الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء **
في المحرم ورد سابق الحاج وأخبر أنه لم يحج سوى أهل مصر واليمن. وحضر العزيز لمنجوتكين مائة ألف دينار وعسكرا يتبع بعضه بعضا. وورد البقط من النوبة. ووصل الحاج في ثامن صفر. وجلس في ربيع الأول القاضي محمد بن النعمان على كرسي بالقصر لقراءة علوم آل البيت ووردت من منجوتكين أسرى من الروم والحمدانية وعدة رءوس فعفا عن الحمدانية وطيف بمن عداهم. وورد من برقة أربعة وأربعون صندوقا على اثنين وعشرين جملا فيها المال. وبعث مفرج بن دغفل الجراح برجل من أعمال الشام زعم أنه السفياتي فشهر على جمل وهو يصفع. وفي ربيع الآخر ورد الخبر بوصول الروم إلى أنطاكية فأخرجت مضارب العزيز إلى منية الأصبغ وذلك أن منجوتكين لم يزل محاصراً لابن حمدان بحلب من شعبان سنة أربع إلى ربيع الأول من هذه السنة حتى أشرف على أخذ البلد وراسل ابن حمدان يرد على ملك الروم بما هو فيه. وكانت في هدنة الروم وبني حمدان أنه إن جاء إلى حلب عدو يدفعه ملك الروم فخاف بسيل ملك الروم من العزيز أن يتمكن عساكره من حلب فيأخذ أنطاكية من الروم فجمع نحو أربعين ألفا وسار من قسطنطينية فكد أصحابه في السير والجنائب والبغال تتقطع حتى وصل إلى أعزاز في سبعة عشر يوما وهي مسافة شهرين لسير الاتصال وقد تقطع أصحابه حتى بقى في سبعة عشر ألفا فأنفذ إلى ابن حمدان يعلمه بنزوله أعزاز وكان قد وكل بالدروب والمضائق ومنع أن يخرج أحد من بلاده حتى يخفى خبر مسيره على منجوتكين فيأخذه على غفلة فلما بعث إلى ابن حمدان يعلمه بأنه قد نزل بنفسه أعزاز فأقيموا الحروب مع منجوتكين من الغد حتى وهو في الحروب. وكانت هذه الرسالة مع رجلين من قبله فلقيهما رجل من أصحاب منجوتكين في الليل فسألهما: من أين جئتما فظناه من الحمدانية فأخبراه فقبض عليهما وأتى بهما إلى منجوتكين فأخبراه أن بسيل ملك الروم على أعزاز فلما أصبح طرح النار في خزائن السلاح وفي بيوت وحوانيت كان قد بناها عسكره فاحترقت ورحل في آخر ربيع الأول إلى دمشق ووقع الصارخ في الناس بأن منجوتكين قد انهزم عن حلب وأن عسكر الروم يطلبه فهرب الناس من المدن والقرى من دمشق إلى حلب وغلت الأسعار وكانت أيام الحصاد فترك الناس غلالهم ودورهم. وسار ملك الروم فنزل إلى حلب واجتمع بابن حمدان ثم سار عنها إلى فامية وبها طائفة من عسكر منجوتكين فقاتلهم يوما واحدا ثم سار فنزل على طرابلس وراسل أهلها ووعدهم بالإحسان إن يثبتوا على ما يكون بينهم وبينه من العهد فخرج إليه ابن نزال والي البلد ليوافقه على أمر فاجتمع أهل البلد على أن ينصبوا أخاه مكانه ويمنعونه من الدخول ولا يسلموا البلد إلى الروم فلما رجع منعوه من الدخول فصار إلى ملك الروم. وصار ملك الروم عن طرابلس فنزل على انطرسوس وهي خراب فعمر حصنها وجعل فيه أربعة آلاف وسار إلى انطاكية فكثرت فيه الاعلال فسار بمن معه إلى القسطنطينية. وخرج منجوتكين من دمشق في شوال فنزل على انطرسوس فأقام يقاتل من فيها نحوا من شهر ثم عاد إلى دمشق. وأخذ العزيز لما بلغه مسير ملك الروم إلى بلاد الشام في التأهب للمسير وأطلق خمسين ألف دينار لابتياع ما يحتاج إليه وأخرج للكتاميين أربعة آلاف فرس وأمر أن يشتري لهم ألف فرس أخرى وأخرج الفازة الكبيرة وهي بعمود واحد طوله أربعة وأربعون ذراعا وفتح الفلكة التي على رأسه سبعة عشر شبرا وطول ثيابها خمسون ذراعا وفي رأسها صفرية فضة زنتها سبعة عشر ألف درهم ويحمل هذه الفازة سبعون بختيا. وقرئ سجل في الأسواق بالنفير فاضطربت البلد. ووصلت هدية من الهند فيها شجرة عود رطب. وظهر بمصر من الوطواط شيء كثير. واجتمع من الرعية وطوائف الناس بالسلاح للسفر مع العزيز ألوف كثيرة وخرج جيش ابن الصمصامة في عسكر كبير إلى الشام وسير لابن الجراح خمسون ألف دينار ولمنجوتكين مائة ألف وخمسون ألف دينار.
