الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير
.الحديث الثَّانِي عشر: هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب حد الزِّنَا فَرَاجعه. .الحديث الثَّالِث عشر: هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ فِي وسيطه فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوله: «أسرقت؟ قل لَا» لم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة. وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي ذَلِك حَيْثُ قَالَ: لم يصححوا هَذَا الحَدِيث، وتبعا فِي ذَلِك الإِمَام فَإِنَّهُ قَالَ فِي نهايته: إِن صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِلْمَرْفُوعِ بتهمة السّرقَة إِلَيْهِ: «مَا إخالك سرقت، أسرقت أم لَا» وَسمعت بعض أَئِمَّة الحَدِيث لَا يصحح هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ: «قل» فيبقي الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَهُوَ قَوْله: «مَا إخالك سرقت» وَقَالَ فِي بَاب الشَّهَادَة عَلَى الْحُدُود: سَيَأْتِي الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِلْمَرْفُوعِ إِلَيْهِ بتهمة السّرقَة: «مَا إخالك سرقت»، وَفِي بعض الْأَلْفَاظ: «أسرقت؟ قل: لَا. قَالَ ذَلِك سرًّا». قَالَ: وغالب ظَنِّي أَن هَذِه الزِّيَادَة لم تصح عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث. قَالَ: وَحَدِيث «مَا إخالك سرقت» إِمَّا يقدم فِيهِ الْحَث عَلَى الرُّجُوع لَا عَلَى الإيجاز فَإِنَّهُ اعْترف عِنْده مرّة، ثمَّ قَالَ لَهُ ذَلِك مرّة أُخْرَى. قلت: وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَوْقُوفا «أَنه أُتِي بِجَارِيَة سرقت، فَقَالَ لَهَا: سرقت. قولي: لَا. قَالَت: لَا. فخلى سَبِيلهَا». .الحديث الرَّابِع عشر: هَذَا الحَدِيث تقدم فِي بَابه. .الحديث الخَامِس عشر: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه بِزِيَادَة فِي أَوله فِي تَرْجَمَة حَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة فَقَالَ: ثَنَا هَارُون بن عبد الله، ثَنَا حَمَّاد بن مسْعدَة، عَن ابْن جريج، عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة، عَن حَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بسارق فَقيل: يَا رَسُول الله، إِنَّه لناس من الْأَنْصَار مَا لَهُم مَال غَيره فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الثَّانِيَة فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الثَّالِثَة فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الرَّابِعَة فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الْخَامِسَة فَقطع يَمِينه، ثمَّ أُتِي بِهِ السَّادِسَة فَقطع رجله، ثمَّ أُتِي بِهِ السَّابِعَة فَقطع يَده، ثمَّ أُتِي بِهِ الثَّامِنَة فَقطع رجله، ثمَّ قَالَ: أَربع بِأَرْبَع». ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث أخرجه هَارُون فِي الْمسند وَلَا أَحسب لِلْحَارِثِ بن عبد الله صُحْبَة. قلت: وَذكره أَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة ثمَّ سَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الْبَغَوِيّ، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن جريج عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة، عَن الْحَارِث بن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة، عَن أَبِيه عَن عمر. وَعبد الْكَرِيم هَذَا كذبه أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَضرب أَحْمد عَلَى حَدِيثه، قَالَ: وَهُوَ يشبه الْمَتْرُوك. وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. .الحديث السَّادِس عشر: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث أَحْمد بن الْعَبَّاس، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن سعد، أبنا الْوَاقِدِيّ، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن خَالِد بن سَلمَة، أرَاهُ عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة. والواقدي حَالَته مَعْلُومَة، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: أبنا بعض أَصْحَابنَا عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «السَّارِق إِذا سرق فَاقْطَعُوا يَده، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله». .