الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الرابعة: (حديث جُبَير بن مُطْعِم): وقال ابن ماجه: المُؤْتَة يعني الجنون. والنَّفْث: نفخ الرجل مِن فيه من غير أن يخرج ريقه. والكِبر: التِّيهُ. وروى أبو داود عن أبي سعيد الخُدْري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبّر ثم يقول: «سبحانك اللّهُم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من هَمْزه ونَفْخه ونَفْثه؛ ثم يقرأ». وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه الله أن الاستعاذة: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. بسم الله الرحمن الرحيم. قال ابن عطية: وأما المقرئون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله تعالى وفي الجهة الأخرى، كقول بعضهم: أعوذ بالله المجيد، من الشيطان المريد؛ ونحو هذا مما لا أقول فيه: نِعمت البِدْعة، ولا أقول: إنه لا يجوز. .الخامسة: (إظهار الاستعاذة في أوّل قراءة سورة (الحمد)): .السادسة: (الندب إلى الاستعاذة في غير الصلاة): .السابعة: (الاستعاذة بعد القراءة): قلنا: فائدتها امتثال الأمر؛ وليس للشرعيات فائدة إلا القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمرًا أو اجتنابها نهيًا؛ وقد قيل: فائدتها امتثال الأمر بالاستعاذة من وسوسة الشيطان عند القراءة؛ كما قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُا لا إِلَاهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الحج: 52]. قال ابن العربي: ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] قال: ذلك بعد قراءة أمّ القرآن لمن قرأ في الصلاة، وهذا قول لم يرد به أثر، ولا يَعضُده نظر؛ فإن كان هذا كما قال بعض الناس: إن الاستعاذة بعد القراءة، كان تخصيص ذلك بقراءة أمّ القرآن في الصلاة دعوى عريضة، ولا تشبه أصل مالك ولا فهمه؛ فالله أعلم بسرّ هذه الرواية. .الثامنة: (فضل التعوّذ): .التاسعة: (معنى الاستعاذة في كلام العرب): والعرب تقول عند الأمر (تنكره): حُجْرًا له (بالضم) أي دفعًا، وهو استعاذة من الأمر. والعوذة والمعاذة والتعويذ كله بمعنىً. وأصل أعوذ: أعْوُذ نقلت الضمة إلى العين لاستثقالها على الواو فسكنت. .العاشرة: (الشيطان واحد الشياطين): وبئر شَطُون أي بعيدة القعر. والشَّطَن: الحبل؛ سُمّيَ به لبعد طرفيه وامتداده. ووصف أعرابي فرسا (لا يَحْفَى) فقال: كأنه شيطان في أشْطان. وسُمّيَ الشيطان شيطانًا لبعده عن الحق وتمرّده؛ وذلك أن كل عاتٍ متمّردٍ من الجنّ والإنس والدواب شيطان؛ قال جرير: وقيل: إن شيطانًا مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك، فالنون زائدة. وشاط إذا احترق. وشيّطت اللحم إذا دخنته ولم تنضجه. واشتاط الرجل إذا احتدّ غضبًا. وناقة مِشياط التي يطير فيها السِّمَن. واشتاط إذا هلك؛ قال الأعشى: أي يهلك. ويردّ على هذه الفرقة أن سيبويه حكى أن العرب تقول: تَشيْطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين، فهذا بيّن أنه تفيعل من شطن، ولو كان من شاط لقالوا: تشيّط، ويردّ عليهم أيضًا بيت أُمَيّة بن أبي الصَّلْت: فهذا شاطن من شطن لا شك فيه. .الحادية عشرة: (الرجيم أي المبعد من الخير المهان): .الثانية عشرة: (لعن النبي للشيطان الرجيم): وقال ابن كثير قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، حدثنا غسان بن عبيد، عن أبي عمران الجَوْني، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وضعت جنبك على الفراش، وقرأت فاتحة الكتاب و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} فقد أمنت من كل شيء إلا الموت». .الكلام على تفسير الاستعاذة: فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه، ليرده عنه طبعُهُ الطَّيب الأصل إلى الموادة والمصافاة، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل؛ كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] وقال: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50]، وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين، وكذب، فكيف معاملته لنا وقد قال: {فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83]، وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 98، 99] قالت طائفة من القراء وغيرهم: نتعوذ بعد القراءة، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة؛ وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه، وأبو حاتم السجستاني، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جُبارة الهذلي المغربي في كتاب (الكامل). وروي عن أبي هريرة- أيضا- وهو غريب. ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال: وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة عن مالك، رحمه الله تعالى، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة، واستغربه ابن العربي. وحكى قول ثالث وهو الاستعاذة أولا وآخرا جمعا بين الدليلين نقله فخر الدين. والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها، إنما تكون قبل التلاوة، ومعنى الآية عندهم: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] أي: إذا أردتم القيام. والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبَّر قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك». ويقول: «لا إله إلا الله» ثلاثًا، ثم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من هَمْزه ونَفْخِه ونَفْثه».
|