وخرج العزيز بسائر العساكر إلى منية الأصبغ في عاشر رجب فأقام شهراً ثم رجع إلى منا جعفر وقتل هناك الذي زعم أنه السفياني. وأحصيت الخيول التي سارت مع العزيز في اسطبلاته فكانت اثني عشر ألفا والجمال المحملة للعزيز ولوجوه خاصته فكانت ثلاثين ألفا سوى ما هو مع وجوه الدولة وحملت الخزانة السائرة على عشرين جملا سوى خزائن الوجوه والخاصة وكان معه من المال خمسة آلاف جمل على كل جمل صندوقان كبيران مملوءان مالا وألف وثمانمائة بختية وبختي على كل واحد صندوقان في كل منهما مثل ما في الصندوقين المحمولين على الجمل. وخرج خلق من التجار ووجوه الرعية مرتين إلى العزيز يسألونه المقام وأن لا يخرج من مصر ويسير العساكر فشكرهم وقال: إنما أسير لنصرة الإسلام والذب عن بلدانه وصيانة أهله. فقدم رسول ملك الروم يخبر بوصوله إلى بلده ويعتذر عن مسيره ويسأل الهدنة فأجيب إلى وورد كتاب ابن حمدان يسأل فيه العفو وأن يقر على عمله فأجيب بالعفو عنه وخلع على رسوله وحمل. ونودي في رمضان بالقاهرة ومصر: من كان من أهل السلاح فليخرج ليأخذ الرزق الكثير. وأنفذت العساكر لحفظ الأطراف. وسير إلى الإسكندرية والصعيد بالعساكر. وصلى منصور بن العزيز بالناس صلاة عيد الفطر وخطب بمنا جعفر على رسم أبيه وزيه وعليه المظلة والجوهر. وفي نصف شوال ماتت أم ولد العزيز وزوجته بمنا جعفر فحملت إلى القصر وصلى عليها العزيز وكفنها بما مبلغه عشرة آلاف دينار وأخذت الغاسلة ما كان تحتها من الفرش وعليها من الثياب فكان مبلغ ما نالها ستة آلاف دينار ودفع إلى الفقراء ألفا دينار وللقراء الذين قرأوا على قبرها ثلاثة آلاف دينار. ورثاها جماعة من الشعراء فأجيزوا ففيهم من كانت جائزته خمسمائة دينار. ورجع العزيز إلى مضاربه وأقامت ابنتها على قبرها شهراً تقيم العزاء والعزيز يأتيها كل يوم وسارت قافلة الحاج بالكسوة والصلات في سادس عشر ذي القعدة.