الحديث السَّابِع عشر: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك، وَقَالَ فِي آخِره «فَأمر بقتْله» وَهُوَ هُوَ، وَسبب ضعفه مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان الرهاوي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ ضَعِيف، وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث جَابر أَيْضا قَالَ: «جِيءَ بسارق إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق قَالَ: اقطعوه. فَقطع ثمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق. قَالَ: اقطعوه ثمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق. فَقَالَ: اقطعوه ثمَّ جِيءَ بِهِ الرَّابِعَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق. قَالَ اقطعوه. فَأتي بِهِ الْخَامِسَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. قَالَ جَابر: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى مربد النعم فاستلقى عَلَى ظَهره فقتلناه، ثمَّ اجتررناه فألقيناه فِي بِئْر، ورمينا عَلَيْهِ الْحِجَارَة». وَفِي إِسْنَاده مُصعب بن ثَابت وَقد ضَعَّفُوهُ. قَالَ النَّسَائِيّ فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَمصْعَب بن ثَابت قد ضَعَّفُوهُ. قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث، وَلَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا صَحِيحا. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذِه الرِّوَايَة شَاذَّة وَإِن أخرجهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ صَاحب الاستذكار: قَالَ النَّسَائِيّ: مُصعب لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَإِن كَانَ الْقطَّان رَوَى عَنهُ، وَهَذَا الحَدِيث غير صَحِيح، وَلَا أعلم فِي الْبَاب حَدِيثا صَحِيحا عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِيهِ الْقَتْل فِي الْخَامِسَة، وَلَا أعلم أحدا من أهل الْعلم قَالَ بِهِ، إِلَّا مَا ذكره أَبُو مُصعب صَاحب مَالك فِي مُخْتَصره عَن أهل الْمَدِينَة- مَالك وَغَيره- قَالَ: فَإِن سرق الْخَامِسَة قتل كَمَا قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعُثْمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَ: وَكَانَ مَالك يَقُول: لَا يقتل. قَالَ أَبُو عمر: حَدِيث الْقَتْل مُنكر لَا أصل لَهُ، وَقد ثَبت عَنهُ أَنه «لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث» وَلم يذكر السَّارِق فِيهَا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي السّرقَة: «فَاحِشَة وفيهَا عُقُوبَة» وَلم يذكر قتلا، وَعَلَى هَذَا جُمْهُور الْعلمَاء. قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ لَا خلاف فِيهِ عِنْد أحدٍ من أهل الْعلم عَلَيْهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ عقب هَذِه: السّنة مصرحة بالناسخ وَالْإِجْمَاع من الْأَئِمَّة عَلَى أَنه لَا يقتل. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: الْقَتْل مَنْسُوخ؛ لِأَنَّهُ وَقع إِلَيْهِ سَارِق فِي الْخَامِسَة فَلم يقْتله. وَأجَاب الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب عَنهُ بجوابين: أَحدهمَا: مَا قدمْنَاهُ من الشَّيْخ، وَثَانِيهمَا: أَنه مَجْهُول عَلَى أَنه قَتله بزنا أَو استحلال. وَأجَاب ابْن الصّباغ بخصوصيته ذَلِك السَّارِق وَمَا سلف من الْإِجْمَاع حَكَاهُ أَيْضا لَكِن حَكَى الرَّوْيَانِيّ عَن عُثْمَان وَعبد الله بن عَمْرو بن العاصِ وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَنه يقتل. .الحديث الثَّامِن عشر: هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن الدَّرَاورْدِي، عَن يزِيد بن خصيفَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بسارق قد سرق شملة، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن هَذَا سرق، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا إخَاله سرق. قَالَ السَّارِق: بلَى يَا رَسُول الله. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اذْهَبُوا بِهِ فاقطعوه، ثمَّ احسموه، ثمَّ ائْتُونِي بِهِ. فَقطع فَأتي بِهِ، فَقَالَ: تب إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ: تبت إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: تَابَ الله عَلَيْك» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث وَصله يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن الدَّرَاورْدِي، وَتَابعه عَلَيْهِ غَيره، وأرسله عَنهُ عَلّي بن الْمَدِينِيّ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ وَاحِد مِنْهُم فَوق ابْن ثَوْبَان إِلَى أحد، وَبَلغنِي أَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق رَوَاهُ عَن يزِيد بن خصيفَة عَن ابْن ثَوْبَان عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا أرَاهُ حفظه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَنهُ فِيهِ أَيْضا مُرْسلا. قلت: رَجحه ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن خُزَيْمَة، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاد مُتَّصِل لَا بَأْس بِهِ. قَالَ: وَيزِيد بن خصيفَة لَا بَأْس بِهِ يَقع هَكَذَا فِي الْأَكْثَر مَنْسُوبا إِلَى جده، وَهُوَ يزِيد بن عبد الله بن خصيفَة ثِقَة بِلَا خلاف. .الحديث التَّاسِع عشر: هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه «أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن محيريز قَالَ: «سَأَلنَا فضَالة بن عبيد عَن تَعْلِيق الْيَد فِي الْعُنُق للسارق أَمن السّنة؟ قَالَ: أُتِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بسارق فَقطعت يَده، ثمَّ أَمر بهَا فعلقت فِي عُنُقه». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عمر بن عَلّي، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَعبد الرَّحْمَن أَخُو عبد الله بن محيريز وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن محيريز قَالَ: سَأَلت فضَالة. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: لم يعرف التِّرْمِذِيّ بِشَيْء من حَال عبد الرَّحْمَن، وَهِي لَا تعرف، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ وَلَا ابْن أبي حَاتِم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْحجَّاج بن أَرْطَاة ضَعِيف، وَلَا يحْتَج بِخَبَرِهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر الإِمَام ثَلَاثَة أُمُور مستغربة مِنْهَا: أَن من الْأَصْحَاب من لم ير التَّعْلِيق وَلم يصحح الْخَبَر فِيهِ، انْتَهَى. وَقد علمت ضعف الْخَبَر غَرِيبا دَلِيلا وَإِن كَانَ غَرِيبا. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنّه. .وَأما آثاره: .أَحدهَا: وَهَذَا الْأَثر غَرِيب عَن عمر، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ يَقُول: «لَيْسَ عَلَى من سرق من بَيت المَال قطع» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن عبيد بن الأبرص قَالَ: «شهِدت عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الرحبة وَهُوَ يقسم خمْسا بَين النَّاس، فَسرق رجل من حَضرمَوْت مغفر حَدِيد من الْمَتَاع، فَأتي بِهِ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قطع هُوَ خائن وَله نصيب». وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُف: أخبرنَا بعض أشياخنا، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَن عبدا من رَقِيق الْخمس سرق من الْخمس فَلم يقطعهُ، وَقَالَ: مَال الله بعضه فِي بعض» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ مَوْصُولا بِذكر ابْن عَبَّاس فِيهِ، وَفِي إِسْنَاده ضعف. قلت: سَببه حجاج بن أَرْطَاة، وجبارة بن الْمُغلس. .الْأَثر الثَّانِي: وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه. .الْأَثر الثَّالِث: وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ فِي مُسْنده عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن السَّائِب بن يزِيد «أَن عبد الله بن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ جَاءَ بِغُلَام إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَد هَذَا فَإِنَّهُ سرق. فَقَالَ لَهُ عمر: فَمَاذَا سرق؟ قَالَ: سرق مرْآة لامرأتي ثمنهَا سِتُّونَ درهما. فَقَالَ عمر: أرْسلهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قطع، خادمكم سرق مَتَاعكُمْ». .