمه بحمده وبالله التوفيق. اهـ.
|