وتوفيت أم العزيز فرجع العزيز إلى القاهرة وصلى عليها وأمر بالصدقة ورجع إلى مضاربه. وصلى العزيز بالناس صلاة عيد النحر وخطب في مضاربه ونحر سنة ست وثمانين وثلاثمائة: في محرم ورد سابق الحاج فخلع عليه بالمخيم وقدم الحاج لثمان بقين من صفر. وفي ربيع الأول جهزت المراكب الحربية وأشحنت بالمقاتلة. وفي العشرين منه رفع العزيز إلى غيفة فنزل بالعقارية بعد أن أقام في مناخه أربعة أشهر وخمسة وعشرين يوماً فأقام بها ليلة ورفع إلى بلبيس فنزل بظاهرها. ونودي في البلد لا يتأخر أحد عن المسير في الأسطول فوقعت في الأسطول نار فاحترق وقت صلاة الجمعة لست بقين من ربيع الآخر فأتت على ما فيه من عدة وسلاح حتى لم يبق منه غير ست مراكب لا شيء فيها فاتهم بذلك الروم الأسارى وكانوا في دار بجوار الصناعة بالمقس فنهبتهم العامة وقتلوا منهم مائةً وسبعة أنفس. وحضر عيسى بن نسطورس ويانس الصقلبي متولي الشرطة إلى الروم فاعترفوا بأنهم أحرقوا وشرع عيسى بن نسطورس في إنشاء اسطول جديد وظفر بعدة من النهابة فقتل بعضهم وحبس بعضهم بعد الضرب الشديد فأحضر كثير مما نهب. ووردت غزاة البحر بمائتي أسير وعشرين أسيرا طيف بهم البلد. ووصل من برقة ستون فرسا منها عشرة بسروجها ولجمها وعشرون بغلة عليها صناديق المال وخمسمائة جمل عليها قطران وغيره وعدة من صبيان وعلوج من السبر ونزع السعر فمنع من بيع القمح لغير الطحانين ولخمس بقين من رجب ابتدأ بالعزيز المرض فأقام به إلى ثامن عشرين رمضان فاستدعى القاضي محمد بن النعمان والحسين بن عمار لليلتين بقيتا منه وخاطبهما في أمر ولده ثم استدعى ولده وخاطبه. ثم توفي من يومه بين صلاتي الظهر والعصر من مرض القولنج والحصاة في مسلخ الحماد ببلبيس فلم يكتم موته. ورحلت سيدة الملك ابنة العزيز في الليل وسار بمسيرها القيصرية لأنهم كانوا برسمها ومعهم القاضي محمد بن النعمان وريدان صاحب المظلة وأبو سعيدا ميمون دبة فوافوا القاهرة وأقيم المأتم والصياح بالقصر وضبط الناس أحسن ضبط فلم يتحرك أحد ولم يبق شارع ولا وبادر برجوان إلى أبي علي منصور بن العزيز فإذا هو على شجرة جميز يلعب في دار ببلبيس فقال له: بسك تلعب انزل. فقال له: ما أنزل والله الساعة. فقال له: انزل ويحك! الله فينا وفيك وأنزله ووضع على رأسه العمامة بالجوهر وقبل له الأرض وقال: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. وأخرج به إلى الناس فقبل جميعهم له الأرض وسلموا عليه بالخلافة. وخرج الناس من الغد للقائه فدخل إلى القاهرة وبين يديه البنود والبوقات بالمظلة يحملها ريدان والعساكر كلها معه والعزيز بين يديه على عمارية وقد خرج قدماه منها ونودي في البلد: لا مؤنة ولا كلفة وقد أمنكم الله على أنفسكم فمن عارضكم أو خاطبكم فقد حل دمه وماله. وتولى القاضي ابن النعمان غسل العزيز ودفن مع آبائه في تربة القصر بعد عشاء الأخيرة. وأصبح الناس والأحوال مستقيمة. وقد لقب أبو علي المنصور الحاكم بأمر الله. فاتفق كل المغاربة واشترطوا أن لا ينظر في أموالهم إلا ابن عمار. وباتوا ليلة العيد وأصبحوا يوم الفطر فصلى بالناس القاضي محمد بن النعمان وهو متقلد للسيف فعندما صعد المنبر قبل موضع جلوس العزيز وبكى فضج الناس بالبكاء والنحيب وخطب فندب العزيز وبكاه ودعا للمحاكم وعاد إلى القصر والعساكر صفين من المصلى إلى باب القصر فحضر الحاكم اسماط. وكانت مدة العزيز في الخلافة بعد أبيه المعز إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر ونصف ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما. وكان