الْأَثر الرَّابِع: وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ عَنهُ فِي مُسْنده عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عَن أَبِيه، عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن «أَن سَارِقا سرق أتْرُجة فِي عهد عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأمر بهَا عُثْمَان فقومت ثَلَاثَة دَرَاهِم من صرف اثْنَي عشر درهما بِدِينَار فَقطع يَده». وَهِي الأترجة الَّتِي يأكلها النَّاس إِذْ لَو كَانَت من ذهب قدر الحمصة لم يقوم. قَالَ صَاحب الْمطَالع: قَالَ ابْن كنَانَة: كَانَت من ذهب قدر الحمصة يَجْعَل فِيهَا الطّيب. قَالَ صَاحب الْمطَالع: وَلَا يبعد قَول مَالك، فقد يُبَاع فِي كثير من الْبِلَاد بِثَلَاثَة دَرَاهِم فَكيف بِالْمَدِينَةِ، وَحين كثرت الدَّرَاهِم. قَالَ: وَهِي بِضَم الْهمزَة، وَتَشْديد الْجِيم، وَيُقَال أَيْضا: أترجة. قَالَ: وبالوجهين رُوِيَ فِي الْمُوَطَّأ. قَالَ: وَحَكَى أَبُو زيد «ترنجة» لُغَة ثَالِثَة، وَالْأول أفْصح. .الْأَثر الْخَامِس: وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مَرْوَان بن عبد الْعَزِيز، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «سَارِق أمواتنا كسارق أحياءنا فِي المجاعة». .الْأَثر السَّادِس: وَهَذَا الْأَثر لم أره فِي كتب السّنَن المسانيد، وَرَأَيْت من عزاهُ إِلَى السَّعْدِيّ والراوي عَن الإِمَام أَحْمد فَقَالَ: ثَنَا هَارُون بن إِسْمَاعِيل الخزاز، ثَنَا عَلّي بن الْمُبَارك، ثَنَا يَحْيَى بن أبي كثير، حَدثنِي حسان بن زَاهِر أَن ابْن حدير حَدثهُ عَن عمر قَالَ: «لَا تقطع الْيَد فِي عذق وَلَا عَام سنة» قَالَ السَّعْدِيّ: سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: العذق: النَّخْلَة، وعام: سنة المجاعة. فَقلت لِأَحْمَد: تَقول بِهِ؟ قَالَ: إِي لعمري. قلت: إِن سرق فِي مجاعَة لَا تقطعه. قَالَ: لَا إِذا حَملته الْحَاجة إِلَى ذَلِك، وَالنَّاس فِي مجاعَة وَشدَّة. .الْأَثر السَّابِع: وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه، وَرَأَيْت بِخَط بَعضهم أَن أَبَا الزبير قَالَ: «أضَاف رجل رجلا فِي مشربَة لَهُ، فَوجدَ مَتَاعا لَهُ قد أخبأه، فَأتي بِهِ أَبَا بكر فَقَالَ: خل عَنهُ فَلَيْسَ بسارق، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَة أخبأها». .الْأَثر الثَّامِن: وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي موطئِهِ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه «أَن رجلا من أهل الْيمن أقطع الْيَد وَالرجل قدم عَلَى أبي بكر الصّديق، فَشَكا إِلَيْهِ أَن عَامل الْيمن ظلمه، وَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل فَيَقُول أَبُو بكر: وَأَبِيك مَا ليلك بلَيْل سَارِق. ثمَّ أَنهم افتقدوا حليًّا لأسماء بنت عُمَيْس امْرَأَة أبي بكر، فَجعل الرجل يطوف مَعَهم وَيَقُول: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمن بيَّتَ أهل هَذَا الْبَيْت الصَّالح. فوجدوا الحُليَّ عِنْد الصَّائِغ وَأَن الأقَطع جَاءَ بِهِ، فاعترف الأقطع- أَو شهد عَلَيْهِ- فَأمر بِهِ أَبُو بكر فَقطعت يَده الْيُسْرَى، فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لدعاؤه عَلَى نَفسه أَشد عِنْدِي من سَرقته». قَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه: الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق لَا أرَاهُ أدْرك زمَان جده، وَإِنَّمَا يروي من الصَّحِيح عَن عمته عَائِشَة وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس. وَقد رُوِيَ هَذَا عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد، عَن أبي بكر مثله، وَرُوِيَ عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد فِي هَذِه الْقِصَّة قَالَت: «فَأَرَادَ أَبُو بكر أَن يقطع رجله ويدع يَده ليستطيب بهَا، فَقَالَ عمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتقطعن يَده الْأُخْرَى. فَأمر بِهِ أَبُو بكر فَقطعت» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحسن بن عَرَفَة، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن علية، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع «أَن رجلا أقطع الْيَد وَالرجل نزل عَلَى أبي بكر الصّديق فَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: مَا ليلك بلَيْل سَارِق، من قَطعك؟ قَالَ: يعْلى بن أُميَّة ظلما. فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: لأكتبن إِلَيْهِ وتوعده، فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ فقدوا حليًّا لأسماء بنت عُمَيْس قَالَ: فَجعل يَقُول: اللَّهُمَّ أظهر عَلَى صَاحبه. قَالَ: فَوجدَ عِنْد صائغ فألجئ حَتَّى ألجئ إِلَى الأقطع. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لغرته بِاللَّه كَانَ أَشد مِمَّا صنع، اقْطَعُوا رجله. فَقَالَ عمر: بل تقطع يَده. كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فَقَالَ: دُونك». وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر... فَذكره، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق... أَيْضا عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ رجل أسود يَأْتِي أَبَا بكر فيدنيه ويقرئه الْقُرْآن حَتَّى بعث ساعيًا- أَو قَالَ: سَرِيَّة- فَقَالَ: أَرْسلنِي مَعَه. قَالَ: بل تمكث عندنَا. فَأَبَى فَأرْسلهُ مَعَه واستوصى بِهِ خيرا، فَلم يغب عَنهُ إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَ قد قُطعت يَده، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر فاضت عَيناهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: مَا زِدْت عَلَى أَنه كَانَ يوليني شَيْئا من عمله فخنت فَرِيضَة وَاحِدَة فَقطع يَدي. فَقَالَ أَبُو بكر: تَجِدُونَ الَّذِي قطع هَذَا يخون أَكثر من عشْرين فَرِيضَة، وَالله لَئِن كنت صَادِقا لأقيدنك مِنْهُ. قَالَ: ثمَّ أدناه وَلم يحول مَنْزِلَته الَّتِي كَانَت لَهُ مِنْهُ. قَالَ: فَكَانَ الرجل يقوم بِاللَّيْلِ فَيقْرَأ، فَإِذا سمع أَبُو بكر صَوته قَالَ: تالله لرجل قطع هَذَا لقد اجترأ عَلَى الله. قَالَ: فَلم يصبر إِلَّا قَلِيلا حَتَّى فقد آل أبي بكر حليًّا لَهُم ومتاعًا، فَقَالَ أَبُو بكر: طرق الْحَيّ اللَّيْلَة. فَقَامَ الأقطع فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَده الصَّحِيحَة وَالْأُخْرَى الَّتِي قطعت فَقَالَ: اللَّهُمَّ أظهر عَلَى من سرقهم- أَو نَحْو هَذَا؛ وَكَانَ معمر رُبمَا قَالَ: اللَّهُمَّ أظهر من سرق أهل هَذَا الْبَيْت الصَّالِحين- قَالَ: فَمَا انتصف النَّهَار حَتَّى عثروا عَلَى الْمَتَاع عِنْده، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: وَيلك إِنَّك لقَلِيل الْعلم بِاللَّه: فَأمر بِهِ فَقطعت يَده». فَائِدَتَانِ: الأولَى: قَالَ صَاحب الاستذكار: اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث فَروِيَ «أَنه إِنَّمَا قطع رجله، وَكَانَ مَقْطُوع الْيَد الْيُمْنَى فَقَط» ذكره عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، فساقه كَمَا قدمْنَاهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي قتل الإِمَام وخرَّجه كُله سَوَاء سندًا ومتنًا. الثَّانِيَة: مَعْنَى «بيَّت الْأَمر»: أَتَاهُ لَيْلًا. وَقَوله: «لدعاؤه عَلَى نَفسه» كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة «لغرته بِاللَّه» أَي لجرءته عَلَى الله، وَوَقع فِي تَعْلِيق القَاضِي حُسَيْن أَن الْحلِيّ كَانَ لعَائِشَة وَأَنه كَانَ عبدا لَهَا، وَذكره القَاضِي أَبُو الطّيب فِي تَعْلِيقه عَلَى الصَّوَاب فَقَالَ: إِن الْمَسْرُوق كَانَ لأسماء بنت عُمَيْس زوج الصّديق كَمَا سلف. .الْأَثر التَّاسِع: وَهَذَا الْأَثر عزاهُ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب إِلَى تَعْلِيق الشَّيْخ أبي حَامِد، وَهُوَ غَرِيب عَنهُ لَا أعلم من خرجه عَنهُ، وَالْمَعْرُوف أَنه عَن أبي الدَّرْدَاء وَأبي مَسْعُود، كَذَلِك رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي سنَنه. .الْأَثر الْعَاشِر: وَهَذَا تقدم فِي الْبَاب قبله مَعْنَاهُ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَتَكَلَّمُوا فِي أَنه كَيفَ جَازَ لعمر هَذَا التَّعْرِيض لدفع الْحَد عَن الْمُغيرَة، وَفِيه إِثْبَات الْحَد عَلَى الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا صَرِيحًا عَلَى الْمُغيرَة، وَأَجَابُوا عَنهُ بِوُجُوه مِنْهَا: أَن الْحَد الَّذِي تعرض لَهُ الْمُغيرَة الرَّجْم، وحدهم حد الْقَذْف، وَهُوَ أَهْون من الرَّجْم، وَمِنْهَا: أَنهم كَانُوا مندوبين إِلَى السّتْر أَلا ترَى أَن ماعزًا لما ذكر لهزال أَنه زنا قَالَ لَهُ: بَادر إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن ينزل الله فِيك قُرْآنًا. فَذكر ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: «هلا سترته بثوبك يَا هزال». فَلَمَّا تركُوا الْمَنْدُوب استحقوا التَّغْلِيظ. .