نقض خاتمه: بنصر العزيز الجبار ينتصر الإمام نزار. وخلف من الولد: ابنه منصورا وسيدة الملك وولدت بالمغرب في ذي القعدة سنة تسع وخمسين وثلاثمائة . وكان أسمر طوالا أصهب الشعر أعين أشهل عريض المنكبين شجاعاً حسن العفو والقدرة لا يعرف سفك الدماء حسن الخلق قريباً من الناس بصيراً بالخيل وجوارح الطير ووزر له: يعقوب بن كلس اثنتي عشرة سنة وشهرين وتسعة عشر يوما. ثم أبو الحسن علي بن عمر العداس بعد ابن كلس سنة واحدة ثم أبو الفضل جعفر بن الفرات سنة. ثم أبو عبد الله الحسين بن الحسن البازيار سنة وثلاثة أشهر. ثم أبو محمد بن عمار شهرين. ثم الفضل بن صالح أياما. ثم عيسى بن نسطورس سنة وعشرة أشهر. وكانت قضاته: أبو طاهر محمد بن أحمد. ثم أبو الحسن علي بن النعمان. وكانت خرجاته إلى السفر: أولها ثامن صفر سنة سبع وستين ثم عاد من العباسة. والثانية سار إلى الرملة وظفر بأفتكين التركي. والرابعة نزل منية الأصبغ في ربيع الأول سنة أربع وسبعين ثم عاد بعد ثمانية أشهر واثني عشر يوما. والخامسة برز في عاشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين فأقام مبرزاً أربعة عشر شهراً وعشرين يوما وفيه مات. وهو أول من اتخذ من أهل بيته وزيراً أثبت اسمه على الطرز وقرنه باسمه. وأول من لبس منهم الخفتان والمنطقة. وأول من اتخذ منهم الأتراك واصطنعهم وجعل منهم القواد. وأول من رمى منهم بالنشاب. وأول من ركب منهم بالذؤابة الطويلة والحنك وضرب بالصوالجة ولعب بالرمح. وأول من عمل مائدة في الشرطة السفلى في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق. وأقام طعاما في جامع القاهرة لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان واتخذ الحمير لركوبه إياها. وتجدد في أيامه من العمائر: قصر الذهب بالقاهرة. وجامع القاهرة. المعروف بجامع الحاكم وبستان سردوس. والفوارة بالجامع العتيق. والقصور بعين شمس. والمصلى الجديد بالقاهرة. وحصن الرسيين. والمنظرة على الخليج. وقنطرة الخليج القديمة التي بناها عبد العزيز بن مروان وقنطرة بني وائل. والحمامات التي بالقاهرة. ودار الصناعة التي بالمقس. والمراكب مما لم ير مثله قبله كبرا ووثاقة وحسنا. وهو أول من ركب في الجمع شهر رمضان وصلى بالناس. وأول من بنى دار الفطرة وقرر فيها ما يحمل إلى الناس في العيد. وبلغ راتب مطبخه ومائدته في كل يوم مالا عظيما فلم يكن أحد من الأتراك والعبيد إلا وله وظيفة راتبة كل يوم. وكان يعلف له من الخيل في كل يوم والبغال والحمير والجمال عشرون ألف رأس منها لركوبه ألف فرس سوى البغال. وقال ابن سعيد عن كتاب سيرة الأئمة لابن مهذب: قال: كتب أبو جعفر محمد ابن حسين بن مهذب صاحب بيت المال إلى العزيز: يا مولانا صلى الله عليك : ربما سألني أهلي وكتابي وبعض الكتاب المتصرفين من عبيد الدولة الموثوق بهم في قرض مال ومالي لا يحتمل ذلك ومال مولانا فلا تبسط فيه يدي إلا بإذنه وقد كتبت هذه الرقعة إلى مولانا أستأذنه فيما أعول عليه. فوقع العزيز عليها: يا محمد: سلمك الله من أتاك من أهلك وكتابك وخزانك والمتصرفين معك ومن سائر عبيدنا والمتمسكين بأذيالنا يطلب منك سلفا ورأيت منه ما يدل على صحة ما شكاه من ضرورته وعلمت صدقه في ديانته فادفع إليه ما رأيته وخذ منه خطه ولا تطلب منه فإن رده إليك عفوا من ذات نفسه فخذ منه وإن لم يرده إليك وعلمت أن يده لا تصل إلى رده فاعذره في تأخير ما قبضه وإن طلب زيادةً زدته على شرطه واسكت عن طلبه ومن عرفت أنه قادر على رد ما قبضه ولم يعده إليك فأمسك عن