الْأَثر الْحَادِي عشر: وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة مُسلم ابْن خَالِد الزنْجِي، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أيمانهما}، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح، وَهَذَا مُنْقَطع، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِلَّا أَنه قَالَ: فِي قراءتنا {والسارقون والسارقات تقطع أَيْمَانهم} قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْقِرَاءَة الشاذة تنزل منزلَة أَخْبَار الْآحَاد. قلت: وَنقل الْحَاكِم عَن البُخَارِيّ وَمُسلم أَن تَفْسِير الصَّحَابِيّ فِي حكم الْمَرْفُوع، فيحتج بِهَذَا، ومَا ذكره الرَّافِعِيّ من تنزيلها منزلَة الْأَخْبَار صَحِيح، نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ فِي بَاب الرَّضَاع، وَجزم بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي الصّيام وَالرّضَاع، وَالْمَاوَرْدِيّ فيهمَا، وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب فِي الصّيام، وَوُجُوب الْعمرَة، وَالْقَاضِي حُسَيْن فِي الصّيام، والمحاملي فِي الْأَيْمَان فِي عدَّة الْمُسَافِر، وَابْن يُونُس فِي شَرحه فِي الْفَرَائِض فِي الْكَلَام عَلَى مِيرَاث الْأَخ للْأُم، وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان أَن الظَّاهِر من مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه لَا يحْتَج بهَا، وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَجزم بِهِ فِي شرح مُسلم فِي حَدِيث صَلَاة الْوُسْطَى، وَغَيره فَتنبه لذَلِك. .الْأَثر الثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر: .كتاب قطاع الطَّرِيق: ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيث «لَا يقطع إِلَّا فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا». وَقد سلف بَيَانه فِي الْبَاب قبله. وَحَدِيث «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تَعْذِيب الْحَيَوَان». وَهُوَ حَدِيث صَحِيح فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعث فَقَالَ: إِن وجدْتُم فلَانا وَفُلَانًا- لِرجلَيْنِ من قُرَيْش سماهما- فأحرقوهما بالنَّار». ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أردنَا الْخُرُوج: «إِنِّي كنت أَمرتكُم أَن تحرقوا فلَانا وَفُلَانًا، وَإِن النَّار لَا يعذب بهَا إِلَّا الله، فَإِن وجدتموهما فاقتلوهما». فَائِدَة: الرّجلَانِ هَبَّار بن الْأسود، وَنَافِع بن عبد عَمْرو، وَذكره الْبَزَّار فِي مُسْنده وَفِي سيرة ابْن إِسْحَاق: نَافِع بن عبد قيس الفِهري، وَفِي سنَن أبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَانْطَلق لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حمَّرة مَعهَا فرخان فأخذنا فرخيها، فَجَاءَت الحمَّرة فَجعلت تغرِّس، فجَاء النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من فجع هَذِه فِي وَلَدهَا؟ ردوا وَلَدهَا إِلَيْهَا وَرَأَى قَرْيَة نمل قد أحرقناها فَقَالَ: من حرق هَذِه؟ قُلْنَا: نَحن. قَالَ: إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يعذّب بالنَّار إِلَّا رب النَّار». وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَقَالَ: «فَجعلت تصيح» وانتهت رِوَايَته إِلَى عِنْد قَوْله: «ردوا وَلَدهَا إِلَيْهَا. قَالَ: فردوهما» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. فَائِدَة: قَرْيَة النَّمْل مَعْنَاهُ مَوضِع النَّمْل مَعَ النَّمْل. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب من الْآثَار أثر ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض} أَنَّهَا وَارِدَة فِي حق قطاع الطَّرِيق من الْمُسلمين دون أهل الْكفْر والمرتدين، وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْد أَكثر الْعلمَاء، وَاحْتَجُّوا لذَلِك بقوله تَعَالَى: {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} الْآيَة، وتوبة الْكَافِر فِي أَنَّهَا تسْقط الْعقُوبَة عَنهُ لَا يخْتَلف بَين أَن يُوجد قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ أَو بعْدهَا، وَلم يقيموا وزنا لقَوْل من قَالَ: إِن الْمُؤمن لَا يحارب الله وَرَسُوله. فَقَالُوا: لفظ الْمُحَاربَة يَنْتَظِم عِنْد الجرأة بالمخالفة والعصيان، أَلا ترَى أَن الله تَعَالَى يَقُول للْمُؤْمِنين {فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله}. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفسّر ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي- الْآيَة عَلَى مَرَاتِب وَالْمعْنَى أَن يُقتلوا إنَ قتلوا، أَو يصلبوا إِن أخذُوا المَال وَقتلُوا، أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف إِن اقتصروا عَلَى أَخذ المَال، وَكلمَة أَو للتنويع لَا للتَّخْيِير، كَمَا يُقَال: الزَّانِي يجلد أَو يرْجم. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَمَعْنى نفيهم من الأَرْض أَنهم إِذا هربوا من حبس الإِمَام يتبعُون ليرُدوا ويتفرق جمعهم، وَتبطل شوكتهم، من ظفر نابه نُقِيم عَلَيْهِ مَا تُؤَدِّيه جِنَايَته من الْحَد أَو التَّعْزِير. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَأما الْآيَة فلأهل التَّفْسِير فِي سَبَب نُزُولهَا خلاف كَبِير لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكره، وَفِي سنَن أبي دَاوُد والنَّسَائِيّ: أَنَّهَا نزلت فِي الْمُشْركين فَمن تَابَ مِنْهُم قبل أَن يقدر عَلَيْهِ لم يمنعهُ ذَلِك أَن يُقَام فِيهِ الْحَد الَّذِي أَصَابَهُ. وَفِي سنَن أبي دَاوُد أَنَّهَا نزلت فِي العرنيين. وَأما الْأَثر فَرَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فَقَالَ: أبنا إِبْرَاهِيم- هُوَ ابْن أبي يَحْيَى- عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس «فِي قطاع الطَّرِيق: إِذا قتلوا وَأخذُوا المَال قتلوا وصلبوا، وَإِذا قتلوا وَلم يَأْخُذُوا المَال قتلوا وَلم يصلبوا، وَإِذا أخذُوا المَال وَلم يقتلُوا قطعت أَيْديهم وأرجلهم من خلاف، وَإِذا أخافوا السَّبِيل وَلم يَأْخُذُوا مَالا نفوا من الأَرْض». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي قَالَ: وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم عَن دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُحَارب إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله إِذا عدى فَقطع الطَّرِيق فَقتل وَأخذ المَال صلب، فَإِن قتل وَلم يَأْخُذ مَالا قتل، فَإِن أَخذ المَال وَلم يقتل قطع من خلاف، فَإِن هرب وأعجزهم فَذَلِك نَفْيه» ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَطِيَّة، ثَنَا أبي، حَدثنِي عمي، حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس «فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة، قَالَ: إِذا حَارب فَقتل فَعَلَيهِ الْقَتْل إِذا ظهر عَلَيْهِ قبل تَوْبَته، وَإِذا حَارب وَأخذ المَال وَقتل فَعَلَيهِ الصلب وَإِن ظهر عَلَيْهِ قبل تَوْبَته، وَإِذا حَارب وَأخذ المَال وَلم يقتل فَعَلَيهِ قطع الْيَد وَالرجل من خلاف إِن ظهر عَلَيْهِ قبل تَوْبَته، وَإِذا حَارب وأخاف السَّبِيل فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّفْي، ونفيه أَن يطْلب». قَالَ الشَّافِعِي: وَاخْتِلَاف حدودهم باخْتلَاف أفعالهم عَلَى مَا قَالَ ابْن عَبَّاس إِن شَاءَ الله. قلت: وَرَوَاهُ ابْن الْمُغلس عَن عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا حجاج، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا خرج الرجل مُحَاربًا فَأَخَاف الطَّرِيق وَأخذ المَال قطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ من خلاف، وَإِذا أَخذ المَال وَقتل قطعت يَده وَرجله وصلب، وَإِذا قتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل، وَإِذا أَخَاف الطَّرِيق وَلم يَأْخُذ مَالا وَلم يقتل نفي». ثمَّ اعْلَم أَن الْغَزالِيّ فِي وسيطه جعل التَّفْسِير الْمَذْكُور عَن ابْن عَبَّاس من قَوْله مَرْفُوعا، وَهُوَ غَرِيب، وَقد أنكر عَلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي مشكله فَقَالَ: إِنَّمَا يعرف ذَلِك من تَفْسِير ابْن عَبَّاس. كَذَلِك ذكره الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ وَالنَّاس، وَكَذَلِكَ ذكره شَيْخه، وَجعله إِيَّاه مَرْفُوعا قَالَ: وَتَفْسِير ابْن عَبَّاس أرجح من تَفْسِير غَيره؛ لِأَنَّهُ ترجمان الْقُرْآن، وَالْمعْنَى يعضده.
|