طلبه وامنعه من مثله. وأنفذ العزيز إلى أبي عبد الله حسين بن البازيار ببلبيس وقد اشتد به الوجع فبكى رأه فقال له العزيز: تبكي يا حسين! لا تبك علي الساعة ولكن إذا ضرب مولاك الأمير ابني بيده على لحيته فابك البكاء الطويل إن قدرت. فلما كان في سنة أربع وتسعين قتل الحاكم ابن البازيار عند خروج لحيته. وكان رشيق الحمداني يقول عن الحاكم: هذا يقتلني. فسئل عن ذلك فقال: دخلت على العزيز وهو مطرق كأنه يخاطب نفسه فبعد وقت رفع رأسه وقال: أي وقت جئت فقلت: من ساعة. فقال: كنت مفكرا في قوم أشجو صدري وملأوا بالغيظ قلبي ولا أدري ما أعمل. فقال: ما هذا يكون بيدي ولكنه والله سوف يجيء من يقتلهم ويقتلك معهم. وأرى الحاكم قد قتل جماعة ولا بد له مني. وكذا كان. وقال القرطي: كان المثل يضرب بأيام العزيز في مصر لأنها كانت كلها أعياداً وأعراسا. وقال ابن الأثير: قيل إنه ولي عيسى بن نسطورس النصراني كتابته واستناب بالشام يهوديا اسمه منشا إبراهيم بن القزاز فاعتز بهما النصارى واليهود وآذوا المسلمين فعمد أهل مصر وكتبوا قصة وجعلوها في يد صورة عملوها من قراطيس فيها: بالذي أعز اليهود بمنشا والنصارى بعيسى بن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا كشفت ظلامتي. وأقعدوا تلك الصورة على طريق العزيز والرقعة بيدها فلما رآها أمر بأخذها فإذا الصورة من قراطيس فعلم ما أريد بذلك فقبض عليهما وأخذ من عيسى بن نسطورس ثلاثمائة ألف دينار ومن اليهودي شيئاً كثيراً. وكان يحب العفو ويستعمله فمن حلمه: أنه كان بمصر شاعر اسمه الحسن بن بشر الدمشقي وكان كثير الهجاء فهجا يعقوب بن كلس وزير العزيز وكاتب الإنشاء من جهته أبا نصر عبد الله بن الحسين القيرواني فقال: قل لأبي نصرٍ كاتب القصر والمتأتي لنقض ذلك الأمر انقض عرى الملك الوزير تفز منه بحسن الثنا والذكر واعط وامنع ولا تخف أحدا فصاحب القصر ليس في القصر وليس يدري ماذا يراد به وهو إذا درى فما يدري فشكاه ابن كلس إلى العزيز وأنشده الشعر فقال: هذا شيء اشتركنا فيه في الهجاء فشاركني في العفو عنه. ثم قال هذا الشاعر أيضاً وعرض بالفضل القائد: تنصّر فالتنصر دين حقٍّ عليه زماننا هذا يدل وقل بثلاثة عزوا وجلوا وعطّل ما سواهم فهو عطل فيعقوب الوزير أبٌ وهذا العزيز ابنٌ وروح القدس فضل فشكاه الوزير إلى العزيز فامتعض منه إلا أنه قال: اعف عنه. ثم دخل الوزير على العزيز فقال: لم يبق للعفو عن هذا معنى وفيه غض من السياسة ونقص لهيبة الملك فإنه قد ذكرك وذكرني وذكر ابن رباح نديمك وسبك بقوله: زيارجيٌ نديمٌ وكليسيٌّ وزير نعم على قدر الكلب يصلح الساجور فغضب الوزير وأمر بالقبض عليه فقبض عليه لوقته ثم بدا للعزيز إطلاقه فأرسل إليه يستدعيه وكان للوزير عين في القصر فأخبره بذلك فأمر بقتله فقتل فلما وصل رسول العزيز في طلبه أراه رأسه مقطوعا فعاد إليه وأخبره فاغتم له. وقال ابن الأثير: أبو الفتيان محمد بن حيوس: لما مات العزيز وحضر الناس للتعزية بالقصر واجتمع الناس على اختلاف طبقاتهم افحم الناس بأجمعهم عن أن يوردوا في ذلك المقام شيئا مما يليق بالوقت ومكثوا مطرقين فقام صبي من أولاد الأمراء الكتاميين. وأنشد: انظر إلى العلياء كيف تضام ** ومآتم الأحساب كيف تقام خبّرتني ركب الركاب ولم يدع ** للسفر وجه ترحّل فأقاموا فاستحسن الناس من إيراد الصبي لذلك وطرق الناس إلى إيراد المراثي ونهض الشعراء والخطباء فعزوا وأنشد كل إنسان ما عمل في التعزية. وكان الصبي هو الذريعة إلى إيراد ما أوردوه وكشف ما نزل بهم من المهابة والمخافة.
|